الغد
هناك شعوران يسيران بالتوازي، أتمنى أن يلتقيا في النهاية: شعور الفرح "معطوفا على فرح الشعب السوري" بسقوط الدكتاتور ونظامه. وشعور كامن بالقلق يعكس خوفا من تصديق كل ما يحدث بعد سقوط النظام المستبد.
أرغب أن أصدق كل ما بعد السقوط، وأخاف أن أقع في مأمن واهم، فالتجارب السابقة في مشرقنا العربي موجعة، وسجل الأحداث لغالبية أطراف الصراع في كل تلك "المقتلة" السورية الطويلة كان دمويا وعميقا بما يكفي لتفعيل الحذر.
نعم، حتى الآن فالتوجهات سليمة، وفيها رقي بالتعامل يوحي باتجاه نحو الحفاظ على مفهوم "الدولة" بعد تنظيفها من كل وسخ النظام الذي سقط بما يليق به من سقوط تأخر كثيرا. لكن الاستمرار في تلك التوجهات وترسيخها كقاعدة ثابتة هو الذي يحتاج ضمانات محكومة بخطة عمل وخريطة طريق واضحة متفق عليها بين الجميع في سورية.
نعم، ما حدث من مفاجآت في الأيام السريعة الماضية كشفت انضباطا في قوى المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام التي تلبست دور الدولة الوظيفي، وفوضى في المقابل عند النظام وأجهزته جعلته بحجم مليشيا مارقة ومرتزقة، وما تبع السقوط "وتزامن معه في كل جغرافيا يتم السيطرة عليها" عكس ذلك من ناحية إعادة الهدوء بانضباطية وازنة وتسيير المؤسسات "بل وتفعيل المعطل منها" مقابل تشرذم مليشيات النظام وقد فرط عقدها أمام حقائق الواقع.
من يقارنون بما حدث من إسقاط للنظام المستبد في دمشق مع أحداث إسقاط نظام بغداد المستبد عام 2003 يغفلون عن عنصر مهم وأساسي، أن الإسقاط الدمشقي كان سوريا بامتياز وبأيد سورية دخلت معركتها منذ وقت مبكر مع الاستبداد، على عكس العراق الذي دخلته الدبابات الأميركية وبالتفاهم "غير المفهوم" مع دخول إيراني ليدخل العراق بعدها متاهة لم يخرج منها حتى اليوم ( وسيخرج ربما قريبا).
المعارضة التي أسقطت نظام الأسد وبعثه، تداركت أخطاء ما حدث في العراق واستوعبت الدرس جيدا فلم تمارس عملية "الإقصاء" السياسي عبر اجتثاث مؤسسات الدولة، وهذا يسجل لها بلا شك، وكانت البيانات والرسائل الموجهة للجوار الإقليمي واضحة ودبلوماسية مما يعكس حضورا واضحا لتدريب وتأهيل تم العمل عليه لسنوات خلت سواء في التدريب العسكري المتقدم تقنيا، وترشيق كما تنظيم القوات العسكرية بنظام صارم، أو من ناحية الانتشار المجتمعي وتفعيل العلاقات العامة مع المجتمعات المحلية والتواصل معها مما سهل دخول تلك الفصائل إلى المناطق بدون أي صعوبات تذكر، وهي عملية ليست سهلة على جماعة مثل هيئة تحرير الشام التي كان طيفا واسعا من المجتمع السوري لديه حساسية من ماضيها "جبهة نصرة".
هناك تدريب وتأهيل يجعلنا نفكر جديا بتدخل إقليمي – دولي مدروس تتسرب أخباره عبر تقارير غير مؤكدة، لكنه في المحصلة مطمئن أكثر من سقوط فوضوي في الفراغ لا يعلم إلا الله ما كان يمكن أن ينتهي إليه، ويبقى الترقب بحذر مع كثير من الفرح للعشب السوري بنهاية الاستبداد حالة مفتوحة على القادم من الأيام.