عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2018

"الإرهاب واستعصاء المفهوم" للتونسي العبيدي: محاولة لتأصيل المفاهيم
علي العبيدي*
الرأي - يحاول المؤلف في هذا العمل الصادر عن دار المنتدى للنشر بتونس في 264 صفحة،الإجابة على السؤال المركب التالي: هل يمثل الإرهاب مفهوما بالمعنى العلمي؟ وهل يشكل، في غياب تعريف موضوعي وحاسم، جريمة مستقلة وفق مقاييس القانون الدولي؟
 
عرضت المقدمة لبعض المسائل المنهجية من قبيل:
 
- لماذا يجب الوصول إلى تعريف متفق عليه للإرهاب؟
 
- ما هي انعكاسات عدم تعريف "الإرهاب"؟
 
- العوائق المرتبطة بمفهوم الإرهاب.
 
- الإرهاب والعنف.
 
- هل للإرهاب تاريخ؟
 
وعمل الكاتب في الباب الأول ("الإرهاب" وسؤال المفهوم) على بيان أن "الإرهاب" لا يشكل مفهوما بالمعنى العلمي وعلى أن التحول السيميائي الذي شهدته كلمة "إرهاب" كان راديكاليا.
 
لذلك عرض الكتاب للأفكار التالية:
 
طرح في القسم الأول سؤالا حول ما إذا كان"الإرهاب" مفهوما علميا؟
 
وأوضح أن "الإرهاب" لا يشكل مفهوما نظريا وإن كان، كظاهرة، قابلا للدراسة العلمية. انه موضوع علمي لا يمكن صياغته مفهوميا. ذلك أن المفهوم يفترض أن يحصل اعتراف واتفاق بين أشخاص من مختلف أصقاع العالم، بأن ما نسميه "إرهابا" هو كذلك حقا. إلا أن العالم مازال أبعد ما يكون عن هذه القناعة والفهم المشتركين.
 
ويشير الكتاب إلى الإشكاليات التي أثارها توظيف هذا المصطلح في حقول معرفية مختلفة.
 
فالإرهاب في أحسن الحالات ليس أكثر من حكم قيمة ويصبح ذا دلالات نسبية ومتغيرة وحتى سوقية وتختلف معانيه حسب المصلحة.
 
فالإرهاب لا يستجيب للمعايير العلمية للمفهوم النظري. فبالإضافة إلى شحنته العاطفية والأخلاقوية القوية (قابليته للتوظيف) التي تؤثر على الحياد الاكسيولوجي للباحث، فإن صياغته تصطدم على الأقل بعائقين آخرين: الطابع المتنافر والمشتت للظواهر التي تصنف تحت عبارة "إرهاب" والرهانات الرمزية والسياسية المرتبطة باستخدام هذه العبارة، وتتعلق بالصراعات المستحكمة حول الشرعية وتشويه مواقف الخصوم، وهو ما يؤدي إلى استحالة التوافق حول معنى المفهوم ودلالته.
 
لذا اتجه علم السياسة كما العلوم الاجتماعية للتركيز لا على "الإرهاب" (كظاهرة) ولا على فعل "الإرهاب" في حد ذاته بل على من يستخدم "الإرهاب"؛ أي على الخطاب (الإعلامي والسياسي) حول الإرهاب وهو ما يفترض حكما أخلاقيا بالضرورة. لذلك قال "ديدييه بيقو": "لا يوجد إرهاب" بمعنى أنه يصعب صياغته مفهوميا.
 
كما تطرق الباب الأول للتحول السيميائي الراديكالي الذي عرفته عبارة "إرهاب" وعرض:
 
أولا: الأصل السيميائي:
 
تأسيسا على أن اللغة ليست تعبيرا محايدا، ذلك أن القاموس ليس وصفيا فقط، ولكنه بالأساس قانون، تؤكد معاني الكلمات الجانب الذي تميل إليه كفة السيطرة.. فمن يملك السلطة والسيطرة يملك لا شك حق صياغة وتسويغ معاني الكلمات.
 
تشير كلمة "إرهاب" في الأصل - كما تشكلت من خلال القواميس- إلى حكومة الرعب في فرنسا (نيسان 1793- تموز 1794). ووسعت نفس تلك القواميس ذلك المعنى ليشمل كل منهج للحكم مؤسس على الرعب، ما يؤكد العلاقة بين الإرهاب والدولة: الإرهاب نشأ مع الدولة ومارسته الدولة (من خلال السلطة المشرعة للقوانين أو بدونها) للمحافظة على كيانها.
 
وعليه يكون الإرهاب أداة مؤسسية تتميز بخاصيتين: تمارس بواسطة الدولة (أو أجهزتها) وتستهدف الجميع دون تمييز غالبا. لكن هذا المعنى سيقبر من خلال القواميس الأوروبية وإعادة تشكيله في الخطاب الغربي حول "الإرهاب".
 
