الغد
في خضم مقترحات للتعامل مع ترامب، تصاعد الحديث مؤخرا عن ضرورة تقديم عرض بديل، وقد أكد مسؤولون مقربون منه توقعاته بأن يقدم الزعماء العرب عروضا بديلة عن التهجير.
تصريحات ترامب المتتالية المتصاعدة في الفجاجة حول امتلاك غزة وتطويرها عقاريا ومنع العودة إليها ليست سوى مقدمات وبلون اختبار لمشروع الصهيونية الجديد وهو تغيير الشرق الأوسط. نتنياهو -وبالشراكة مع ترامب- يعيش ذهنية المنتصر الذي يحصد انتصاراته وذلك بالعمل على إلغاء الشعب الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية.
إن ذهنية تغيير الشرق الأوسط تقابل بعرض واحد أصيل وهو التمسك بأن الصراع العربي الإسرائيلي لم يبدأ من السابع من أكتوبر وأن جوهر المشكلة الحقيقية والأساسية في الصراع العربي الإسرائيلي هو الاحتلال المتواصل منذ 75 عاما. يعلم ترامب أن التهجير القسري يُعتبر جريمة حرب حسب القانون الدولي، حيث تحظر اتفاقية جنيف الرابعة نقل السكان قسرا من أراضيهم.
النصر الذي يعتقده نتنياهو، وسياسة الدبلوماسية الخشنة التي يعتمدها ترامب مع الأردن تحديدا، لن تغير موقف الأردن الرافض لحل القضية الفلسطينية على حسابه. عرضنا الأصيل والبديل ببساطة: الأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين. نقطة أول السطر.
في ساحة العرض البديل -ومع التحفظ- نقول للسيد ترامب، كلامك صحيح السيد الرئيس، غزة دمرت تدميرا وحشيا يمثل جريمة حرب، وبقدر ما أن إعمار غزة مكلف وصعب بوجود السكان، فإن تهجيرهم سيمثل مجال صراع جديدا في المنطقة، ولن يكون التفوق العسكري الإسرائيلي كافيا لإخماده، ولعل تجربة أميركا في فيتنام وأفغانستان والعراق خير دليل على أن التفوق العسكري مهما كان ساحقا لن يقضي على مقاومة الشعوب، وأكثر من ذلك سيدي الرئيس فإن إسرائيل ستجد نفسها في حالة عداء مع الدولتين العربيتين الموقعتين على اتفاقيات سلام مع إسرائيل، فهل من الحكمة أن تخسر شركاء السلام في المنطقة؟
إدامة الصراع في المنطقة عبء مالي ضخم يقع على عاتق دافع الضرائب الأميركي؛ فقد دفعت أميركا لإسرائيل منذ تأسيسها أكثر من 300 مليار دولار أغلبها تراسانات وأسلحة عسكرية، والحلول المقترحة إنما هي دعوة إلى زيادة الإنفاق الأميركي دعما لإسرائيل في وقت تقول فيه سيدي الرئيس إن وضع أميركا ليس في أحسن حالاته وأنك تريد أن تعيد أميركا إلى عظمتها السابقة!
اليوم، ومع ضعف الوجود الإيراني في المنطقة، بدأت الأنظمة العربية تدرك أن إسرائيل ليست شريكا موثوقا، وحتى الاتفاقيات الإبراهيمية لم تمنع نتنياهو—في صفقة سياسية ليست غريبة عنه—من اقتراح إقامة دولة فلسطينية في السعودية! وبات يتردد في أروقة الحكم العربية أن المصالحة مع إيران أقل كلفة وأكثر أمانا من التقارب مع إسرائيل. كما نرى خطوات عملية في العالم العربي باتجاه تعزيز العلاقات مع الصين، ليس بدافع العداء لأميركا، ولكن كنتيجة مباشرة للدعم الأميركي غير الإستراتيجي لإسرائيل.
سيدي الرئيس، لدينا عرض واحد بسيط وسهل وقليل الكلفة وهو وقف الاحتلال والعودة إلى المبادرة العربية التي تنقذ إسرائيل أكثر من كونها حلا عادلا للحقوق الفلسطينية، و Guess what سيدي الرئيس، فإن مثل هذا الحل لن ينهي الصراع العربي الإسرائيلي وحسب، بل إنه سينفذ للإنجيليين الصهاينة لديك مخططهم الديني بتجمع اليهود بفلسطين، تمهيدا لعودة المسيح عليه السلام.
سيدي الرئيس، دعني أصارحك بالحقيقة، حتى هذا العرض ليس أبديا، فإن سلوك إسرائيل، الذي مثل جرائم إبادة جماعية، سيؤدي إلى رفض كامل لاستمرار وجودها. ولهذا، سيدي الرئيس، لديك فرصة تاريخية لإنقاذ إسرائيل وتحقيق السلام، وقد تكون جائزة نوبل للسلام في متناول يديك. اللهم قد بلغت، سيدي الرئيس.!
وأخيرا جنابكم نقول ما قاله المتنبي: «ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بدُّ!»