بغداد - الجزيرة نت - يحتدم الجدل بين العراقيين منذ يومين بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي، حيث انقسم العراقيون بين ناقمين ومطالبين بالثأر ومؤيدين يرغبون في الخلاص مما أسموه "النفوذ الإيراني".
وعلى إثر الحدث الذي شكل صدمة مدوية بين العراقيين، انطلقت موجة عارمة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي لم تخلُ من الشتائم والتخوين، حيث أطلق العديد من المدونين وسوما متضامنة مع الحادثة واعتبروها تجاوزا على سيادة العراق.
وفي فجر الجمعة، أظهرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي متظاهرين في ساحة التحرير ببغداد وساحة الحبوبي في الناصرية وهم يهتفون بمقتل المهندس وسليماني، حيث تعالت أصوات الشباب هناك بالهتافات والأغاني، وهو ما أثار استياء واستنكارا لدى أنصار المهندس والحشد الشعبي.
السيادة العراقية
يقول الناشط حسن كاظم للجزيرة نت إن اغتيال المهندس وسليماني "رسالة واضحة للعراق بأنه لا سيادة لك، ويمكن أن تتدخل القوات الأميركية في أي لحظة لفعل أي شيء، وهو ما حصل فعلا".
ويتساءل كاظم "حتى الآن لم نشاهد موقفا عراقيا بشأن سحب البعثة الدبلوماسية من أميركا، ولم نقرأ عن قطع العلاقات ولا أي إجراءات حقيقية لخروج القوات الأميركية".
وبحسب الكاتب والمدون رشيد السراي، فإن الرد السياسي الآن هو بتوحيد الموقف وإخراج قوات الاحتلال الأميركي من العراق وغلق قواعده وإلغاء الاتفاقية الأمنية، وهذا هو الرد المناسب حاليا، كما جاء في صفحته بموقع فيسبوك.
ويرى الكاتب السياسي ناجي الغزي أن علاقة الإدارة الأميركية مع العراق ليست متكافئة، بل هي علاقة استثنائية خلقتها ظروف غير طبيعية، فأميركا حتى هذه اللحظة دولة محتلة، وهي التي شكلت الحكومات ولا تزال تتحكم في القرار السياسي، ولذلك تعتبر العراق إحدى قواعدها الإستراتيجية في المنطقة.
ويتابع الغزي أن اغتيال أميركا لسليماني -أهم الشخصيات العسكرية الإيرانية- يشكل جرس إنذار لأحداث يمكن أن تندلع في أي لحظة.
من جهته، يذهب المدون والكاتب خلدون علي إلى أبعد من ذلك قليلا، حيث اعتبر أن الإجراء السليم في كل بلد يدّعي السيادة ويحترم نفسه أمام شعبه والمجتمع الدولي هو استدعاء سفير البلد المعتدي وتسليمه رسالة احتجاج أو طرده أو قطع العلاقات الدبلوماسية، واستدعاء السفير في ذلك البلد للتداول.
ويضيف أن خروج ممثلين للحكومة للتنديد ضد سفارة بلد معتدي يمثل سابقة لم تخبرها الدول من قبل، كما أن ظهور قادة الفصائل أمثال الخزعلي والفياض والعامري مع المحتجين يمثل خطأ فادحا في العمل السياسي.
وتابع أنه "كان من باب أولى تركهم لوحدهم حتى وإن كانوا داعمين لها، فهم صنّاع للملوك وأقطاب رئيسية في تشكيل الحكومة، وجميعهم أعضاء فيها سواء بصورة مباشرة كالفياض والمهندس أو غير مباشرة كالخزعلي والعامري".
ويرى الناشط والإعلامي سعدون محسن ضمد في تغريدة له على تويتر أن "هذه نتائج الفساد الذي كنا ولم نزل نتظاهر ضده ونحذر منه، الفساد الذي لا يبني أجهزة معلومات حقيقية كي لا تطارده.. الفساد الذي لا يقبل إلا برئيس حكومة لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم".
وأضاف أن "الغارات الأميركية مخزية، وأظهرت المؤسسات العراقية كأنها مجموعة خيام نُصبت لكي تكون مستباحة".
اعلان
أما الناشط والكاتب محمد هديرس فيرى أن "العراق بإمكانه التعامل سياسيا من خلال برلمانه والضغط بالقرار عالميا لإخراج أميركا، أما جعله ساحة للصراع العسكري فلن يخسر سوى العراقيين.. علينا أن نتجنب الفتن، ويجب ألا تثيروا الشباب في الصراع العسكري وألا تُزهق الأرواح".
ويتابع "الحقيقة المرة أن السياسيين العراقيين كان همهم الكعكة وتركوا كل شيء.. أميركا وإيران لديهما أسهل ساحة هي العراق لتصفية حساباتهما بصورة مباشرة أو غير مباشرة".
المواجهة والخسارة
يرى الكاتب حازم الشمري أن ما حدث كان نتيجة مجموعة أخطاء حصلت خلال الفترة التي سبقت عملية اقتحام السفارة الأميركية في بغداد، فبعدما فشلت الأحزاب والمليشيات في إيقاف المظاهرات، حوّلوا المواجهة مع الولايات المتحدة، وحاولوا أن تكون هناك مظاهرة مضادة انتهت باقتحام السفارة ومن ثم قصف أميركي لأبرز قيادات الحشد، إضافة إلى قائد فيلق القدس.
واعتبر الشمري في حديثه للجزيرة نت أن "ما حصل هو نصر لنا" وتخلص من أحد أبرز أذرع إيران في العراق والمنطقة، لكن بشكل عام لا يمكن النظر إلى مشهد جنازتي سليماني والمهندس دون النظر إلى مجمل الصورة التي يمثلها النفوذ الإيراني.
من جهته، يقول الناشط أحمد العلي "بصراحة، مقتل سليماني والمهندس في العراق فرصة لنا لتنفس الصعداء بعد سنوات من ضغوط إيران القوية التي يستعملها سليماني والمهندس، ومحاولات مد النفوذ الإيراني إلى أقصى نقطة ممكنة".
ويضيف العلي للجزيرة نت "نحن سعداء في الحقيقة بانتهاء هذه الحقبة السوداء، ولكن مخاوفنا تزداد بشأن ماذا يخبئ لنا المستقبل كمتظاهرين أولا، وما الذي سيكون عليه الموقف؟ هناك حالة من الهستيريا لدى أتباع هؤلاء الذين قضوا في الضربة الأميركية".
ويتابع "على إثر الاحتفال الذي قام به مجموعة من الشباب في المساء، هجمت مجموعة مجهولة بالسكاكين على المتظاهرين في ساحة التحرير وطعنوا عددا منهم.. نخشى أن تتكرر حوادث الاعتداء في ساحات الاحتجاج، لكون موقف البعض منها إيجابيا ومع سيادة الدولة ورفض أي تدخل".
وشهدت بغداد صباح السبت تشييع جثامين قتلى الضربة الأميركية التي سقط فيها سليماني والمهندس، وانتشر وسم "#سننتقم"، يتوعد فيه عراقيون بالأخذ بثأر القتلى.
المصدر : الجزيرة