عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    04-Jan-2025

ضباب المعركة في لبنان وغزة وسورية

 الغد-معاريف

ألون بن دافيد
3/1/2025
 
 
معظم تهاني عيد رأس السنة كانت مشوبة بأمل أن تكون سنة أفضل، إلا أنه يبدو أن لا ثقة في أن يتحقق ذلك. فإسرائيل تدخل العام 2025 كدولة ما تزال جريحة، فيما أن بعضا من جراحها ما تزال مفتوحة ونازفة. صحيح أنها أنهت 2024 متوجة بإنجازات عسكرية مبهرة، لكن هذه الإنجازات لم تترجم بعد إلى خلق واقع أفضل وتحويل إسرائيل إلى دولة من الأفضل العيش فيها. العكس هو الصحيح: فهذه آخذة في التآكل كل يوم فيما أننا نغرق في المراوحة في الأمكنة ذاتها، في غزة، في لبنان وفي سورية.
 
 
في اليوم الأخير من 2024، أثناء زيارة لي إلى الشمال، توقفت في أحد الأماكن التي أستطيبها: فلافل شمعون عومر في كريات شمونا، مؤسسة قديمة أصر عومر على إبقائها مفتوحة كل أيام الحرب. بخلاف تام مع المدينة نفسها التي ما تزال فارغة من الناس، كان المكان مليئا بالزوار، لكن شيئا ما بدا غريبا. لقد كان الفلافل طيبا كما كان دوما، لكن فقط بعد دقيقة وبضع لقم فهمت ما الذي يختلف هذه المرة: رغم العدد الكبير من الناس الذين أموا المكان، ساد هناك صمت مطبق. الكل كان يأكل بصمت، وحتى عندما كانوا يتحدثون، كان هذا قصيرا وبصوت هامس. بسطات الفلافل هي أماكن تعج بالناس بطبيعتها، وبسطة عومر كانت دوما مليئة بالناس. أما هذه المرة فلم يكن هناك إلا صمت مثقل بالحزن.
هذا الصمت المزعج تواصل أيضا في زيارة إلى بلدة مطلبة المحطمة. فمنذ وقف النار وإن كان المجلس تمكن من قصقصة الأعشاب الضارة التي نمت بعشوائية وقبل بضعة أسابيع بلغت طول الإنسان، لكن الدمار بيّن في كل زاوية في ما كان ذات يوم زهرة جليلية: في البيوت المهدمة، في الأرصفة المحطمة تحت جنازير الدبابات وفي الطرقات المثقبة بإصابات الصواريخ. كلاب متروكة تسللت بجموعها من دون عراقيل من الثغرات العديدة في السور وملأت البلدة.
 
