هل هي الحرب المؤجلة ما ينتظر المنطقة والإقليم؟!*العين د. زهير ابو فارس
الراي
هل انتهت الحرب بين إسرائيل وإيران، ام هي مؤجلة إلى حين قريب أو أكثر بعدا، ام ماذا؟!!. وما طبيعة العلاقات التي تحكم عناصر ومكونات المنطقة، هل من إعادة للتموضع ستشهدها المنطقة والاقليم؟. هذه الأسئلة وغيرها الكثير لا تزال تطرح وتدور أمام أنظار أطراف المعادلة الجيو-سياسية الاقليميين والدوليين.
واذا ما ناقشنا حال المنطقة العربية، منطلقين من لحظة وقف المواجهة، او الحرب المباشرة، بين إسرائيل وإيران (والتي شاركت فيها الولايات المتحدة كداعم استراتيجي فاعل)، يبدو أنها لم تنته، بل يمكن وصفها "بالحرب المؤجلة"، اذا ما كانت السيناريوهات الأخرى الذاهبة إلى سياقات وخيارات التفاهم المبنية على المصالح البرغماتية او ان شئتم، عقلية "البازار" التي يمكن ان تسود، اذا ما قررت القيادة الإيرانية الانكفاء على الذات، حفاظا على كينونة النظام السياسي لولاية الفقيه، خاصة في ظل غياب حلفاء إقليميين ودوليين حقيقيين ومؤثرين، قادرين على احداث توازن استراتيجي للحلف الاسرائيلي الأميركي، والذي جرى تجربة فاعليته في مواجهات الاثني عشر يوما المعروفة في حزيران الماضي.
واذا ما اعتمدنا سيناريو المواجهة المؤجلة فإن عناصره الأساسية تبدو واضحة من خلال المعطيات التالية:
اولا: ان دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر في معادلة الصراع الاسرائيلي مع إيران حول مشروعها النووي، وتوجيه "ضربة حاسمة" التي عجزت عنها إسرائيل حول أميركا إلى طرف أصيل في الصراع لن تستطيع التراجع عنه إلى حين الحسم النهائي لهذه المسألة، وهو ما نجحت إسرائيل والقوى المؤيدة لها في الولايات المتحدة في جر الأخيرة إلى هذه المعادلة، وهي خطوة لطالما حاولت الإدارات الأمريكية السابقة (بما فيها إدارة ترامب الاولى) المماطلة والتهرب من الانخراط المباشر في هذا الصراع، الذي اداره نتانياهو بدهاء وخبث قل نظيره. اي أن الولايات المتحدة قد وجدت نفسها، وبعد ضربات المنشآت النووية الإيرانية بالقاذفات الاستراتيجية، متورطة حتى اذنيها في هذا الصراع، ولن تكون قادرة على التخلي عن مواقفها المعلنة والمتمثلة في عدم السماح للايرانيين بتخصيب اليورانيوم بكافة الوسائل، ومهما كلف الثمن، بل قد ينتقل التشدد الأميركي إلى أبعد من النووي الإيراني ليشمل برنامج الصواريخ البالستية، في حال رضخت إيران للمطالب الاسرائيلية الأميركية في مسألة البرنامج النووي الإيراني. اي أن اليمين الاسرائيلي قد نجح تماما في جر الولايات المتحدة إلى مواقفه المعلنة في تحييد الخطر الإيراني، ولو كلف الأمر الدخول في صراع حول وجود النظام السياسي الإيراني نفسه. وهو انتصار سيوظفه كل من نتانياهو وترامب في معادلاته السياسية الداخلية في آن معا.
ثانيا: لقد أثبتت المواجهة بين إسرائيل وإيران ان الأخيرة خاضت مواجهتها وحيدة، ويبدو ان لا تغيرات جوهرية تلوح في الافق في عناصر الصراع في المنطقة. اي أنها ستبقى وحيدة كذلك الا من أطراف اقليمية هامشية وغير مؤثرة في طبيعة التوازن الاستراتيجي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن إيران، والحالة هذه، لن تتمكن من تغيير هذه المعادلة، اي أن خياراتها ستبقى محصورة في هامش مناورات التفاوض، التي لن تسمح إدارة ترامب بالمماطلة فيها، بل ستعمل على فرض إرادتها وشروط نتانياهو وشركاؤه اليمينيون المتطرفون.
ثالثا: واذا كان الأمر كذلك، وبخاصة في ظل غياب أطراف إقليمية ودولية فاعلة قادرة على تغيير هذا الواقع الذي يتميز باختلال موازين القوى لصالح إسرائيل وحلفائها، فإننا نغدو أمام سيناريو استئناف حرب الاثني عشر يوما المؤجلة بين إسرائيل وإيران، وبدعم أميركي مباشر، حيث قد يكون الهدف هو النظام السياسي في إيران، في مواجهة من الصعب التكهن بنتائجها المباشرة وغير المباشرة، والتي يعتبرها نتانياهو البوابة الحقيقية للشرق الأوسط الجديد الذي ينادي به طوال حروبه المستمرة في غزة والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا والعراق، ولن تكون الأخيرة في إيران.
هنا يطرح السؤال الكبير: أين سنكون نحن العرب من هذا الشرق الأوسط الجديد، الذي يخطط له اليمين الصهيوني الاستعماري الاحلالي، والذي لا يخفي اطماعه التوراتية التوسعية في فلسطين والمنطقة باسرها؟. وهل نستطيع، بحكم الخطر المشترك المحدق بنا جميعا، (وفي ظل غياب المشروع العربي النهضوي)، هل يمكن الرهان على بناء نواة، أو "موقف"، أو " رؤية عربية" بمشاركة الدول العربية الفاعلة والمتاثرة بالمخططات الصهيونية المعلنة، تستطيع التعامل، ولو بالحد الأدنى من الندية مع قوى في الإقليم، كتركيا وباكستان، والدولية الأخرى، على قاعدة المخاطر والمصالح المشتركة، لحماية ما تبقى من الأمن القومي العربي، ووقف الخطر الصهيوني الرامي إلى تصفية القضية الفلسطينية، بتهجير أهلها، وتهديد أمن ومستقبل دول وشعوب المنطقة باكملها. فالخطر القادم يحتاج إلى قرارات ومواقف استثنائية لمواجهته.
ويقينا ان الأردن ومصر المتضررين المباشرين من المشروع الصهيوني فيما يتعلق بالتهجير تحديدا، ومعهم العربية السعودية والعراق ودول الخليج الأخرى، كنواة تساندها بقية الدول العربية. وفي هذا المجال فإننا على قناعة من أن الإنجازات الكبيرة التي حققها جلالة الملك عبد الله الثاني في زياراته عواصم صنع القرار في العالم، يمكن توظيفها والبناء عليها، شريطة تدعيمها بمضامين سياسية واقتصادية وأمنية ودبلوماسية عربية، لتكون قادرة على خلق حالة من الندية يحسب لها الحساب على المستويين الإقليمي والدولي..