الغد
بيل ترو* - (الإندبندنت) 2025/9/27
سوف يفتقر الاعتراف الدولي بدولة فلسطين إلى الجدوى الحقيقية ما لم يُرفق بإجراءات ملموسة لردع إسرائيل عن الضم والتدمير، حيث يهدد استمرار الانتهاكات بطمس أي كيان فلسطيني يمكن الاعتراف به، ويجعل الاعتراف مجرد خطوة رمزية بلا أثر فعلي.
في نهاية الأسبوع قبل الماضي، اعترفت المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال بدولة فلسطين، ثم تبعتها فرنسا ومالطا وأربع دول أخرى خلال الأسبوع الماضي.
وهي لحظة فاصلة -وإن كانت متأخرة على نحو مؤلم بالنسبة للفلسطينيين الذين يشعرون بالخذلان، خاصة تجاه المملكة المتحدة. فقبل أكثر من 100 عام، كتب وزير الخارجية البريطاني آنذاك "إعلان بلفور" الذي أعلن خلاله دعم بريطانيا لـ"إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، من غير أي ذكر للفلسطينيين، مما أدى إلى عقود من الصراع وسفك الدماء والمحو.
بالعودة إلى يوم الأحد في الأسبوع قبل الماضي، قال كير ستارمر إن المملكة المتحدة تمضي قدماً نحو الاعتراف بفلسطين "لإحياء الأمل في السلام وحل الدولتين"، ووصف ذلك بأنه "تعهّد للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بأن يكون هناك مستقبل أفضل".
تجري مناقشة مستقبل المنطقة وفرص التوصل إلى حل الدولتين في قمة الأمم المتحدة التي تعقدها فرنسا والمملكة العربية السعودية في نيويورك. لكن كل هذه الخطوات قوبلت بغضب شديد من جانب إسرائيل، واتهم رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو المملكة المتحدة ودولاً أخرى بـ"مكافأة الإرهاب بجائزة ضخمة". وأعلن أنه رداً على ذلك "لن تكون هناك دولة فلسطينية"، وتعهد بـ"مواصلة هذا المسار" المتمثل في توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة التي تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي، ووقّع رسالة يحذر فيها العالم مع الاستعداد لمزيد من الردود الإسرائيلية.
وكان أعضاء حكومته أكثر صراحة. فقد دعا وزراء الدفاع والمالية والأمن القومي والثقافة والاقتصاد الإسرائيليون إلى ضم الضفة الغربية المحتلة باعتباره رداً مناسباً على سلسلة الاعترافات. وفي الوقت نفسه، تستمر الهجمات الإسرائيلية التي لاقت إدانة واسعة على مدينة غزة. وقد صرح مسؤولون إسرائيليون بأنها لن تتوقف، وتعهد وزراء إسرائيليون من اليمين المتطرف بتدمير المنطقة المحاصرة بالكامل وترحيل سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة قسراً.
أصبح الوضع في غزة خطيرًا للغاية لدرجة أن لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة خلصت مؤخرًا إلى أن إسرائيل ارتكبت وترتكب إبادة جماعية في غزة (وهو ادعاء تنفيه إسرائيل بشدة). ولذلك هناك قلق عميق بين الفلسطينيين في الوقت الحالي من أن الاعتراف بفلسطين من دول مثل المملكة المتحدة، التي هي حليفة لإسرائيل وموردة أسلحة لها، لن يكون كافياً ما لم تتخذ خطوات ملموسة أخرى لردع طموحات إسرائيل العسكرية والإقليمية. وهم قلقون من أن إسرائيل ستستمر في الإفلات من العقاب وستواصل انتهاك القانون الدولي. كما يخشون من ألا تترك تطورات الأمور شيئاً من فلسطين للاعتراف به.
شرحت مديرة اللجنة البريطانية - الفلسطينية، الدكتورة سارة الحسيني، الموقف، وقالت إنه "إذا لم تتبع المملكة المتحدة اعترافها بإجراءات ملموسة، مثل العقوبات وحظر الأسلحة، فإن إسرائيل ستواصل تدمير غزة والضفة الغربية، والمضي قدماً في الضم، ومواصلة عمليات الطرد الجماعي" للفلسطينيين.
