الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ريناد منصور - (فورين أفيرز) 2024/11/13
ردًا على الهجوم الذي شنته "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، شنت الحكومة الإسرائيلية حربًا إقليمية تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط. واستهدفت إسرائيل في حربها على وجه التحديد ما يسمى بـ"محور المقاومة"، وهو شبكة من الجماعات المتحالفة مع إيران تشمل "حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان، والحوثيين في اليمن، ونظام بشار الأسد في سورية، وأجزاء من "قوات الحشد الشعبي" في العراق. ومن خلال العمل على نطاق يتجاوز كثيرًا الجهود السابقة ضد المحور، أمضت إسرائيل العام الماضي في محاولة تدمير البنية التحتية السياسية والاقتصادية والعسكرية واللوجستية والاتصالات للشبكة. كما شنت حملة غير مسبوقة ضد قيادة المحور، والتي أسفرت عن مقتل قادة "حماس" و"حزب الله" والعديد من كبار القادة في "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني.
سوف تغير شراسة الهجوم الإسرائيلي، الذي عززته التقنيات المتقدمة واستراتيجية الحرب الشاملة التي تسوي الأحياء والمدن بالأرض وتخليها من سكانها، بشكل كبير ميزان القوى في الشرق الأوسط. مع ذلك، وعلى الرغم من تفوقها العسكري الذي لا يمكن إنكاره، ناهيك عن الدعم الهائل الذي تتلقاه من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا، من غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من القضاء على المنظمات والأنظمة التي تنتمي إلى المحور بالطريقة التي تأملها. وقد أظهر المحور مرارًا وتكرارًا قدرة على التكيف، ومرونة تشهد على الروابط العميقة التي تحافظ عليها مجموعاته الأعضاء داخل دولها ومجتمعاتها. والأكثر من ذلك هو أن العلاقات العابرة للحدود الوطنية التي تشكل المحور تعني أن "حماس" و"حزب الله" والمنظمات الأعضاء الأخرى تُفهم بشكل أفضل -ليس كجهات فاعلة منفصلة من غير الدول أو جماعات مسلحة متمردة فحسب، بل كعقد مترابطة لشبكات سياسية واقتصادية وعسكرية وإيديولوجية مستدامة.
لقد سمحت هذه الشبكات، الإقليمية -وأحيانًا العالمية- لأعضاء المحور باستيعاب الصدمات المختلفة، بما في ذلك النكسات العسكرية، مثل اغتيال الولايات المتحدة لزعيمها الفعلي، الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في كانون الثاني (يناير) 2020؛ والانهيارات الاقتصادية، مثل العقوبات المعوقة التي فرضتها حملة "الضغط الأقصى" التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران؛ والانهيار المصرفي اللبناني في العام 2019، الذي حل الحسابات المالية للعديد من المجموعات الأعضاء؛ والانتفاضات الشعبية، مثل الاحتجاجات التي حاولت في أوقات مختلفة الطعن في سلطة المحور في إيران والعراق ولبنان وسورية وغزة. وعلى الرغم من هذه التحديات، اعتمد أعضاء المحور -والمحور ككل- على الدعم من دولهم ومجتمعاتهم المحلية، ومن بعضهم بعضا، للصمود والبقاء على قيد الحياة.
تشير المرونة التاريخية لمحور المقاومة إلى أن إسرائيل ستجد صعوبة في القضاء على جماعات مثل "حماس" و"حزب الله". وفق جميع الاحتمالات، ستستمر الاستراتيجية الإسرائيلية للحرب الشاملة في تحقيق انتصارات تكتيكية قصيرة الأجل تقلل من قدرات الجماعات والدول المسلحة، وتجبرها على نوع من العمل الحفاظ على البقاء فقط لبعض الوقت. ولكن من دون حل سياسي يتصالح مع الاندماج الاجتماعي للمجموعات، من المرجح أن يعتمد المحور مرة أخرى على مصادر النفوذ المحلية، إلى جانب روابطه العابرة للحدود الوطنية، لإعادة تشكيل نفسه على المستويين المحلي والإقليمي. في الواقع، منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، انتهزت مجموعات أصغر داخل المحور الفرصة لتعزيز تحالفاتها. وفي حين تتحمل "حماس" و"حزب الله" و"الحرس الثوري الإيراني" وطأة الهجمات الإسرائيلية، استفادت جماعات مثل "كتائب حزب الله" في العراق والحوثيين في اليمن، من الاضطرابات لتظهر كلاعبين إقليميين هائلين.
