منزلة القرآن الكريم وإعجازه*د. ضرار غالب العدوان
الراي
لقد عرف المسلمون من سلف هذه الأمة وخلفها منزلة القرآن الكريم وعظمته، والذي تقام عليه دعائم الدين الاسلامي الحنيف، لذلك أولوه جل اهتمامهم وعظيم عنايتهم–فهماً وتدبيراً، تلاوةً ودراسةً، سلوكاً وتطبيقاً، ولم ينفكوا عن ذلك الأمر أناء الليل وأطراف النهار؛ يسبرون غوره، وميلوله وإعجازه، فترى قوماً قد اعتنوا بحروفه والفاظه ومعانيه، فبينوها أجمل بيان، ورجحوا أحداها ليصلوا إلى ما هداهم إليه، تبارك وتعالى، من توفيق وصواب وسداد.
وفي الوقت ذاته نلمح قوماً، غاصوا في اعراب أسمائه وأفعاله وحروفه وكلماته، وتبيان حقيقته ومجازه، وكشف إيجازه وإعجازه، وتوضيح بلاغته وبديعه، وحسن نظمه وسياقه، وقد جاهد آخرون على دراسة فقهه وأحكامه وأدلته وشواهده، وغيرهم اهتموا بضبط لغاته وتحرير كلماته ورسمه، وعدد آياته وسوره وأجزائه وأنصافه وأرباعه.
مثلما تأملت طائفة منهم معاني خطابه، وتبحروا في كشف مدلولاته من نصف ظاهر ومجمل محكم ونسخ متشابه، بينما أحكمت طائفة أخرى منهم معاني خطابه،وتبحروا في كشف مدلولاته من نص ظاهر ومجمل محكم ونسخ متشابه، وتبيان مقاصده وغايته الحكيمة وقد أحكمت طائفة أخرى–أيضاً–صحيح النظر وصادق الفكر، لما فيه من أدلة الأحكام من حلال بين وحرام باطل، وقد تميز آخرون في سبر غور قصص القرون الخالية والأمم العابرة، فنقلوا أخبارهم، ودونوا وقائعهم وآثارهم، وتنبهوا لما فيه من المواعظ والحكم والأمثال، التي ترفق الأفئدة وتدك شوامخ الجبال الراسيا?، وذلك من تحذير وتبشير ونشر وحشر وحساب وثواب وعقاب.
ومن المهم أن أشير هنا إلى أن القرآن الكريم هو الآية الأولى لسيدنا محمد–صلى الله عليه وسلم–وهو معجزته الكبرى التي قدمها لعامة الناس، واعتبره دليلاً على نبوته وعمومية رسالته للعالمين، وإن القرآن الكريم هو وحي الله–جل جلاله–إلى نبيه الكريم، فهو كلام الله سبحانه وتعالى، وليس من تأليف سيدنا محمد–صلى الله عليه وسلم–على الإطلاق، وإنما إقرار برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وأن الله–جل جلاله–قد بعثه رسولاً ونبياً ورحمة للعالمين.
ومما لا شك فيه ولا ريب يعتريه أن القرآن الكريم قد تحدى باعجازه الكافرين، وطالبهم أن يقدموا من بيانهم وكلامهم مثله، أو على الأقل عُشر سورة منه، أو الإتيان بسور مثل القرآن الكريم في بيانه وبلاغته وفصاحته ولكنهم لم يستطيعوا فعل ذلك الأمر، ولهذا عجزوا عن معارضته، ووقفوا عاجزين أمامه، وبذلك كان القرآن الكريم معجزاً لهم، وهذا هو معنى إعجاز القرآن الكريم.
وبناءً عليه، نستطيع القول إن إعجاز القرآن الكريم كان الوسيلة إلى إثبات النبوة، وآية للنبي عليه الصلاة والسلام على أن القرآن الكريم وحي من الله–تبارك وتعالى–وأن إثبات إعجاز القرآن الكريم هو إثبات لمصدر القرآن الرباني، بمعنى أن إعجاز القرآن هو معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإذا ما علمنا أن المعركة الجدلية ما بين النبي الكريم وبين الكفار، هي في إثبات نبوته، وقد كان القرآن الكريم هو معجزة النبوة وآيتها ودليلها، فلما زعموا أن القرآن كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام–وانهم قادرون على الإتيان بمثله لو أرادوا؛ تحداهم نبينا الكريم بأن يأتوا بمثله أو سورة منه، وقد كان الهدف من التحدي اثبات النبوة ومصدر القرآن، فلما عجز الكفار عن المعارضة، ثبت لهم أن القرآن ليس من كلام البشر، وإنما هو من كلام الله سبحانه وتعالى، وبذلك ثبت لهم أن القرآن الكريم هو معجزة سيدنا- محمد صلى الله عليه وسلم–وآ?ته.
وأخيراً بقي القول أستكمالا ً لموضوعنا هذا: إن إعجاز القرآن الكريم آية باقية على وجه الدهر، ومعجزة خالدة، من جهة فصاحة لفظه، وبلاغة نظمه وأسلوبه، ودقة أحكامه وأوامره ونواهيه، وبيان اسماء الله وصفاته، ودلائله اليقينية، وبراهينه العقلية، وفي أمثاله المضروبة، وإخباره بالغيب، وتحدي الكافرين بالإتيان بمثله، وغير ذلك من العجائب الخارقة للعادة، والتي جعلت إعجاز القرآن الكريم حقيقة قاطعة لا جدال فيها، وبديهة مقررة، فقد أقرها المسلمون جميعاً وذلك من خلال تدبرهم للقرآن الكريم، وتذوقهم له وإيمانهم به، والكافرون بإقرار?م بعجزهم عن معارضته، واعترافهم بإعجازه لهم.