في الوقت الحالي، هناك تكهنات في إسرائيل بأن الرد الذي وعد به نتنياهو عبر الإنترنت سيكون على الأرجح ضماً جزئياً لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة. وقد استولت إسرائيل منذ حرب الشرق الأوسط في العام 1967 على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، وهو احتلال اعتبرته "محكمة العدل الدولية" غير قانوني ويتعارض مع حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
وعلى مدى الأعوام الخمسة الماضية، وسعت إسرائيل مستوطناتها إلى درجة أن الضفة الغربية أصبحت الآن موطناً لأكثر من 500 ألف مستوطن إسرائيلي ونحو 3 ملايين فلسطيني، يعيشون تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، مع ممارسة "السلطة الفلسطينية" سلطة ذاتية محدودة في مناطق متفرقة.
قلّة داخل إسرائيل هم الذين يعتقدون أن نتنياهو سيسعى إلى الضم الكامل للضفة، بشكل أساسي بسبب المخاوف من أن ذلك قد يهدد مستقبل "اتفاقات أبراهام" مع الإمارات العربية المتحدة وبقية الدول الموقعة عليها. وهي اتفاقات دبلوماسية وتجارية تاريخية وُقّعت في العام 2020 بين إسرائيل وبعض دول الخليج، وتشكل أساساً لطموحات إسرائيل السياسية في المنطقة، والتي تأمل إسرائيل أن تنضم دول أخرى إليها في نهاية المطاف.
مع ذلك، قد يشير التحذير الخفي في منشور نتنياهو الأخير على وسائل التواصل الاجتماعي إلى ضم جزئي لمناطق مثل وادي الأردن، حيث واجهت المجتمعات الفلسطينية التهجير من خلال بناء المستوطنات وإقامة المناطق العسكرية المحظورة. وقال مصدر لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن نتنياهو يفكر أيضاً في تغيير الوضع القانوني لمنطقة تشكل قرابة 22 في المائة من الضفة الغربية، وتخضع حالياً لسيطرة أمنية مشتركة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ويتوقع المصدر أن هذه الأرض المعروفة بـ"المنطقة ب" قد تخضع للسلطة العسكرية والمدنية الإسرائيلية الكاملة، مما سيكون له تأثير مدمر على السكان هناك.
في أعقاب الاعتراف بدولة فلسطين، يتجه نتنياهو إلى الموافقة على تنفيذ خطة التوسع الاستيطاني المعروفة باسم "إي1"، الرامية إلى بناء أكثر من 3.400 وحدة سكنية في الضفة الغربية. وكانت هذه الخطة قد وضعت للمرة الأولى في التسعينيات، لكنها لم تنفذ بالكامل حتى الآن. وقد حذرت جماعات حقوق الإنسان والقيادة الفلسطينية، مراراً وتكراراً، من أن ذلك سيشكل ضربة أخرى لأفق إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة، حيث سيؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى نصفين ويمنع التنمية حول المدن الفلسطينية الرئيسة، مثل رام الله.
مبعث القلق الحقيقي في الوقت الحالي هو أنه من دون اتخاذ إجراءات ملموسة، فإن الاعتراف بدولة فلسطين سيكون في نهاية المطاف بلا جدوى، حيث لن يبقى شيء ليكون دولة من الأساس.
*بيل ترو Bel Trew: كبيرة المراسلين الدوليين في صحيفة "الإندبندنت"، تقيم في برلين. غطّت منذ انطلاق "الربيع العربي" في العام 2011 العديد من الثورات والحروب في الشرق الأوسط من جنوب السودان إلى اليمن، ومن العراق إلى سورية. تجمع في تغطياتها بين المغامرة والاستقصاء، وتتنوع أعمالها من الأفلام الوثائقية مثل "الجثة في الغابة" وسلسلة التحقيقات مثل "المفقودون"، إلى التقارير الميدانية التي تغطي الصراعات، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتسلط الضوء على أصداء الأحداث في العالمين العربي والأوروبي. اشتهرت بشجاعتها في مواجهة المخاطر وحصلت على جوائز صحفية مرموقة، منها "مرايا كولفن" وجائزة "المراسل الأجنبي للعام" في المملكة المتحدة.