الصمود من خلال التكيف
يختلف محور المقاومة كما هو موجود اليوم اختلافًا كبيرًا عن الشبكة التي أنشئت في البداية في ثمانينيات القرن العشرين. في ذلك الوقت، أسست جمهورية إيران الإسلامية الوليدة "حزب الله" ورعته في لبنان كوسيلة لإبراز وممارسة القوة. وكان هدفها هو "تصدير الثورة" ونشر "دفاع متقدم" من خلال الردع غير المتكافئ ضد التهديدات المتصورة -بالتحديد إسرائيل. وكررت إيران هذا النموذج بشكل استراتيجي في مختلف البلدان. في نفس الوقت تقريبًا الذي أسست فيه إيران "حزب الله"، على سبيل المثال، أنشأت جماعات شيعية عراقية مثل "فيلق بدر"، الذي لعب دورًا في الإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين والاستيلاء على السلطة في عراق ما بعد العام 2003. وفي تسعينيات القرن العشرين، عززت إيران الفصائل الفلسطينية مثل "الجهاد الإسلامي في فلسطين" و"حماس"، مما ساعد على تعزيز نفوذها. وفي أعقاب الانتفاضات العربية في العام 2011، وسعت إيران دعمها لبشار الأسد في سورية والحوثيين في اليمن، لتزيد بذلك من توطيد شبكتها الإقليمية.
كان ما حافظ بشكل أساسي على إدامة هذه المجموعات هو اعتمادها العميق على أنظمتها الحاكمة المحلية والقواعد الاجتماعية. وقد اندمجت المجموعات في نسيج دولها حتى أن رؤساء الحكومات الرسميين في لبنان وسورية والعراق وإيران واليمن وغزة هم إما أعضاء في مجموعات تنتمي إلى المحور، أو تم اختيارهم بدعم من تلك المجموعات. وعلاوة على ذلك، كانت الروابط عبر الوطنية بين الجماعات بمثابة بوليصة تأمين حاسمة خلال فترات الصدمة.
جاء اختبار مبكر للمحور في العام 1992، عندما اغتالت إسرائيل عباس الموسوي، الذي كان الأمين العام لـ"حزب الله". في ذلك الوقت، أعلنت صحيفة إسرائيلية كبرى أن "عصر الصراع مع حزب الله في ملعبه المريح قد انتهى". ولكن، على الرغم من الهجوم تمكن "حزب الله" من إعادة بناء نفسه. وقد استفاد الحزب من الدعم المحلي من خلال حشد المجتمع الشيعي اللبناني وتأمين الدعم من إيران، التي قدمت المساعدات المالية والتدريب العسكري والتوجيه الاستراتيجي. ولم يُقتصر دعم شبكة الدعم القوية هذه على تمكين "حزب الله" من التعافي فحسب، بل ساعدته أيضًا على توسيع وبسط نفوذه. وبتوجيه من مجلس الشورى وحسن نصر الله، خليفة الموسوي، أصبح "حزب الله" في نهاية المطاف قويًا بما فيه الكفاية بحيث تمكَّن من إجبار إسرائيل على الخروج من الأراضي اللبنانية في العام 2000. هذا الانتصار، إلى جانب حرب العام 2006 التي قاتل فيها "حزب الله" إسرائيل وأوصلها إلى طريق مسدود -وهو إنجاز غير مسبوق للميليشيات العربية- عزز سمعته إلى حد كبير. كما بشر بقدوم تجسد جديد هائل لمحور المقاومة.
