عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Oct-2025

غزة أو جمهورية فلسطين*جهاد المومني

 الدستور

الآن صرنا نعرف سرّ الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية، خاصة من الدول الاستعمارية المتواطئة تاريخيًا مع إسرائيل، والتي في وقت اعتراف قادتها بالدولة الفلسطينية من على منبر الأمم المتحدة، كانت ولا زالت إلى الآن تُزوِّد إسرائيل بالأسلحة الفتّاكة لاستكمال جريمتها. كما عرفنا السر وراء تركيز ترامب على وقف الحرب في غزة دون أيّ ذكر للضفة الغربية في خطّته الموبوءة، ثم كرمه مع الغزيّين بإدخال الطعام والشراب وعودة المهجّرين ومنع تهجير من بقوا منهم، وبتنا نعرف الآن يقينًا معنى مقولة نتنياهو: «ما بدأ في غزة ينتهي في غزة».
 
فما الذي قصده نتنياهو بقوله هذا؟ ولماذا تغيّر الموقف الأميركي من استملاك غزة لإنشاء الريفيرا إلى إنقاذها بوقف الحرب وطيّ صفحة التهجير، بل والدعوة إلى إعمارها والتخطيط لمستقبلٍ جديدٍ آمنٍ لأهلها..!؟
 
في شرم الشيخ اتّضحت الصورة أكثر، فبعد أن كان الرهان على خطابٍ مختلف عن خطاب الكنيست، حيث أعلن ترامب ولاءه المطلق لإسرائيل في زمن نتنياهو وحكومته المتطرّفة، فقد قالت لغة أجساد المستمعين الكثير عمّا جاء به ترامب وقاله صراحة. فالبهجة بوقف إطلاق النار أطفأتها لغة الحديث عن غزة بمعزلٍ عن قضية فلسطين الكاملة، وتجاهل الفلسطينيين من الدعوة إلى المعاهدات الإبراهيمية الجديدة، لا معاهدات مع الفلسطينيين، بل حرب مفتوحة بدأت في غزة وستنتهي في غزة. أمّا الضفة الغربية فأمرها محسوم إن لم يكن اليوم ففي يومٍ آخر.
 
هذا هو جوهر النوايا الشيطانية المتفق عليها أميركيًا وإسرائيليًا، وبالتحديد بين الحليفين نتنياهو وترامب، وهنا يكمن الخبث في مقولة نتنياهو: «ما بدأ في غزة سينتهي في غزة». ورغم أن النكبة لم تبدأ بغزة، وإنما قبل عقودٍ على انتفاضتها في السابع من أكتوبر 2023، إلا أن مساعي الإسرائيليين والأميركيين جليّة في جعلها البداية والنهاية. فلا حديث عن الضفة الغربية التي تتعرّض للضمّ الصامت والتدمير والقتل دونما ضجيج، ولا عن حلّ الدولتين الذي غاب عن خطاب ترامب الساخر المخصّص لتقضية الوقت في التهريج دون أن يلامس لبّ الصراع ولو مجاملةً لقادةٍ وزعماء جاءوا من مختلف أنحاء العالم من أجل قضية السلام في الشرق الأوسط لا من أجل وقف الحرب فقط في غزة.
 
ما اكترث به ترامب أمن إسرائيل وحمايتها من الإرهاب ومن إيران التي خصّص لها الجزء الأكبر من خطبته في الكنيست، وعبّر بفخرٍ عن إخلاصه لإسرائيل ونجاعة أسلحته التي استخدمتها في تدمير غزة وقتل أطفالها وفي تدمير مفاعلات إيران النووية، ومن الطبيعي أنه حظي بالكثير من التصفيق ووقفات التحية لكلماته الرائعة بحقّ الكيان وقادته والانتصار الذي حققته إسرائيل على أطفال غزة.
 
أمّا في شرم الشيخ فكان الحكواتي الذي لم يتوانَ عن لعب دور (كبير القعدة)، فاستعرض عظمته أمام الجمع وأدار مؤتمر السلام على وقع مطالب نتنياهو وعلى عنوانٍ كبيرٍ واحد: توسعة الاتفاقيات الإبراهيمية حتى بدون سلام، فهو من نهض ليصفّق لرئيس الكنيست عندما أعلن أن إسرائيل تسعى إلى السلام مقابل السلام ولا شيء آخر.
 
لا شيء بالمطلق عن جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولا شيء عن دولةٍ فلسطينية، ولا شيء عن حقّ تقرير المصير لشعب فلسطين. ترامب يبني آماله على غزة المستعمَرة الأنيقة بمن بقي من سكّانها لتكون منتجعًا يستثمر فيه ويسميه (دولة فلسطين)، أو يمنحها اسمًا أكثر فخامةً ليكن «جمهورية فلسطين العظمى» إذا شئتم، هو لا يمانع، المهم أن هذا هو المخطط القديم الجديد لإنجاب مخلوقٍ مشوَّهٍ مبتور الأطراف في صفقةٍ جديدة كان اسمها صفقة القرن، واليوم أصبحت صفقة غزة المتوقع لها المخاض في فترة الإعمار وتدفّق الأموال العربية إلى شركاتٍ يساهم فيها الرئيس المستثمر وعائلته، أمّا فلسطين التي نعرفها فليس لها في فكر ترامب المحشوّ بما أملاه عليه نتنياهو أيّ مكان.