ثانيا: التحول الراديكالي (سومييه) أو انقلاب المنظور (فرانك فيشباخ):
 
- رغم محافظته على أصل التسمية (أي استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية)، لم يعد الإرهاب يعني نظاما للرعب أو إرهاب دولة (كما في أصله السيميائي)، إنما صار يعني، مع نهاية القرن التاسع عشر، منهجا للصراع السياسي يقوم على أعمال عنف وترويع (كالاغتيالات والتفجيرات) تعتمده جماعات ثورية أو فوضوية من اليمين واليسار.. انه استعارة تدين أولئك الذين يجرؤون على معارضة احتكار الدولة للعنف. انه استراتيجية عنف موجهة أساسا ضد الدولة بواسطة الاغتيالات والتفجيرات، تهدف إلى خلق مناخ من الرعب.
 
- لماذا نصف هذا التحول بالراديكالي؟ لأنه أسس لإخراج إرهاب الدولة من القاموس اللغوي كصنف وأحاله إلى مجرد وضعية تاريخية خاصة (إلى خارج التاريخ)، واستحدث بدله صنفا آخر هو "إرهاب" الأفراد والجماعات الذي تجسد، ابتداء، مع ظهور الحركتين العدمية والفوضوية. لذلك تحدث بعضهم عن إرهاب سيميائي.
 
ويشير الكاتب إلى النتائج الخطيرة لهذا التحول السيميائي:
 
أولا: الاتجاه لتشويه وشيطنة كل مناهضة أو احتجاج للنظام القائم دون تمييز: وهذا يعني اتجاها لاستبعاد التفكير في أي تسمية ممكنة أخرى لها علاقة بوضعيات أو فترات تاريخية أخرى (ثورة، مقاومة، معارضة)
 
ثانيا: الشحنة القوية المقترنة بتهمة الإرهاب اليوم يصعب معها كل نقد خشية تصنيف الباحث أو المراقب وحتى الناشط السياسي أو الحقوقي، إلى جانب الموسومين حقا أو باطلا، بالإرهاب
 
ثالثا: أصبح ينظر لإرهاب الأفراد والجماعات باعتباره "جسما شاذا أو آفة يجب استئصالها مهما كان الثمن وليس مجرد موضوع بلاغي". ذلك أن الممسكين بمفردات الأيديولوجية المهيمنة تريد الإيهام أن السؤال عن تعريف "الإرهاب" لا معنى له ولا جدوى منه.
 
ومن ثم تم تبييض الدولة (مالكة الحق الشرعي في استعمال العنف) من الإرهاب، وإسقاط أية علاقة سببية بين إرهاب الدولة و"إرهاب" الأفراد، وتحميل "الرعاع" (أفرادا ومجموعات) كل الشرور التي يمكن نعتها بـ"الإرهاب".
 
- تفسير هذا التحول: ألم يكن هذا التطور ممكنا في اتجاه التوازن والشمولية، سيميائيا وبالتالي سياسيا وقانونيا، أي باتجاه إدانة إرهاب الدولة (المعنى الأصلي) وإرهاب الأفراد (المعنى المستحدث) وفي اتجاه مقاربة شاملة ومتوازنة "للإرهاب" مفهوما وبالتالي مصطلحا؟
 
لم يكن ذلك ممكنا على المستوى النظري لأنه أسس لإخراج إرهاب الدولة من القاموس اللغوي كصنف وأحاله إلى مجرد وضعية تاريخية خاصة ( إلى خارج التاريخ)، واستحدث بدله صنفا آخر هو "إرهاب" الأفراد والجماعات/ إرهاب الضعفاء/ الإرهاب- الفرع.
 
كان مصطلح إرهاب ومازال محل جدل وظل متسما بكونه وظيفيا ولا تاريخيا ومتحيزا. وتحول الإرهاب من ظاهرة معقدة لها سياقاتها إلى مجرد خطاب حول "الإرهاب".
 
لذلك خير اتجاه مهم من البحث هو تجاوز هذه الإشكالية النظرية والركون إلى تأليف غير علمي بين معنى "الإرهاب" في الحس الجماعي أو في المخيال الشعبي (الغربي) (شكل من أشكال العنف يستهدف مدنيين أبرياء غالبا بواسطة هجمات تفجيرية لشل وإخضاع كل الأعضاء الآخرين للمجتمع أو الجماعة المستهدفة) وبين معناه في الخطاب الرسمي الغربي (الآخر المختلف).
 
وعليه تستخدم كلمة "إرهاب" علميا، كموضوع أو كجسد، وليس كمفهوم قابل للدحض أو القبول.
 
نظريا إذن (فكريا وفلسفيا): يعكس هذا التحول جذور إقصاء الآخر والآخر المختلف في الفكر الغربي.
 