ثمة تحد آخر للمحور جاء في العام 2011، عندما واجه نظام الأسد في سورية تهديدًا وجوديًا في شكل حرب أهلية. في أعقاب احتجاجات ضد النظام سعت في البداية إلى إجراء إصلاحات، بدأت انتفاضة مسلحة خاضتها جماعات –بدعم من تركيا وبعض الدول العربية– تطالب بتغيير النظام. ولكن مرة أخرى، تمكن المحور من التكيف بطرق سمحت له بتجاوز هذه الأزمة. وقد تلقى الأسد المساعدة، جزئيًا، من خلال الروابط المهمة التي أقامها المحور مع دول خارج المنطقة: كان الحدث الأهم في هذا الإطار هو قدوم روسيا لإنقاذ الأسد، لتكون بذلك شريكًا عالميًا مؤثرًا للشبكة. لكنّ نظام الأسد استفاد أيضًا من مساعدة أعضاء المحور الآخرين. فبتوجيه استراتيجي من سليماني، بدأ "فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري الإيراني"، إلى جانب الجماعات المسلحة الشيعية العراقية، في بناء جسر بري حيوي لنقل الإمدادات والأسلحة والأفراد من إيران والعراق إلى سورية. وفي نهاية المطاف، تم نشر مقاتلي "حزب الله" في الخطوط الأمامية للحرب الأهلية، حيث لعبوا دورًا حاسمًا في قمع الانتفاضة المسلحة. (على الرغم من تردده في البداية في دخول الصراع السوري بسبب معارضة مؤيديه المحليين، اضطرت إيران "حزب الله" إلى التدخل). وبينما كانت حكومة الأسد تتأرجح على حافة الانهيار، تدخل "حزب الله" بشكل حاسم لحماية النظام ومنع ظهور نظام جديد في دمشق يمكن أن يكون معاديًا للمحور.
كما أدت الانتفاضات العربية في العام 2011 إلى اندماج الحوثيين رسميًا في محور المقاومة. بعد الإطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، أصبح الدعم الإيراني فعالاً وأساسيًا في تحويل الحوثيين من جماعة مسلحة محلية إلى قوة عسكرية هائلة. ومن خلال تقديم المساعدات المالية، والأسلحة المتقدمة والتدريب العسكري، مكنت إيران الحوثيين من تعزيز قدراتهم العملياتية. وسمحت هذه المساعدة للحوثيين، إلى جانب قواعد الدعم المحلية، بالسيطرة على العاصمة اليمنية، صنعاء، في العام 2014 والحفاظ على تفوقهم في مواجهة التحالف الذي تقوده السعودية.
بالإضافة إلى الهجمات العسكرية، واجه محور المقاومة أيضًا هجمات اقتصادية في شكل عقوبات. خلال السنوات الأولى من هذا القرن، دفعت طموحات إيران النووية ونفوذها المتزايد تحالفًا دوليًا بقيادة الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات جديدة على طهران وحلفائها داخل المحور. وازدادت العقوبات بشكل كبير في العام 2018 عندما تراجع ترامب عن الصفقة النووية الإيرانية وأطلق حملته لـ"الضغط الأقصى". وكان الهدف من هذه الحملة، في جزء منه، هو خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وبالتالي تجريد النظام من مصدر دخل حيوي. وقد دمرت العقوبات الاقتصاد الإيراني، لكنها لم توقف تجارة النظام الإيراني في النفط. بدلاً من ذلك، وجدت طهران طرقًا لبيع نفطها من خلال الأسواق غير الرسمية. وبمساعدة حلفائها في محور المقاومة، استخدمت إيران هذه الأسواق للاتجار بموارد الطاقة، وتمويل العمليات العسكرية، والوصول مرة أخرى إلى الدولار الأميركي. في العراق، على سبيل المثال، عملت إيران مع بقية أعضاء المحور للجمع بين النفط الإيراني وغير الإيراني قبل بيعه إلى دول في آسيا. وسمحت عائدات هذه التجارة لإيران بشراء مكونات الأسلحة وشحنها إلى حلفائها في كل أنحاء المنطقة. كما منحت المحور روابط وصلات عالمية إضافية في شكل مشتري النفط الصينيين.
