عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Aug-2020

لضمان استمرار “سلة العمادي”: قطاع غزة… بين هدف حماس وورقة نتنياهو والأجندة المصرية - بقلم: عاموس هرئيل

 

يجري تبادل الضربات بين إسرائيل وحماس في القطاع بصورة حذرة جداً حتى الآن. هذه حرب غريبة إلى حد ما: رغم إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة، ورغم هجمات الجيش الإسرائيلي العقابية الليلية.. ليس هناك قتلى، بصعوبة تجد خدشاً، وكان المصابون الوحيدون أول أمس أربعة نشطاء من الجهاد الإسلامي، الذين قتلوا في غزة نتيجة “حادثة عمل” – خلل أثناء معالجة صاروخ أو عبوة ناسفة.
 
 في الحالة الفلسطينية، لا تعد الصواريخ والبالونات أسلحة دقيقة، وسبق بأن الفصائل في القطاع عندما تريد توجيه نيران الصواريخ إلى قلب عسقلان أو مركز سديروت، فلا تجد صعوبة في فعل ذلك. في الحالة الإسرائيلية، التوجه الحذر واضح وبارز. إطلاق نار الدبابات نحو مواقع حماس، وتتم هجمات سلاح الجو على الأنفاق المحصنة ومخازن السلاح في الوقت الذي يتأكد فيه الجيش بأن كل الأهداف فارغة تماماً من الأشخاص.
 
 إن تصعيد الأسابيع الأخيرة في القطاع استهدف لحظة واحدة، وهي وصول محمد العمادي، المبعوث القطري، أمس. دخل العمادي أمس مع الإرسالية الشهرية الأخيرة للمبلغ النقدي الذي اتفق عليه مسبقاً. وتريد سلطة حماس في القطاع زيادة المبلغ إلى 45 مليون دولار أو حتى 60 مليون دولار شهرياً (حسب روايات مختلفة). وتعنى حماس بتقديم المساعدة مستقبلاً لأشهر وحتى لسنوات.
 
 في الخلفية ثمة تطورات أخرى تؤثر على التوترات مع إسرائيل، كالانتخابات الداخلية لرئاسة حماس المتوقعة في تشرين الثاني، التي ستدل على محاولة خالد مشعل العودة إلى القيادة من المنفى في الخليج، والذعر من كورونا. للمرة الأولى، تم تشخيص أربع حالات إصابة في القطاع هذا الأسبوع من مصدر إصابة غير معروف. المسافرون القلائل الذين يعودون إلى غزة من الخارج مطالبون بالمرور في فترة حجر لأسبوعين لمنع تسرب الفيروس إلى القطاع المكتظ بالسكان. السلطة المضغوطة وبحق من تفشي كورونا في ظل شروط صحية بائسة، فرضت حظر تجول كاملاً ليومين على كل القطاع.. فالتعامل مع كورونا متشدد، وثمة كاميرات حول بيوت المعزولين، ومعاقبة من خرقوا الحجر بالجلد.
 
 خلافاً للطريقة التي توصف بها الأمور في إسرائيل، فإن التصعيد الأخير لم يحدث عبثاً، لأن الوضع كان مملاً بالنسبة لحماس في هذا الصيف. فخلال أشهر، سمحت القيادة الإسرائيلية للوضع في القطاع بالسخونة تدريجياً إلى أن قادت الأمور إلى عنف. في كانون الثاني، قبل وصول كورونا إلى المنطقة، تم تحقيق تقدم كبير في الاتصالات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس بوساطة مصرية.
 
 أوقف الفلسطينيون المسيرات العنيفة قرب الجدار في أيام الجمع، وكبحوا أعمال العنف. في المقابل، صادقت الحكومة الانتقالية في إسرائيل برئاسة نتنياهو، على تسهيلات اقتصادية واسعة. وقد وعدت حماس بسلسلة طويلة من المشاريع الجديدة في مجال البنى التحتية، بتمويل دولي مع رفع قيود ومحظورات إسرائيلية. إضافة إلى ذلك، مكنت إسرائيل نحو سبعة آلاف فلسطيني، معظمهم من العمال (رغم أنه تم وصفهم –رسمياً-كتجار ورجال أعمال) من الدخول للعمل فيها.
 
