التل يكتب: الصراع بين الدين والسياسة ..
عمون
محمد حسن التل
لا يتردد عتاولة الصهاينة في الحكومة الإسرائيلية ومن خلفهم المستوطنين أن الحرب التي يخوضونها في غزة وكل المدن الفلسطينية حرب دينية مأمورون بها حسب توراتهم وأن قتل الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالنسبة لهم تقرب إلى "ربهم"!!
هذه المعادلة هي التي تتحكم بالعقلية الإسرائيلية الحاكمة حيث انتجت هذا النهج والتفكير وخلقت حالة واسعة على الأرض في المجتمع الإسرائيلي يصطف أصحابها خلف رواد هذه الفكرة، في المقابل لا زال الكثير من السياسيين العرب والمسلمين يرفضون الاعتراف بهذا الواقع وهذه الطبيعة للمعركة والصدام، ويتغاضون عنه ربما خوفًا من أن تكون ضغط شعبي في أنحاء العالم الإسلامي للمطالبة بمواجهة شاملة مع إسرائيل، أو خوفًا من اتهامهم بجعل هذا الصراع صراعًا دينيًا "إرهاب" في الوقت الذي يتم التغاضي فيه عن موقف إسرائيل لا سيما أن المجتمع الدولي في معظمه يصمت عن المنطلق الإسرائيلي في المعركة ولا يريد أن يعترف بأنها تشن على الفلسطينيين حرب وجود بفكرة دينية خرافية، وعلى هذا الأساس يوغل قادة الإرهاب في الكيان المحتل في إجرامه ومحاولة تغيير الديموغرافية من خلال قتل الفلسطيين وجرائم التدمير والتهجير، ولا يخفون أن مشروعهم لا يتوقف عند حدود فلسطين، بل يتطلع إلى المنطقة كلها لاستكماله في ظل هذه الحالة التي لم نسمع أحد في العالم يقف ضد هذه الفكرة ويعريها، بل هناك تمترس كبير خلف إسرائيل ودعمها تحت كذبة أن من حق الأخيرة أن تدافع عن نفسها، ناهيك عن أن مساحات كبيرة من المجتمعات الغربية على اختلاف تنوعها السياسي والاجتماعي استطاعت الصهيونية أن تجعلها تتعاطف مع فكرة إسرائيل من بوابة دينية!!
السؤال الكبير، ماذا لو أعلنت دول عربية أو إسلامية أنها تنظر للصراع مع إسرائيل من منظور عقائدي ديني، وأن الواجب الديني يحث على إنهاء إسرائيل، وطرد القادمين إليها من خلف البحار لاستيطانها من حيث جاؤوا، كيف ستكون ردة فعل العالم الذي ينظر إلى الصراع بعين واحدة؟..سؤال برسم الإجابة..
خلف الأبواب والكواليس السياسية، يدرك كثير من الساسة الغربيين أن إسرائيل قيامها بالأصل كان بناء على فكرة دينية في عقول من تبنى هذه الفكرة من اليهود بتحريض من الصهيونية "مع العلم أن هناك كثيرين من اليهود في العالم يرفضون قيام دولة إسرائيل ويعتبرونها مخالفة للتوراة والديانة اليهودية" ، لكنهم لا زالوا متمسكين بوجودها وحمايتها لأن الصهيونية أحمكت الطوق حولهم وجعلتهم حين نطالب بمواجهة اسرائيل لظلمها للفلسطينيين يعتبروننا إرهابيون وقتلة وليسوا بشرًا "كرروها كثيرًا" ولا نستحق الحياة وأننا نخوض حربًا ضد أناس أبرياء، وليس من المستبعد أن تشن علينا حروبًا.
هذه المعادلة تأتي بموازاة فقدان العالم ميزان العدالة في النظر إلى صراعنا مع إسرائيل في ظل هزيمة للأمة على كافة المستويات الثقافية والسياسية والعسكرية والأخلاقية وكذلك الاجتماعية، والواقع الذي نعيشه اليوم هو من نتاج هذه الهزيمة، وقد أصبح الفكر العربي السياسي في معظمه فكر مريض مشلول مصاب بمرض عمى الألوان، ورغم كل ما اعتور مسيرته من نكسات ومآسٍ وهزائم، لا يزال قاصرًا عن إدراك طبيعة ظروفه، ولا يزال عاجزًا عن تحديد موقفه من أسباب هزيمته بل يرفض الاعتراف بها ، يقبل على أعدائه متأملا ويدير ظهره لكل أسباب النصر التي هيأها الله له التي لو أخذ بها لكانت معادلة الصراع على غير هذه الصورة.
وفي حربهم القائمة على الفكرة الدينية نجح الصهاينة باستعداء مساحات كبيرة من المسيحية الغربية على العالم الإسلامي، رغم أن الواقع التاريخي للعلاقات بين المسيحية الغربية واليهودية كانت في صراع مستمر منذ ظهور المسيحية، ولم تحدث الهدنة إلا على أنقاض الصراع العربي الإسرائيلي.
لقد استطاع الصهاينة أيضًا ومن ذات المنطلق أن يجعلوا مساحة كبيرة من العالم الغربي استراتيجيته اتجاهنا مبينة على العداوة المطلقة بسبب كذب الصهاينة وأباطيلهم واتهاماتهم الزائفة في ظل تراجع كبير لدينا في التواصل مع المجتمعات الغربية وشرح وجهات نظرنا وتبيان الصورة الحقيقية لأمتنا وطبيعة الصراع مع الصهاينة.
أخيرا.. المعروف علميًا أن النهوض والارتكاز القومي كذلك الهزائم تكون نتيجة لمحصلة يشارك فيها الساسة والعلماء، وكمظهر لتخلفنا القومي، وانشغالنا بالقشور عن الأصول وبالشكل عن المضمون اختلت بوصلة الصراع مع الصهيونية فكانت هذه النتيجة من واقع هزيل منهار لأمتنا..