كان التحدي الرئيسي الأخير الذي واجهه محور المقاومة قبل الهجوم الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) ضد "حماس" و"حزب الله" هو قيام الولايات المتحدة باغتيال قاسم سليماني في كانون الثاني (يناير) 2020. وكان سليماني قد ساعد في تأسيس المحور، وكان دوره كقائد فعلي له، فضلاً عن أسلوبه في القيادة من أعلى إلى أسفل، يعني أن تشكل وفاته نكسة كبيرة لإيران وحلفائها. ومع ذلك، على الرغم من أن الهجوم أرسل موجات من الصدمة في كامل أنحاء الشبكة -حيث ذهبت الجماعات الأعضاء في المحور في العراق إلى العمل السري- فإنه أظهر في النهاية قدرة المحور على التكيف للتعامل مع التهديدات الخطيرة.
بعد وفاة سليماني، انتقل المحور من شبكة تقودها إيران من أعلى إلى أسفل إلى تحالف يميل أكثر إلى التكامل أفقيًا. وقد احتفظت إيران بدور محوري في تحديد الاتجاه الاستراتيجي للمحور، لكن الهيكلية الجديدة سمحت للأعضاء الآخرين بقدر أكبر من الحكم الذاتي وبتفاعلات أكثر استقلالية مع كل من طهران وبعضهم بعضا. وفي هذا المحور المعاد إصلاحه، أصبح نصر الله، الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني، وسيطا مهمًا قدم إرشادات استراتيجية منتظمة لإسماعيل قاآني، خليفة سليماني. وكان قاآني يهدف إلى تحويل المحور إلى مؤسسة أكثر رسمية وتماسكًا، وتمكين أعضائه من السيطرة بشكل أكبر والعمل كأنداد. (ساعدت على تحقيق هذا الهدف، عن غير قصد إلى حد ما، حقيقة أن قاآني لم تكن لديه علاقات سليماني الشخصية عميقة الجذور ولا إجادته للغة العربية، مما جعل إرشادات نصر الله أكثر أهمية).
في العراق، على سبيل المثال، برز نصر الله وممثله، محمد الكوثراني، كمستشارين رئيسيين لحكومة بغداد. وقد ساعدا في قمع "انتفاضة تشرين" (أكتوبر) التي كانت قد اندلعت قبل بضعة أشهر من اغتيال سليماني، والتي طالب فيها المتظاهرون بإنهاء النظام الحاكم المتحالف مع إيران بعد العام 2003. وساعد نصر الله وكوثراني في تحصين النظام ضد الاحتجاجات الشعبية. وخلال هذه الفترة، وسع كوثراني أيضًا بشكل كبير المصالح الاقتصادية لـ"حزب الله" في جميع أنحاء العراق، مالئًا بذلك الفراغ الذي خلفه مقتل سليماني. وقد أعادت هذه التغييرات، على الرغم من أنها كانت مدفوعة بصدمة سلبية، تشكيل المحور مرة أخرى.
رد الفعل على حرب إسرائيل الشاملة
تتضاءل التهديدات السابقة التي واجهها محور المقاومة وتشحب مقارنة بالحرب الشاملة التي شنتها إسرائيل ردًا على هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. مع ذلك، وكما كان الحال مرارًا من قبل، اضطر المحور إلى التكيف من أجل الحفاظ على بقائه. وعلى وجه الخصوص، واصل الانتقال إلى هيكل قيادة أفقي بدرجة أكبر، وزاد من إحكام روابطه عبر الوطنية.
بدرجة أكبر بكثير مما فعلته في الصراعات السابقة، أثارت حرب إسرائيل ضد "حماس" و"حزب الله" ردًا قويًا من حلفاء آخرين داخل المحور، مثل الحوثيين و"كتائب حزب الله" العراقية التي تعود جذورها إلى "فيلق بدر" في العام 1980، والتي ترتبط حاليًا بـ"قوات الحشد الشعبي" في العراق. في السابق، كانت هذه الجماعات هامشية بالنسبة للديناميات الأوسع في صراعات الشرق الأوسط. ومع ذلك، عمقت خلال العام الماضي استقلاليتها ونفوذها الإقليمي.