 وفي آذار، شوش تفشي كورونا سير الأمور، فقد خافت حماس من تسرب الفيروس من إسرائيل إلى أراضيها، فأوقفت العمال وأغلقت القطاع، في وقت كانت تحصل فيه على الاستشارة الطبية من إسرائيل. وفي الوقت نفسه، غادر عدد من مديري المشاريع الأجانب القطاع إزاء تفشي الوباء العالمي.
 
 وفي الوقت الذي تشكلت فيه خيبة أمل في القطاع من المشاريع العالقة وزيادة خطورة الوضع الاقتصادي، سمحت حماس بتجدد العنف؛ فأطلق رجالها البالونات الحارقة، وأطلقت فصائل أخرى الصواريخ. وبالنسبة لسكان غلاف غزة الذين حصلوا في فترة كورونا على هدوء استثنائي وطويل، كان هذا ذكرى تثير الذعر وتذكرهم بأيام سيئة.. تجددت صافرات الإنذار وانتشرت الحرائق في الحقول.
 
 إلى جانب الهجمات العقابية، ردت إسرائيل بعقوبات اقتصادية: تم تعطيل إدخال الوقود إلى القطاع، وانخفض توفير الكهرباء اليومية للسكان إلى 4 – 8 ساعات. وأضرت القيود التي فرضت على منطقة الصيد بمصدر الرزق لعشرات آلاف الفلسطينيين في القطاع. وأجرى جهاز الأمن الإسرائيلي نقاشاً حول الخطوات المطلوبة الآن. وكالعادة، يوصي الجيش الإسرائيلي ومنسق أعمال الحكومة في المناطق بمنح تسهيلات تجارية أوسع، بما في ذلك استئناف دخول العمال على أمل تقليل النار. وكالعادة، الشاباك يعارض، ويحذر من محاولات التنظيمات الإرهابية استغلال دخول فلسطينيين إلى إسرائيل لجمع معلومات والاستعداد لتنفيذ عمليات.
 
 ما تريده إسرائيل من حماس هو في متناول اليد. باستثناء الخلاف الداخلي حول مسألة استئناف دخول العمال، فإن التسهيلات الاقتصادية المطلوبة للقطاع ممكنة التنفيذ من وجهة نظر جهاز الأمن الإسرائيلي. يبدو أن أحد أسباب الصعوبات الكامنة في المفاوضات يكمن في طبيعة الوساطة المصرية. فللقاهرة أجندة خاصة بها، وهي ليست مستعجلة في الضغط على الطرفين من أجل التوصل إلى اتفاقات تضمن هدوءاً طويل المدى. إضافة إلى ذلك، بقيت مشكلة جثامين الجنود والمواطنين الإسرائيليين الأحياء المحتجزين في القطاع. إن عدم القدرة على حل هذه الأزمة، بعد انقضاء ست سنوات على عملية الجرف الصامد، يزيد الوضع خطورة الآن.
 
 الآن، يبدو أن هناك مجالاً لعملية إسرائيلية، بتنسيق مع قطر، لمنع الانزلاق نحو عنف واسع في القطاع، الذي لا يرغب أحد فيه في أيام كورونا. أصاب رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، كبد الحقيقة عندما قال مؤخراً بشأن غزة “لا يهم مع من نتحدث، المهم هو عما نتحدث”. هناك ما يمكن التحدث حوله مع حماس بهدف التوصل إلى تهدئة طويلة المدى. الحكومة لا تفعل ذلك، لأنها لا تشعر بضغط حقيقي لفعل ذلك –هذه احتمالية أسوأ– لأن هناك شخصاً ما مرتاحاً للإبقاء على غزة كساحة يمكن دفعها إلى درجة الاشتعال بسهولة نسبية، عند تحقق الظروف السياسية المناسبة.
 
 
هآرتس