ولم يكن ذلك ممكنا على المستويات التاريخية والسياسية والاستراتيجية:
 
- تاريخيا وسياسيا: لم يغب إرهاب الدولة عمليا في التاريخ الأوروبي منذ عهد الرعب (أثناء الثورة الفرنسية) تصورا وممارسة أكان ذلك في إطار الدولة القومية (جذور العنصرية وإقصاء الغيرية القريبة مذهبيا ودينيا واجتماعيا وكذا أنظمة الفاشية والنازية والستالينية) أو في إطار علاقة الأنا الغربية المتمركزة على ذاتها بالآخر المختلف (الامبريالية والاستعمار والاحتلال والهيمنة ودعم الاستبداد)..
 
- استراتيجيا: مواكبة حركة التوسع الغربي والاستعمار الأوروبي (متعدد الأبعاد) للدول والشعوب "الهمجية" و"البربرية" (وما لحقها من تطورات دولية).
 
يمكن القول أن ما اصطلح على تسميته "بالإرهاب" كما تطور في التصور والممارسة الغربيتين يتسم بالأبعاد التالية:
 
1 – البعد العاطفي: تشكو هذه الكلمة من ضعف مفهومي كبير لأنها ليست مفهوما بل مجرد انطباع أو حكم قيمة. إنها آلية إدانة واتهام للآخر المختلف (من الأغيار القريبين أو البعيدين) في أحسن الأحوال وليست أداة للفهم والتفسير.
 
2 – البعد الأخلاقوي التواصلي: ويعني ذلك تحويل "الإرهاب" إلى طبيعة جوهرانية تتعلق بما يحدث في الضفة الأخرى، كما بالآخر المغاير أو المختلف وليس بالأنا المتمركزة على ذاتها ولا بما ترتكبه من أفعال في الداخل والخارج. ويتحول "الإرهاب"، إذن، إلى خطاب الأنا الاخلاقوي، إلى خطاب منتج ليس للكراهية فقط بل لتبرير إقصاء الآخر وشرعنة انتهاك كل القواعد والأصول في التعامل معه، من خلال تبييض الأنا وتطهيرها وإسقاط كل الشرور التي ارتكبتها، ومازالت، على الآخر.
 
3 – البعد السياسي والاستراتيجي: مثل هذه الكلمات تعكس رهانات سياسية كبرى ورهانات استراتيجية اكبر.
 
وإذا كان "الإرهاب" لا يشكل مفهوما بالمعنى العلمي، فهل يمثل جريمة مستقلة من منظور القانون والقانون الدولي؟ هل يمكّن المدخل القانوني من الحسم في مسألة تعريف الإرهاب؟
 
وانطلاقا من هذه القناعة، وضمن الباب الثاني "الإرهاب الدولي والمدخل القانوني" استخدم المقاربة القانونية الشائعة ليتبين أنها، على أهميتها، لا تمكّن من الإلمام "بالإرهاب" والإرهاب الدولي والحرب عليه (مفهوما ومقاربة) رغم ما بذلته دول ومؤسسات وهيئات وخبراء في العالم للاقتراب منه، وبخاصة في ظل الثنائية القطبية.
 
وقد مكّن تتبع المدارس الفقهية والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية، وكذا إسهامات المنظمات الدولية (وبخاصة جهازي الجمعية العامة ومجلس الأمن) من التحقق من أن الإرهاب، إذا كان يشكل جريمة دولية، فإنه لا يمثل جريمة مستقلة وفق مقاييس وقواعد القانون الدولي العام والمبادئ العامة التي أقرتها الأمم المتحدة بمعناها الوارد في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.
 
كما أن المقاربات القطاعية للإرهاب وللأعمال الإرهابية، مضافا إليها غياب تعريف منضبط للإرهاب، لا تمكن من تحقيق الأهداف المسطرة في استراتيجيات الحرب على "الإرهاب".
 
وانتهى الكتاب إلى أن المقاربة القانونية، على أهميتها، لا تمكن من الحسم في تعريف "الإرهاب" لأسباب عديدة منها أنها لا تطرح سؤال الأسباب الكامنة وراء"الإرهاب" كما توحي بذلك كل الآليات الدولية لمكافحة "الإرهاب". لذلك فإن الخيار التشريعي ضروري وسهل لكنه لا يحلّ المسألة.
 
ويشدد على وجوب الحسم بوضوح وحيادية في "مفهوم الإرهاب" والتصدي لأسبابه العميقة، لأنه، بغير ذلك، سنعيد إنتاج المآسي الإنسانية والانتهاكات الحقوقية والتكاليف المادية التي قادت إليها المقاربات الانفرادية للحرب على "الإرهاب"، وسنسهم في تعزيز ارتهان مبادئ الشرعية والعدل لإرادة فرسان الحرب المسعورة على "الإرهاب" من القوى الإمبراطورية وكيانات الاحتلال وعساكر الاستبداد الوظيفي.
 
*كاتب وباحث تونسي/ عضو اتحاد الكتاب التونسيين