عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Sep-2025

لا يكفي، أبداً، أن نعتذر لهؤلاء الفنانين*حسين الرواشدة

 الدستور

حين يصرخ «الفنان» الأردني، تحت وطأة الإحساس بالتهميش والإقصاء، وربما الجوع أيضاً، ولا يجد أحداً يسمعه، او يعتذر اليه عن هذا الإهمال، فمن واجبنا ان نشعر بالخجل من أنفسنا، ثم ننتبه الى عمق «الأزمة» التي يعاني منها مجتمعنا، وليس مؤسساتنا فقط، فكم لدينا من «الأثرياء» الذين يمكن لهم -بجرة قلم- ان يدفعوا «الملايين» لإنقاذ الفن في بلدنا، لكنهم لا يفعلون، وكم لدينا من المناسبات والـ»مهرجانات» التي ينفق عليها الملايين، مع تغييب الفنان الاردني عنها، يمكن ان تستثمر أموالها لـ»إعادة الحياة» للفن الأردني الملتزم والنظيف.
 لا أتحدث، هنا، عن الفن الرخيص والثقافة المعلبة، ولا عن الفنانين العابرين، والمثقفين «تحت الطلب»، وإنما عن الفن الراقي والثقافة المنتجة، وأهلهما من الفنانين والمثقفين الذين يشكلون «ضميرنا» العام.. فمع تغييبهما تكون «أزمتنا» أزمة خطيرة، لأنها تتعلق بتعطل «الضمير»، وغياب الجمال والأنس، وتشويه الوعي، مقابل صعود الكراهية والعنف، وبروز القبح والوعي الزائف، والتطرف والعنف أيضاً.
 لا يكفي أبداً، أن نعتذر لهؤلاء الفنانين الذين أصبحوا يتسولون «على الرصيف»، ولا ان ندعو الى إنصافهم وإعادة الاعتبار «لمكانتهم» التي تليق بمجتمعنا، وانما لا بد أن نتحرك على الفور، حكومة ومؤسسات مدنية، وفي مقدمة ذلك نقابة الفنانين التي نعرف إمكانياتها المتواضعة، لكي ننقذ هذا القطاع الوطني، ونعيده الى سابق عهده، حيث كان «منارة» أردنية سامقة، يعرفها البعيد والقريب.
 ومع أنني أخشى ان تبقى هذه الصرخات تتردد في فراغ، إلا أنني أتمنى على إخواننا الفنانين والمثقفين ان يرفعوا أصواتهم مجدداً للمطالبة بحقوقهم، وان لا يتركوا قضية «الفن» تستسلم لقدرها المحتوم، فهم لا يدافعون – فقط – عن أوضاعهم وحقوقهم في الحياة الكريمة، وإنما عن «الفن» الذي يعني بالنسبة لهم ولنا «الحياة» الراقية والمؤنسة، كما ان حضوره يعني الدولة المزدهرة، والمجتمع النابض بالحيوية والجمال..
 أما هؤلاء الذين «أغلقوا» لواقطهم عن الاستماع لنداءات «الاستغاثة» التي أطلقها إخواننا الفنانون منذ سنوات، فليست لهم قضية أساسا مع «الفن»، ولا حتى مع الناس وهمومهم، لأنهم مشغولون بحسابات المال والامتيازات، ولأن كل ما يفهمونه عن «الفن» والإبداع لا يتجاوز حضور حفلة «غنائية»، من تلك التي « يرش» البعض آلاف الدولارات تحت أقدام نجومها من المطربين.
 لكي نفهم أكثر، يكفي أن نتصور هذه العلاقة الطردية بين تراجع اهتمامنا بالفن والإبداع وبين التحولات التي طرأت على مجتمعنا، والقيم الجديدة التي نشأت وترعرعت في ظل مناخات «التفاهة»، حيث تراجعت قيم النظافة والذوق الرفيع، وقيم الوطنية السامية، لمصلحة قيم الشطارة والنهب والتزلف، ولو أعدنا الذاكرة، فقط، لحقبة السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات لاكتشفنا عمق هذه التحولات الاجتماعية والثقافية التي ولّدت «فجوة» الانفصال بين الفن والإبداع، كمشروع في خدمة الدولة، وبين ما انتهى إليه كفائض عن الحاجة بعد ذلك.