عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Sep-2019

علی نار هادئة - یوسي ملمان
معاریف
الإنجاز الاستراتیجي الأكبر للسنة العبریة ”تشعة“ الماضیة ھو أنھ مرت سنة اخرى بلا حرب.
كانت في اثنائھا بضعة حوادث، في خمس ساحات انطوت على امكانیات تصعید شدید، تصعید كان یمكن أن یؤدي حتى الى حرب لم ترغب حكومة اسرائیل فیھا. كان من شأن ھذه ان تندلع في اعقاب غارات سلاح الجو في سوریا ضد اھداف لإیران، المیلیشیات الشیعیة وحزب الله، والتي أخذت إسرائیل المسؤولیة عن بعضھا. عندما كشف الجیش الإسرائیلي ودمر في الحدود الشمالیة الانفاق التي حفرھا حزب الله الى الاراضي الإسرائیلیة، ثار توتر شدید. وكذا في الغارات المنسوبة لاسرائیل، والتي بدأت قبل نحو ثلاثة اشھر ضد قواعد إیرانیة في العراق وفي الحدود السوریة العراقیة، كان یكمن خطر كبیر.
ولكن التفجر الأكبر كان في غزة. فمنذ سنة ونصف والوضع ھناك، ولا سیما في ایام الجمعة، حین یتظاھر الآلاف على الجدار، الوضع متوتر جدا. وبسبب انعدام الیقین فان كل حادثة صغیرة قد تخرج عن السیطرة. ان الوضع الاخطر الذي علقت فیھ اسرائیل كان قبل نحو اسبوعین، عندما طلب رئیس الوزراء بنیامین نتنیاھو ان یرد سلاح الجو بحدة على اطلاق الصواریخ نحو اسدود وعسقلان والذي حصل في اثناء اجتماع انتخابي لھ واضطره الى المغادرة الى المجال المحصن.
في أعقاب ذلك عقد نتنیاھو وھو في حالة عصف للخواطر مشاورات أمنیة مع قادة جھاز الأمن، وبمن فیھم رئیس الاركان افیف كوخافي، رئیس المخابرات نداف ارجمان، رئیس شعبة الاستخبارات في الجیش، تمیر ھایمن ورئیس الموساد یوسي كوھن – الرجل الاقرب والاكثر تأثیرا على نتنیاھو. لم یكتف نتنیاھو بذلك. فقد أجرى مشاورات ھاتفیة، صادق فیھا الكابنت الطائع لھ في منتصف اللیل ان یأمر سلاح الجو بفتح ھجوم واسع في غزة. كان واضحا ان مثل ھذا الھجوم سیؤدي الى نار مكثفة للصواریخ على الجنوب وغوش دان وفي نھایة المطاف كان من شأنھ ان یدفع الجیش الاسرائیلي الى أن یخرج الى ھجوم بري في القطاع. وخطوات كھذه كانت ستؤدي على اي حال الى تأجیل الانتخابات ایضا.
خلیط من المحافل والملابسات فقط: موقف قادة الامن، طلب المستشار القانوني افیحاي مندلبلیت عقد الكابنت لبحث مرتب وسماع رأیھم بجذریة، وكذا برود رئیس الوزراء الذي صحى، منعت الحرب.
ومیز السنة الماضیة في كل الساحات ھو انعدام الیقین. كل حادثة صغیرة في كل واحدة منھا كانت من شأنھا ان تخرج عن السیطرة وتؤدي الى تدھور واسع. لو أن إیران، حزب الله، حماس والجھاد الإسلامي كانوا سیردون بقوة بنار صاروخیة، لما كان لاسرائیل اي مفر غیر تصعید خطواتھا.
وكبدیل، لو كان الاعداء یلجمون انفسھم ولا یطلقون الا بضعة صواریخ ولكن ھذه ادت لا سمح الله الى عشرة قتلى أو اكثر، لكانت اسرائیل وجدت نفسھا في حرب.
على المستوى التكتیكي ایضا كانت لاسرائیل انجازات ھامة. فاغلبیة الانفاق الھجومیة (ان لم تكن كلھا) التي بنتھا حماس والجھاد الاسلامي منذ حملة الجرف الصامد، باستثمار ملیار شیكل، انكشفت وفجرت. ھكذا حصل ایضا في الحدود اللبنانیة. ایران (وبین الحین والاخیر نظام بشار الاسد في سوریا ایضا) یواصلان التعرض لضربات سلاح الجو والتجلد.
في الساحة الخامسة ایضا – الضفة الغربیة – نجحت اسرائیل في الامتناع عن التصویت. وذلك رغم جھود لا تنقطع من حماس بقیاداتھا في غزة، لبنان وفي تركیا لاثارة المنطقة واقامة شبكات ارھاب وتخریب، وتنفیذ عملیات في الضفة وفي حدود الخط الاخضر، وكذا لاثارة الاضطرابات في الحرم. وینبع منع التدھور في الضفة من قدرات المخابرات الاسرائیلیة في الحصول على معلومات استخباریة واحباط مخططات حماس، مثلما ایضا من التعاون الوثیق مع اجھزة امن السلطة الفلسطینیة ومن حقیقة أن سكان الضفة ینجحون، بخلاف غزة في نیل الرزق والعیش بنمط حیاة معقولة.
