رئيس إبادي.. سياسة إبادية
الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
نورمان سوليمون – (زد نت) 13/1/2025
جاء تواطؤ الولايات المتحدة مع الإبادة الجماعية في غزة بتحريض كبير من بايدن والموالين له، الذين تظاهروا بأنه لم يكن يفعل ما كان يفعله حقًا.
عندما ظهرت الأخبار في الآونة الأخيرة عن أن الرئيس جو بايدن وافق للتو على تخصيص 8 مليارات دولار أخرى لشحن أسلحة إلى إسرائيل، تعهد مسؤول أميركي مجهول الهوية بالقول: "سوف نواصل توفير القدرات اللازمة للدفاع عن إسرائيل".
كان قرار بايدن، في أعقاب التقارير التي صدرت الشهر الماضي عن "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، والتي خلصت إلى أن الإجراءات الإسرائيلية في غزة هي إبادة جماعية، بمثابة درَك جديد انحدرت إليه رئاسته.
من المنطقي التركيز على بايدن كفرد. كان اختياره دائمًا مواصلة إرسال كميات هائلة من الأسلحة إلى إسرائيل محوريًا وكارثيًا. لكنّ النزعة الإبادية الرئاسية والإذعان النشط للغالبية العظمى من أعضاء الكونغرس رافقتهما وسائل الإعلام المهيمنة والسياسة العامة للولايات المتحدة.
بعد أربعين يومًا من بدء حرب غزة، أعلنت آن بوير، محررة قسم الشعر في "مجلة نيويورك تايمز"، استقالتها. وبعد أكثر من عام ذلك التاريخ، ما يزال بيان استقالتها يسلط الضوء على سبب انهيار المصداقية الأخلاقية للعديد من المؤسسات الليبرالية في أعقاب تدمير غزة.
بينما نددت بوير بـ"حرب الدولة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة ضد شعب غزة"، فإنها اختارت بشكل قاطع أن تنأى بنفسها عن المنظمة الإخبارية الليبرالية الرائدة في البلاد:
"لا أستطيع أن أكتب عن الشعر وسط النغمات ’العقلانية‘ لأولئك الذين يهدفون إلى تطبيعنا مع هذا المعاناة غير المعقولة. لا مزيد من التلطيف اللفظي المخيف. لا مزيد من الجحيم المغلف بالكلمات المنمقة. لا مزيد من الأكاذيب التي تروّج للحروب".
وسرعان ما أصبحت عملية التأقلم والتطبيع روتينية. وقام بتحريضها بشكل حاسم الرئيس بايدن والموالون له، الذين كانوا متحمسين بشكل خاص لإظهار الأمور وكأنه لم يكن يفعل ما يفعله حقًا.
بالنسبة لصحفيي التيار السائد، تطلبت العملية تنازلًا طوعيًا وراغبًا عن الإيمان بمعيار ثابت للغة والإنسانية. وعندما أدركت بوير بدقة الأهمية الخطيرة لطريقة تغطية صحيفتها لغزة، قررت الانسحاب من "الجريدة المرجعية".
وجد تحليل لمحتوى الأسابيع الستة الأولى من الحرب في غزة أن تغطية صحف "نيويورك تايمز" و"الواشنطن بوست" و"لوس أنجلوس تايمز" تميزت بميل غير إنساني حاد تجاه الفلسطينيين. وأظهرت دراسة أجرتها مجلة "ذا إنترسيبت" أن الصحف الثلاث "أكدت بشكل غير متناسب على الوفيات الإسرائيلية في الصراع"، و"استخدمت لغة عاطفية لوصف مقتل الإسرائيليين -ولكن ليس الفلسطينيين".
"استخدم المحررون والمراسلون كلمة ’مذبحة‘ لوصف مقتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين بنسبة 60 إلى 1؛ واستخدموا كلمة "مجزرة" لوصف مقتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين بنسبة 125 إلى 2؛ وتم استخدام كلمة "مروع" لوصف قتل الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين بنسبة 36 إلى 4".
بعد عام من حرب غزة، قال المؤرخ العربي الأميركي رشيد الخالدي: "اعتراضي على مؤسسات الرأي مثل ’نيويورك تايمز‘ هو أنها ترى كل شيء بالمطلق من منظور إسرائيلي. ’كيف يؤثر ما يجري على إسرائيل، وكيف يراه الإسرائيليون‘؟ إن إسرائيل تقع في قلب نظرتهم للعالم، ويصح هذا على نخبنا بشكل عام، في جميع أنحاء الغرب. لقد مكن الإسرائيليون بدهاء شديد، من خلال منع التغطية الصحفية المباشرة من غزة، هذا المنظور المتمحور حول إسرائيل".
ولخص الخالدي الفكرة: "إن وسائل الإعلام الرئيسية عمياء كما كان حالها على الدوام، بقدر ما هي مستعدة للترويج لأي كذبة إسرائيلية وحشية، والعمل ككاتب اختزال للسلطة، وتكرار ما يقال في واشنطن".
مهد المناخ الإعلامي الممتثل الطريق أمام بايدن ومبرري سياساته البارزين للإفلات من الخطاف والتحكم في صياغة السرد، وإخفاء التواطؤ وتمويهه على أنه سياسة منصفة. وفي هذه الأثناء، كانت تعزيزات هائلة من الأسلحة والذخيرة تذهب إلى إسرائيل من الولايات المتحدة. وكان ما يقرب من نصف الفلسطينيين الذين قتلتهم هذه الذخائر من الأطفال.
