اعتراف الاحتلال بـ"أرض الصومال".. تكريس الفوضى
الغد-محمد الكيالي
أثار قرار الكيان الصهيوني الاعتراف باستقلال أرض الصومال موجة واسعة من التنديد في الأوساط العربية، حيث اعتُبر خطوة استفزازية تستهدف مصر ودول البحر الأحمر، لما تحمله من دلالات تتعلق بإقامة قاعدة إسرائيلية في منطقة حساسة تتحكم بحركة التجارة عبر البحر الأحمر، بما ينعكس سلبا على قناة السويس ويعيد تشكيل موازين القوى في القرن الإفريقي.
هذا القرار، الذي جاء قبيل اللقاء المرتقب بين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، يُقرأ في سياق محاولة كيان الاحتلال فرض واقع جيوإستراتيجي جديد يخدم مصالحه ويعزز حضوره الإقليمي.
وفي هذا الإطار، يرى محللون وخبراء أن الاعتراف بأرض الصومال ليس مجرد خطوة سياسية، بل جزء من إستراتيجية متعددة المسارات تشمل التصعيد الإعلامي والسياسي والعسكري، تهدف إلى إظهار نتنياهو بصورة "الرجل الأقوى" في المنطقة، القادر على التعامل مع الولايات المتحدة وضمان مصالحها.
وأوضحوا في تصريحات لـ"الغد"، أن هذه التحركات قد تصل إلى تنفيذ عمليات استخباراتية لإثبات أن نتنياهو هو الفاعل الأبرز الذي يمكن الاعتماد عليه في رسم مستقبل الشرق الأوسط، خاصة مع اقتراب الانتخابات الصهيونية واحتمال الدعوة إلى انتخابات مبكرة.
وشددوا على أن المنطقة تشهد اليوم اصطفافات جديدة تعيد رسم خريطة التحالفات في ضوء نتائج الحرب الأخيرة، مشيرين إلى أن الاحتلال يتحرك في أكثر من اتجاه، من التحالف مع قبرص واليونان لمواجهة التمدد التركي، إلى الانخراط في الساحة السورية، وصولا إلى الاعتراف بأرض الصومال لمواجهة النفوذ الحوثي.
وأضافوا، إن هذه الإستراتيجية تقوم على اعتبار كل ساحات المنطقة ساحات صراع مفتوحة، وهو ما يفرض على دول مثل مصر وتركيا والسعودية ودول الخليج إعادة رسم مجالها الحيوي والأمني، في وقت تتعرض فيه دول أخرى كسورية واليمن لمخاطر التفكك والتشظي، بما يمنح الاحتلال أفضلية في فرض إرادته على الجميع.
موجات جديدة من الفوضى
ومن هنا، قال المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي الدكتور محمد الحوارات إن المنطقة بأكملها تشهد حالة من الاشتعال، وربما تكون أمام موجات جديدة من التوتر والاضطراب.
وأشار الحوارات إلى أن ما يجري يعكس خلق كيانات هشة ودول ضعيفة تحاول استثمار توازنات القوى للبقاء، وهو ما يبرز أهمية العودة إلى الجغرافيا والمضائق الحيوية التي كشفت الحرب الأخيرة على غزة أهميتها الإستراتيجية.
وأوضح أن البحر الأحمر بات يُنظر إليه اليوم باعتباره ممرا حيويا ذا مكانة إستراتيجية بالغة، وهو ما جعل الصراع على إفريقيا المحاذية له يتخذ منحى أكثر وضوحا، خاصة في القرن الإفريقي وباب المندب.
وأضاف إن الدول الهشة في هذا السياق تُستغل لتشكيل توازنات جديدة في المنطقة، أو ربما جُعلت هشة عمدا لتخدم هذا المسار، مؤكدا أن ذلك سيقود إلى موجات متسارعة من تفكك الدول، بما يعيد المنطقة إلى مشهد واسع من الفوضى والانهيار.
وأشار الحوارات إلى أن الاحتلال، رغم كونه كيانا صغيرا ذا إمكانيات داخلية محدودة، بات يشعر أنه قوة إقليمية، ويسعى إلى فرض سيناريوهات المنطقة وفق منطق القوة الذي يمتلكه.
وقال: "ربما نحن مقبلون على مرحلة جديدة، حيث ستعيد الولايات المتحدة إدارة شؤون المنطقة عبر وكلاء كما فعلت في عهد باراك أوباما، لكن هذه المرة سيكون الاحتلال فاعلا رئيسا في هذا الدور".
