عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Jan-2019

بعد أن أخفق في حربين… هل سينجح التقدير الاستخباراتي لمواجهة إيران؟ - أوري بار يوسف

 

استعداد إسرائيل لتصعيد المواجهة مع إيران في سوريا تم التعبير عنه برد عسكري مباشر وكثيف على أي محاولة لتغيير قواعد اللعب التي نشأت قبل سنوات، بل وبتحمل المسؤولية المباشرة عن تنفيذ العمليات التي بقيت في السابق ضمن سياق الغموض. هذا الاستعداد للذهاب حتى حافة العتبة وأحياناً حتى تجاوزها، يرتبط بشكل وثيق بمنع الحرب التي ستستخدم فيها ترسانة صواريخ حزب الله ضدنا.
تقدير الاستخبارات الذي يقف في مركز هذه السياسة، يقول إنه في الظروف الحالية لكل الخصوم في الساحة الشمالية لا توجد مصلحة في التصعيد الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب. هذا التقدير بني على تقدير الوضع الذي يبين أنه طالما أن الصراع الداخلي في سوريا لم ينته فليس للتحالف المنتصر أي مصلحة في خلق مواجهة جديدة. معقول أن هذا التقدير يرتكز أيضاً على معلومات من مصادر سرية تعزز هذا المنحى، وعلى أجهزة استخبارات صديقة تعزز هذا التقدير أيضاً. بكلمات أخرى، المفهوم الاستخباري الإسرائيلي في المواجهة مع إيران في سوريا يستند إلى أرجل قوية.
ولكن المشكلة مع هذه المفاهيم التي تقدر النوايا في أساسها، هي أنها معرضة لتغييرات شديدة من شأنها أن تؤدي إلى نتائج خطيرة. لإسرائيل تجربة صعبة في أخطاء تقدير من هذا النوع. حربان من الحروب الكبرى في تاريخها كانت نتيجة لهذه الأخطاء في التقدير.
الحرب الأولى هي حرب الأيام الستة؛ في السنوات التي سبقت الحرب استخدمت إسرائيل سياسة عدوانية على الحدود السورية من أجل منع ما اعتبر مراكمة التهديدات على إسرائيل. في إطار ذلك قامت بتصعيد الأحداث بهدف ضرب الجيش السوري. النشاطات بلغت الذروة في شهر نيسان 1967 عندما أسقط سلاح الجو الإسرائيلي ست طائرات قتالية سورية، عدد منها في سماء دمشق. مفهوم الاستخبارات الذي ارتكزت عليه السياسة هو أن الجيش السوري أضعف من أن يواجه إسرائيل وحده، وأنه طالما أن الجيش المصري منشغل في الحرب الأهلية في اليمن، المستنقع الذي غرق فيه منذ العام 1962، فإن جمال عبد الناصر لن يخاطر بمواجهة مع إسرائيل.
بما يشبه المواجهة مع إيران الآن، فإن مفهوم «مستنقع اليمن الموحل» أيضاً أثبت نفسه جيداً خلال السنين، والحدود مع مصر بقيت هادئة. ولكن كلما تصاعدت المواجهة على الحدود الأخرى ازداد الضغط على ناصر لفعل شيء. في نهاية المطاف، عندما أدت تحركات السياسة الإسرائيلية إلى وضع تحد لزعامته للعالم العربي، خضع للضغط وقام بإدخال جيشه إلى سيناء وأعلن عن إغلاق مضائق تيران وشكل تحالفاً عربياً شكل تهديداً حقيقياً على إسرائيل. صحيح أن أزمة حزيران 1956 انتهت بانتصار عسكري ساحق، لكن يجدر أيضاً التذكر بأن هناك مفهومًا استخبارياً في أساسها تبين أنه مضلل، وهو بطابعه يشبه المفهوم الحالي.
الحرب الثانية هي فشل الإنذار في حرب يوم الغفران. هنا المفهوم معروف أكثر، لكن من المهم التذكر بأنه أيضاً وضع في أساسه أن استمرار الوضع الراهن غير المحتمل في نظر المصريين ـ هو الذي أبقاهم بدون خيار عسكري أو سياسي لاستعادة سيناء ـ لن يقودهم إلى شن حرب. لأنه هناك تفوقاً حاسماً للجيش الإسرائيلي على الجيش المصري.
أيضاً هذا المفهوم صمد سنوات، ولكن في نهاية المطاف خاطر أنور السادات وقرر شن الحرب، وفي هذه الحالة فقد أدى التمسك بالمفهوم إلى نتائج صعبة جداً.
حقيقة أن المفاهيم الاستخبارية تشبه المفاهيم الموضوعة في أساس سياسة إسرائيل مع إيران في سوريا فشلت في السابق، ولا تدل بالضرورة على فشل متوقع في الحاضر. مع ذلك، يمكننا أن نتعلم منها شيئين: الأول، قبل انهيار المفهوم المفاجئ تتراكم علامات، تدل على أن هذا المفهوم ربما لم يعد صالحاً، وهذا ما حدث في 1967 و1973، وعملية مثل إطلاق صاروخ إيراني من سوريا نحو إسرائيل يمكن أن تكون دلالة تشهد على ذلك. الثاني، هناك حدود للضغط الذي تستطيع إسرائيل استخدامه على الخصم بدون أن يرد بشدة. وخرق هذه الحدود يمكن أن يكون صدفياً تماماً. التيار الشاب المؤهل والمتحمس الذي أسقط طائرة «ميغ 21» السورية في سماء دمشق قبل حرب الأيام الستة لم يقصد التسبب بحرب، ومن أرسلوه أيضاً لم يقصدوا ذلك. ولكن كان لأسقاط الطائرة تأثير كبير على حساب الربح والخسارة لجمال عبد الناصر، وعلى قراره مواجهة إسرائيل.
التصريحات الهجومية لبنيامين نتنياهو ضد إيران لها تأثير رادع أيضاً. ولكن عندما أعلن بشكل علني في خطاب له في الأمم المتحدة في أيلول الماضي للقيادة الإيرانية «ما ستخبئونه سنعثر عليه». وعندما يتفاخر بغطرسة بدون أي حاجة إلى ذلك، بإنجازات الجيش الإسرائيلي والموساد، فإن نتنياهو يقوم بإهانة زعماء طهران ويمكن أن يدفعهم إلى الزاوية التي لا يكون لديهم فيها أي خيار سوى العمل. وإذا عملوا فإنهم هم وحلفاؤهم سيدفعون ثمناً باهظاً لذلك، ونحن أيضاً سندفع.
 
هآرتس