بالنسبة لهؤلاء الأطفال وعائلاتهم، كان الطريق إلى الجحيم ممهدًا بالازدواجي. لذلك، على سبيل المثال، بينما استمرت الأهوال في غزة، لم يواجه أيّ صحفي بايدن بما قاله في تعليقه على حادث إطلاق النار على مدرسة، الذي تم شجبه على نطاق واسع، في أوفالدي، تكساس، عندما سارع الرئيس إلى الظهور على الهواء مباشرة.
قال: "هناك آباء وأمهات لن يروا ابنهم مرة أخرى". وأضاف: "إن فقدان ابن يشبه تمزيق قطعة من روحك... إنه شعور يتقاسمه الأشقاء والأجداد وأفراد أسرهم والمجتمع الذي يتركونه وراءهم".
وسأل بحزن، "لماذا قد نرغب العيش مع هذه المذبحة؟ لماذا نستمر في السماح لهذا بأن يحدث"؟
وقد قتلت مذبحة أوفالدي 19 طفلاً، بينما تودي المجزرة اليومية الجارية في غزة بحياة مثل هذا العدد من الأطفال الفلسطينيين في غضون ساعات.
في حين رفض بايدن الاعتراف بالتطهير العرقي والقتل الجماعي اللذين واصل تسهيلهما وجعلهما ممكنين، تعاوَن الديمقراطيون الذين يدورون في فلكه من خلال الصمت وأنواع أخرى من التهرب. وتكتفي المناورة المتأصلة المستمرة منذ أمد طويل بالإجراء الشكلي المتمثل في ترديد عبارات مبتذلة تعيد التأكيد على دعم "حل الدولتين".
في أروقة الكابيتول هيل، هيمن مبدأ غير معلن مفاده أن الشعب الفلسطيني يمكن التضحية به كمسألة سياسية عملية. ولم يفعل قادة الحزب الديمقراطي، مثل السناتور تشاك شومر والنائب حكيم جيفريز، شيئًا تقريبا للإشارة إلى خلاف ذلك. ولم يبذلوا جهودًا تُذكر للدفاع عن عضوي مجلس الديمقراطيين، جمال بومان وكوري بوش، اللذين هُزما في الانتخابات التمهيدية الصيفية بعد أن واجها فيضًا غير مسبوق من الحملات الإعلانية التي بلغت تكلفتها ملايين الدولارات، والتي مولتها لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك)، والمتبرعون الجمهوريون.
كان المشهد الإعلامي بشكل عام أكثر تنوعًا بعض الشيء، لكن نهجه لم يكن أقل فتكًا بالنسبة للمدنيين الفلسطينيين. خلال الأشهر الأولى من الحرب على غزة، حظيت الأحداث بتغطية إعلامية هائلة من وسائل الإعلام الرئيسية -التي تضاءلت مع مرور الوقت؛ وكان تأثيرها الأساسي هو تطبيع المذبحة المستمرة.
على الرغم من ظهور تقارير صحيفة استثنائية تناولت المعاناة، أخذت الصحافة بمرور الوقت طابعًا إعلاميًا أشبه بضوضاء في الخلفية، بينما بالغت بسذاجة في تسويق جهود بايدن الضعيفة لتحقيق وقف إطلاق النار على أنها مساعٍ حازمة.
صحيح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تعرض لانتقادات متزايدة. لكن التغطية الإعلامية والخطاب السياسي السائدين في الولايات المتحدة -غير الراغبَين في فضح المهمة الإسرائيلية المتمثلة في تدمير الفلسطينيين بشكل جماعي- نادرا ما ذهبا أبعد من تصوير قادة إسرائيل على أنهم غير مهتمين بما فيه الكفاية بحماية المدنيين الفلسطينيين.
بدلًا من التحدث بصراحة عن الحقائق المرعبة، قدم الإعلام والسياسة الأميركيين نفس القصص المعتادة المليئة باللغة الملطفة والمراوغات.
عندما استقالت بويير من منصبها كمحررة لقسم الشعر في "مجلة نيويورك تايمز" في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، نددت بما وصفتها بأنها "حرب مستمرة ضد الشعب الفلسطيني؛ ضد شعب قاوم طوال عقود من الاحتلال، والتشريد القسري، والحرمان، والمراقبة، والحصار، والسجن، والتعذيب".
وثمة شاعر آخر، ويليام ستافورد، كتب قبل عقود:
"أسميه قسوة، وربما جذرَ كل قسوة،
أن تعرف ما يحدث، لكنك لا تعترف بالحقيقة".
*نورمان سولومون Norman Solomon: المدير الوطني لمنظمة "روتس آكشن" RootsAction.org، والمدير التنفيذي لمعهد "ببليك أكيوراسي" Public Accuracy. نُشر كتابه، "الحرب جُعلت غير مرئية: كيف تخفي أميركا الخسائر البشرية لآلتها العسكرية" War Made Invisible: How America Hides the Human Toll of Its Military Machine، في حزيران (يونيو) 2023، (منشورات ذا نيو برس).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Genocidal President, Genocidal Politics