وتابع الحوارات: "الاعتراف الصهيوني بأرض الصومال يحمل دلالات متعددة الاتجاهات، أولها التأثير على القرن الإفريقي بهدف الضغط على مصر، حيث أصبحت إفريقيا نقطة ضعف إستراتيجية بالنسبة لها، وثانيها التأثير على الممرات البحرية الحيوية، وثالثها -وهو الأخطر- فتح المجال أمام إيجاد طرف أو شريك يقبل بعملية تهجير الفلسطينيين".
وأكد أن ما نشهده هو إستراتيجية متعددة الأوجه تمتد من إفريقيا إلى المشرق العربي، غايتها تكريس مزيد من الهشاشة والاحتراب والتفكك، وهو ما يمنح الاحتلال أفضلية ومكانة بين الدول الضعيفة، لتفرض نفسها وإرادتها على الجميع.
مناكفة لدول البحر الأحمر
بدوره، قال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد إن خطوة نتنياهو بالاعتراف بأرض الصومال تأتي في سياق فرض واقع جيوإستراتيجي جديد في المنطقة، وذلك قبيل لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 29 من الشهر الحالي.
وأوضح أبو زيد أن هذه الخطوة تحمل دلالات واضحة، أبرزها أن نتنياهو يسعى إلى مقايضة ترامب على الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مقابل تنازلات أميركية تتيح له الخروج من مأزقه السياسي أمام خصومه التقليديين، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة عام 2026، والتي لا يستبعد أن يعمد نتنياهو إلى تقديم موعدها والدعوة إلى انتخابات مبكرة قبل حزيران (يونيو) من العام نفسه.
وفيما يتعلق بقرار الاعتراف بأرض الصومال، اعتبر أن هذه الخطوة تمثل مناكفة مباشرة لمصر ودول البحر الأحمر، حيث تعني عمليا إقامة قاعدة صهيونية هناك بما يتيح لها التحكم في حركة التجارة عبر البحر الأحمر، وهو ما ينعكس سلبا على قناة السويس ويؤدي إلى نشوء تحالف صهيوني - إثيوبي في مواجهة تحالف مصري – جيبوتي - تركي، في إطار التنافس على السيطرة على التجارة الدولية في هذا الممر الحيوي.
وأضاف أبو زيد إن حكومة نتنياهو بدأت بالفعل في التصعيد عبر 3 مسارات متوازية: أولها: إعلامي يتمثل في رفع حدة الخطاب الإعلامي، وثانيها: سياسي عبر الإعلان عن الاعتراف بأرض الصومال وتعزيز التحالف الصهيوني – اليوناني - القبرصي، وثالثها: عسكري من خلال محاولات التحرش الأمني والعسكري في محيط الأراضي المحتلة وقطاع غزة والضفة الغربية.
وأكد أن هذه التحركات تهدف إلى رسم صورة نتنياهو باعتباره الرجل الأقوى في المنطقة قبيل لقائه مع ترامب، وإظهاره بأنه الشخصية الوحيدة القادرة على التعامل مع الولايات المتحدة لضمان مصالحها في الشرق الأوسط.
وشدد أبو زيد على أن السيناريو لا يستبعد أن يشهد تنفيذ عملية استخباراتية أثناء أو قبيل لقاء ترامب في محاولة لإثبات أن نتنياهو هو رجل المنطقة الذي يصلح لتنفيذ أجندة الإدارة الأميركية، وتعزيز صورته كزعيم قادر على فرض الوقائع وتغيير موازين القوى بما يخدم مصالحه السياسية والانتخابية.
اصطفافات جديدة بعد الحرب
من جانبه، أكد الباحث والمختص في الشأن الصهيوني عصمت منصور، أن المنطقة تشهد اليوم اصطفافات جديدة، موضحا أن رئيس وزراء الاحتلال ومعه المؤسسة الصهيونية بشكل عام، يسعى إلى إعادة رسم خريطة التحالفات في الشرق الأوسط في ضوء نتائج الحرب الأخيرة.
وأضاف منصور إن دولة الاحتلال تتحرك في أكثر من اتجاه، حيث يظهر التحالف مع قبرص واليونان في مواجهة التمدد التركي، إلى جانب استمرار الصراع في الساحة السورية، فضلا عن الاعتراف باستقلال "أرض الصومال" بهدف تأسيس قاعدة لمواجهة النفوذ الحوثي في المنطقة.
وأشار إلى "أننا أمام مشهد يعكس اتساع نطاق التحرك العسكري الصهيوني على المستوى الإستراتيجي والأمني"، لافتا إلى أن إستراتيجية الكيان تقوم على اعتبار أن كل ساحات المنطقة هي ساحات صراع مفتوحة.