 
في البلدة نفسها لم يكن سوى أعضاء ثلة التأهب المخلصين، ممن واصلوا حماية المطلة أثناء كل السنة القاسية. هنا وهناك كان سكان جاؤوا ليروا ما تبقى من بيوتهم أو لأخذ أغراض شخصية من هناك، لكن عشرة مواطنين فقط، معظمهم كبار في السن، عادوا إلى المطلة منذ أعلن وقف النار. الهجران بات واضحا في كل مكان.
في محاولة لبعث بعض من الأمل وإشعال بصيص نور، اعتزموا في المجلس إشعال شموع الحانوكا مع قادة الجيش في المنطقة. لكن عندها جاء بلاغ من وزارة وزيرة الاستيطان والمهام الوطنية اوريت ستروك بأنها تعتزم المجيء. الجميع تأهبوا. في كل البلدات في الشمال حيث زرت المنطقة أثناء الحرب وكان الناس هناك كأن لم يسمعوا أبدا عن هذه الوزارة الزائدة أو وزيرتها الزائدة أكثر فأكثر.
الوزيرة لا تؤمن على ما يبدو بأنه يوجد استيطان أو مهام وطنية جدية داخل تخوم الخط الأخضر. في السنة الماضية ومع ميزانية رفعت إلى أكثر من 700 مليون شيكل، حولت تلك الوزيرة نحو 8 ملايين شيكل فقط، أكثر بقليل من 1 % من ميزانية وزارتها لبلدات الشمال المتضررة. أما الآن فقد أرادت أن تشعل شمعة في المطلة ربما كي تضيء المطارح الجديدة التي تتطلع لأن تستوطن فيها. قبل لحظة من إلغاء الجميع مشاركتهم في لقائها جاء من مكتبها بلاغ إلغاء اللقاء، فتنفس الجميع الصعداء.
على بلدات الجنوب المدمرة تفضلت وزيرة المهام الوطنية بأن تغدق 4.6 مليون شيكل في السنة الماضية، نحو 0.5 % من ميزانيتها. الصمت المطبق لمطلة وكريات شمونا كان يمكن أن نسمعه هذا الأسبوع حتى في الغلاف، في كيبوتس ناحل عوز. المرافق الاقتصادية تؤدي مهامها لكن الأعضاء ليسوا موجودين. لا أحد يعرف إذا ما سيعودون ومتى. إسرائيل 2025 ليست فقط حزينة، بل مهملة أيضا، من حكومتها.
من الجهة الأخرى، واصل الجيش الإسرائيلي ضرباته في غزة. اهتزت الأرض بالقنابل التي ألقاها سلاح الجو، وأصوات نار الدبابات والمدافع لم تتوقف للحظة. شارع آخر وحي آخر، مائة آخرون ومائتان آخرون من رجال حماس صفوا. نحن يمكننا أن نبتلع في الحرب في غزة إلى الأبد، لكن حتى في أصوات قادة الجيش الإسرائيلي يسمع التشكك حين يشرحون الأهمية الحيوية للمهمة.
تكاد تكون كل منطقة شمال القطاع قد طهرت من المدنيين ومن رجال حماس. أبراج أحياء سكنية للضباط والأطباء من بيت لاهيا سويت بالأرض. لم يعد هناك منزل يطل على ساحات نتيف هعسرا وخط القطار إلى سديروت. جباليا أصبحت جزر خرائب، والكلاب وحدها تجول هناك لتتغذى على القمامة التي يخلفها وراءه الجيش الإسرائيلي. السيطرة في القسم الشمالي من القطاع توفر لإسرائيل ورقة مساومة يمكنها أن تدفع قدما بإعادة المخطوفين لو أن حكومتنا كانت معنية بهذا وليس فقط بقانون التملص من الخدمة.
في هذه الأثناء، كل يوم كان هناك يجبي لترات دم، والآن يستعد الجيش الإسرائيلي لأن يلقي بفرقة أخرى، رابعة من عددها، إلى العمل في غزة. ينبغي أن نقول هذا مرة أخرى: لن نتمكن أبدا من أن نقتل كل المتماثلين مع حماس. أعدادهم في غزة هي مخزون لا نهاية له. كما أننا لن ندمر آخر الصواريخ والـ(آر.بي.جي). إذا لم نجير الإنجاز الآن سنجد أنفسنا نغرق وننزف هناك لسنوات دون جدوى ودون المخطوفين، القلة التي ما تزال باقية على قيد الحياة.
من دون أي استراتيجية أو تفكير مرتب من المستوى السياسي، يجد الجيش الإسرائيلي نفسه يجتذب إلى بقاء طويل في ثلاثة أقاليم: غزة، سورية ولبنان.
 
 
مثلما في 1982، بعد أن طردنا الفلسطينيين من لبنان واجتذبنا إلى 18 سنة دامية من القتال هناك، هكذا اليوم أيضا: الجيش الإسرائيلي يبحث عن تفسيرات تبرر استمرار البقاء والنزيف. مع القضمة - تأتي الشهية للبقاء في الأرض التي احتللناها.
ضابط في قيادة المنطقة الشمالية شرح لي هذا الأسبوع في ذروة الجدية بأننا "لن نتمكن من الدفاع عن بلدات الجولان في الهضبة، ومن الحيوي أن نبقى على الأرض السورية". وأضاف "ليتنا نتمكن من أن نحتل حزاما أمنيا في كل حدودنا، كي ندافع عن البلدات". هذه الفكرة التبسيطية كفيلة بأن تسمع لديه مغرية، لكن تاريخنا أثبت المرة تلو الأخرى بأن احتلال أرض أجنبية له أثمان عالية، والاحتلال بشكل عام، الذي دخل إلى وعي عالٍ، يخرج مع ذيل منكسر.
إسرائيل التي تجاوز عدد سكانها هذه السنة خط الـ10 ملايين لا تحتاج إلى أرض أخرى -بل تحتاج إلى تطبيب وشفاء. شرط ضروري للشفاء هو إعادة المخطوفين وهو في متناول اليد. حربنا لن تنتهي هذه السنة لكن يمكن تقليصها إلى الحجوم الضرورية ووقف النزف الزائد. المهمة الأكبر التي ستكون لنا في السنة الجديدة ستكون إصلاح ما تحطم كي يكون لنا ما نواصل القتال في سبيله.