في اثناء السنة وفي كل الجبھات أبدت اسرائیل مثابرة، وبثت تصمیما للدفاع عما تعتبره مصالحھا الامنیة. واحیانا، مثلما في الھجوم المنسوب لھا على الخلاطة المعدة لتحسین دقة الصواریخ في الضاحیة، معقل حزب الله في بیروت، كان ھذا رھان في السیر على الحافة، اثبت نفسھ بأثر رجعي ونجح.
ولكن مع حلول سنة ”تشف“ العبریة، واضح ایضا ان كل المشاكل التي تصدت لھا اسرائیل بقیت على حالھا. عملیا، لیس لاسرائیل استراتیجیة واضحة وشاملة في جبھة. نھجھا یستند الى القوة العسكریة الصرفة، التي لا تدمج (بل ولا توجد محاولة لذلك) خطوات سیاسیة مرافقة وموازیة.
وھكذا تجد اسرائیل نفسھا امام خصوم ھم ایضا یبدون التصمیم وغیر مستعدین للتنازل. ھذا صحیح بالنسبة لحماس في غزة، حزب الله الذي یواصل مساعیھ للتزود بصواریخ دقیقة وایران التي تواصل محاولاتھا لنقل الصواریخ أو عناصرھا الى لبنان لتقیم برعایة جیش الاسد قواعد في سوریا، وعلى مسافة غیر بعیدة من حدود ھضبة الجولان.
ومع أن اسرائیل تشتري الھدوء في غزة مقابل حفنة ملایین من الدولارات القطریة التي تنقل كل شھر، فان غزة – باكثر من میلونین من سكانھا، عشرات في المئة من البطالة، ضائقتھا الاقتصادیة، مشاكل المیاه والكھرباء فیھا – تبقى برمیل من البارود المتفجر. بغیاب التسویة بعیدة المدى، فنھایتھا أن تتفجر.
یمكن للسنة القادمة ایضا ان تجلب ازمة مع السلطة الفلسطینیة – التي وضعھا لیس في افضل حال.
اذا ما رحل ابو مازن المریض الى عالمھ. في مثل ھذه الحالة یحتمل أن تنشأ حرب على خلافتھ قد تؤدي الى وقف كامل او جزئي للتعاون بین اجھزتھ الامنیة وبین المخابرات والجیش الاسرائیلي.
ان القوة والقراءة المغلوطة لصورة الوضع بارزان على نحو خاص في السلوك تجاه التھدید الإیراني. في السنة الاخیرة قرر رئیس الوزراء تقلیص سیاسة الغموض واخذ في عدة مناسبات المسؤولیة عن الھجمات في سوریة، في ظل تلمیحات واضحة بان اسرائیل تعمل في العراق ایضا.
ان نھج نتنیاھو یھین ایران ومن شأنھ ان یكون محملا بالمصائب. وقد فعل رئیس الوزراء ذلك لاعتبارات سیاسیة داخلیة، رغم استیاء قادة جھاز الامن. ولكن ھؤلاء، ولا سیما رئیس الاركان كوخافي، لم یضعوه في مكانھ. في صالح كوخافي یقال انھ من الافضل متأخرا على الا یكون ابدا.
في المداولات على غزة على الاقل اظھر تصمیما، اعرب عن رأیھ بشكل واضح، تحدى نتنیاھو وساھم الى جانب رئیس المخابرات في منع الحرب.
”ان احد الاسباب المركزیة للمفاجآت الاستخباریة ھو الفجوة المتسعة بین ما یجري في الواقع وبین الطریقة التي ینعكس فیھا في نظر مقرر السیاسة“، كتب مؤخرا العقید روني كوھن، المسؤول السابق في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات. ففي مقال مثیر للاھتمام في ”منتدى التفكیر الاقلیمي“ دعا الى الاعتیاد على اصطلاح جدید – قدیم یسمى ”الجبھة الشمالیة – الشرقیة“. ویدعي كوھن بان القراءة المنوطة للواقع تنبع من سببن. الاول ھو نشوة القوة في اسرائیل. والسبب الثاني ھو الایمان الاعمى بان لخطوات اسرائیل العسكریة یوجد اسناد من الادارة الامریكیة. وذلك رغم أن الرئیس دونالد ترامب یثبت المرة تلو الاخرى بانھ غیر متوقع وسند متھالك. یشدد كوھن، وھو لیس الوحید، على أنھ بخلاف التقدیرات في اسرائیل وفي الولایات المتحدة، فان ایران لا تستسلم للعقوبات القاسیة التي تفرض علیھا وتبدي صمودا. وھو یشدد على أنھ ”في نھایة المطاف، فان سیاسة تنبع من الاكتفاء والثناء الذاتي، من غیاب التواضع (الحال لا یدوم ابدا) – من شأنھا ان تؤدي الى الانتقام من جانب ایران“.
یعتقد كوھن بان على اسرائیل ان تغیر القرص. الا ترى في الجبھة الشمالیة – الشرقیة (العراق، لبنان، سوریة وایران) كل شيء، ان تستأنف المبادرات الدبلوماسیة في غزة ومع السلطة الفلسطینیة ٍ وان تصحو من الایمان بترامب وبالقوة العسكریة كالرد الوحید على كل تحد. ینبغي الامل في أن تعمل الحكومة الجدیدة، بعد أن تتشكل، اذا ما تشكلت، بشكل مختلف.