على سبيل المثال، بدأ الحوثيون لأول مرة في استخدام الصواريخ الباليستية المضادة للسفن لتعطيل طرق الشحن التجارية، وهاجموا السفن التي تسافر عبر البحر الأحمر، مما أجبر شركات الشحن على تغيير مسارها لتدور حول القارة الأفريقية، وهو ما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن والتأخير في تسليم شحنات الطاقة، والغذاء، والسلع الاستهلاكية في جميع أنحاء العالم.
كما سعت "كتائب حزب الله" العراقية إلى مزيد من المشاركة والنفوذ في الساحة العابرة للحدود الوطنية مع تعرض "حماس" و"حزب الله" للهجوم. وفي خطوة تحدت المفاهيم الشائعة لدورها كوكيل لإيران، قتلت الجماعة ثلاثة من أفراد الجيش الأميركي في كانون الثاني (يناير) 2024 على الحدود الأردنية السورية في هجوم شنته على موقع عسكري أميركي يعرف باسم "برج 22". وتم اتخاذ هذا الإجراء ضد رغبات "الحرس الثوري الإيراني"، الذي ناشد "كتائب حزب الله" في وقت لاحق الدعوة إلى وقف لإطلاق النار. ومع ذلك، كشف الهجوم عن تكوين جديد للمحور تضمن اتخاذ أعضائه قرارات أكثر استباقية واستقلالية.
كما عززت إعادة التوجيه بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) علاقات أوثق بين بعض أعضاء محور المقاومة. لعدة سنوات، حافظ الحوثيون على وجود اسمي فقط في العراق، مع وجود ممثل واحد لهم في بغداد. وبدا عمل ذلك المبعوث رمزيًا أكثر منه حقيقيًا. ولكن، ردًا على الهجمات الإسرائيلية ضد "حماس" و"حزب الله"، عمق الحوثيون تعاونهم مع "قوات الحشد الشعبي". وشهد هذا التعاون المكثف زيادة في تبادل الأسلحة وتنسيق العمليات المشتركة، وشكّل حالة تكشف عن قدرة معززة لمهاجمة إسرائيل.
كما عمل أعضاء المحور معًا عبر الحدود بشكل أكثر تنسيقًا في أعقاب اغتيال نصر الله في أيلول (سبتمبر). في أعقاب وفاته، انتقل العشرات من أعضاء النخب الاقتصادية في "حزب الله" وعائلاتهم إلى جنوب العراق، وسافروا برًا عبر سورية بمساعدة الأسد. وسرعان ما وجدوا أماكن لإعادة التوطين، حيث كان "حزب الله" اللبناني قد عزز أنشطته التجارية في العراق بعد وفاة سليماني، بما في ذلك إطلاق استثمارات في البنية التحتية والأراضي والمجمعات السكنية. وسمحت هذه الروابط الاقتصادية لنخب "حزب الله" بالخروج من خط النار المباشر في لبنان مع الاستمرار في توليد الإيرادات. وهكذا، مرة أخرى، وفرت الروابط العابرة للحدود الوطنية للمحور شريان حياة حاسمًا لأعضائه خلال فترة من الصعوبة الهائلة.
الحاجة إلى المساءلة
بطبيعة الحال، تفهم إسرائيل الطبيعة العابرة للحدود الوطنية التي تميز محور المقاومة. وبسبب هذا الفهم بالتحديد، عكفت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على تطبيق استراتيجية الحرب الشاملة ردًا على هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وهي استراتيجية تضمنت شن هجمات متفاوتة الشدة -ليس ضد "حماس" وحدها فحسب، ولكن أيضًا ضد "حزب الله"، وإيران، ونظام الأسد وأعضاء المحور الآخرين.
