الإنصات.. فن يقي المشاكل*محمود خطاطبة
الغد
هُناك مقطع تمثيلي في فيلم "لف ودوران"، تتحدث فيه الفنانة دنيا سمير غانم إلى الفنان أحمد حلمي، عن فن الإنصات أو الاستماع، والاحتواء، للوقاية من أي مُشكلة أُسرية، أو حلها في حال حدوثها، أو على الأقل التقليل من آثارها السلبية.
في ذلك المقطع التمثيلي، تتحدث المُمثلة دنيا عن أن والدها قام بـ"حل المُشكلة الأزلية ما بين الرجل والمرأة"، إذ بدأت تسرد الحادثة التي حصلت معها، وذكرها بها والدها، قائلا لها "أتذكرين عندما حصلت مُشكلة بيني وبين والدتك. وقتها أصبحت تخافين مني، وبدأت تهربين مني، ولم تُعطيني فرصة لأشرح لك ما حصل بيننا، حتى أنني لم أستطع أن أحضنك".
"أُمك حينها كانت عائدة من مكان عملها، وحدثت مُشكلة ما بينها وبين مُديرها المُباشر. وظلت تشرح لي، وتشتكي، وتشتكي، وتشتكي. وأنا من طرفي أقدم لها حلولا، وأُخبرها بأنه يتوجب عليها عمل ذلك أو هكذا. وبقيت والدتك تستمع لي، من غير أن تتكلم، وفي الأخير قالت لي "خلاص"، ثم تركتني وذهبت".
"ذلك الموقف أثر سلبا بداخلي، وتساءلت لماذا تعاملني هكذا، خصوصا أنني أُساعدها، ثم لحقت بها، وهُنا بدأت المُشكلة"، ليُضيف والدي "هل تعلمين أن والدتك وقتها لم تكن بحاجة إلى حل أو حلول، بل كانت بحاجة إلى حضن يحتويها، بمعنى شخص يسمعها، يُنصت إليها فقط".
لو كُنت أعلم أنها بحاجة لـ"حضن"، أي شخص يُنصت إليها فقط، وهي لو كانت تعلم بأنني أحاول مُساعدتها، ولم أكن أريد أن اتحكم بها أو أسيطر عليها، ما كانت المُشكلة قد وقعت أو حدثت بالأساس"، لتُتابع مقولة أبيها "لو كُل رجل وأمرأة فهما لغة بعض، لكان هُناك لغة ثالثة (الحب) تكفيهم أو تُبعدهم عن المشاكل".
الحل الذي من خلاله، نستطيع أن نحل المشاكل الأُسرية أو العائلية، أو تلك التي تحدث ما بين الزوج وزوجته، يصلح لحل كل المُشكلات، التي تحدث في مدرسة أو جامعة ما، أو مؤسسة أو شركة معنية، أو وزارة أو دائرة حُكومية، وحتى تصل أيضا لحل مُشكلات يُعاني منها الوطن.
الإنصات أو الاستماع، فضلا عن آلية التواصل، هو أفضل طريقة لحل المُعضلات أو المُشكلات، أيا كان نوعها وحجمها، فالطفل بحاجة إلى إنصات والديه أو أحدهما، والطالب بحاجة لإنصات مُعلمه، والجامعي كذلك بحاجة إلى إنصات من أُستاذه أو إدارته الجامعية، والموظف بحاجة لإنصات القائمين على المؤسسة التي يعمل بها، والمواطن أيضا بحاجة إلى إنصات صُناع القرار.
بالمُقابل، المواطن مُطالب بالإنصات جيدا للدولة ومسؤوليها، بعيدا عن أي أحكام مُسبقة، حتى يستطيع أن يُميز ما بين الغث والسمين، وما هو في صالح الوطن والمُجتمع وما هو ضده، حتى يستطيع التمييز ما بين الصالح وضده، ما يصح ولا يصح.. وما ينطبق على هذا المواطن، ينطبق تماما على الطالب، أكان في مدرسته أم جامعته، والموظف في مكانه عمله.
مرة ثانية، أوكد أنه من خلال الإنصات، نستطيع أن نواجه المُشكلات التي تواجه الوطن، أو على أقل تقدير القضاء على ثمانين بالمائة من المُشكلة من جذورها، وبالتالي تخفيف أضرارها إلى الحد الأدنى.
نعم، الإنصات فن يقي المشاكل، خصوصا إذا كان الحُب موجودا، فالحُب شيء عظيم، له أشكال مُختلفة وأنواع كثيرة، لا يكون فقط ما بين أمرأة ورجل، أو شاب وفتاة.. الحُب يكون ما بين مواطن ووطنه، ما بين موظف ومؤسسته، ما بين فرد وعائلته، ما بين شخص ومُجتمعه المحلي.. الحُب يبني أُسرة أساسها متين، ويُساهم بإنشاء جيل واثق ومُعتد بنفسه، وبالتالي وطن مُتقدم مُتطور.