مع ذلك، تشير تصرفات إسرائيل خلال العام الماضي إلى أنها قللت استراتيجيًا من شأن قدرة الشبكة على الصمود وإلى أي مدى يمكن لحل عسكري، حتى واحد لا يكون مقيدًا بالقانون الدولي، أن يُحدث تغييرًا مجتمعيًا في البلدان الأخرى. وقد أثبت العام الماضي أن الشبكة ما تزال قادرة، إلى حد كبير، على التكيف مع التحديات العسكرية والاقتصادية. وفي حين أن العديد من المجموعات الأعضاء فيها ستبقى تحت الأرض أو قريبة من الوطن خلال هذه الفترة من الصراع الشديد، إلا أنها ستستمر في الاعتماد على الدعم المحلي، وعلى الأعضاء الآخرين في الشبكة في جميع أنحاء المنطقة، وعلى الحلفاء العالميين مثل روسيا والصين. سوف يكون القضاء على الشبكة بشكل كامل مهمة مستحيلة ومن المرجح أن تتطلب، على الأقل، هدم واحتلال وإعادة تأسيس دول جديدة أينما كانت هذه الجماعات متأصلة ومندغمة. وبالنسبة لبلد مثل إسرائيل، التي اتهمت بارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، فإن من شأن هذا النوع من الجهد أن يؤدي إلى رد فعل سلبي من حلفاء رئيسيين ومن المجتمع الدولي.
يقترح التاريخ أنه من غير المرجح أن تنجح الأعمال العسكرية الإسرائيلية من دون حل سياسي شامل، خاصة عندما تتم تلك الأعمال خارج أراضيها. بدلاً من ذلك، من المحتمل أن تؤدي الحملة الإسرائيلية إلى شرق أوسط أكثر اضطرابًا، حيث يكون السلام الحقيقي مجرد احتمال بعيد. وقد ثبت أن المذابح الإسرائيلية في حق المدنيين، التي أدانتها الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، مدمرة للمجتمع المدني وتستخدمها جماعات المحور لتعزيز أيديولوجيتها القائمة على فكرة المقاومة. وعلى عكس ما هو متوقع إلى حد ما، سيجد السكان في إيران والعراق ولبنان وسورية الآن صعوبة أكبر في الإصرار على مساءلة مجموعات المحور التي تحكم حياتهم اليومية، ناهيك عن المطالبة بإصلاحات. سيكون هؤلاء المدنيون، وليس أعضاء المحور، هم أكبر ضحايا حرب إسرائيل الشاملة على المدى الطويل.
بدلاً من تمكين استراتيجية إسرائيل القاسية عديمة الرحمة، يتعين على الجهات الفاعلة الدولية أن تجد تسوية سياسية تبدأ بوقف إطلاق النار في الحروب الدموية الجارية في غزة ولبنان. ويجب أن تكون الخطوة التالية هي جلب الحكومات المرتبطة بالمحور للتفاوض على تسوية أوسع تأخذ في الاعتبار الطبيعة الحقيقية لديناميات القوة في المنطقة. ومن دون هذا النهج الشامل، سيكون مقدرًا للصراع الإقليمي في الشرق الأوسط أن يستمر، جالبًا معه الضرر والدمار للأجيال المقبلة.
*د. ريناد منصورRenad Mansour: زميل باحث أول في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومدير مشروع مبادرة العراق في "تشاتام هاوس". قبل انضمامه إلى تشاتام هاوس، كان زميل العريان في "مركز كارنيغي للشرق الأوسط". وهو أيضًا زميل باحث في "مبادرة كامبريدج الأمنية" في جامعة كامبريدج، ومنذ العام 2013 شغل مناصب كمحاضر للدراسات الدولية ومشرف في كلية السياسة، أيضًا في كامبريدج. منذ العام 2011، كان زميلاً باحثًا أقدم في "المعهد العراقي للدراسات الاستراتيجية" في بيروت، وكان مستشارا لوزارة المجتمع المدني في حكومة إقليم كردستان بين العامين 2008 و2010.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Axis of Resilience: Israel Is Underestimating Iran and Its Allies