عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    16-Nov-2025

نشر التضليل في زمن البودكاست*د. خالد الحريرات البطوش

 الدستور

«الكذب يلف نصف العالم بينما لا تزال الحقيقة تنتعل حذاءها»، لم يخطر في بال مارك توين حين قال ذلك قبل اكثر من مئة سنة ان تلك السرعة ستظهر بدائية ومتواضعة مع ما يمكن ان تفعله وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الاكاذيب هذه الايام التي تنفلت بتدوينات خالية من التدقيق او بتفكيك مقاطع مسجلة ومصورة للاشخاص والاحداث يمكن تحصيلها دون عناء، واعادة تركيبها لتقوّل اصحابها ما لم يقولوه، ثم اذاعتها على الملأ بنقرة واحدة على مفتاح النشر او المشاركة.
قبل ايام انتشر خبر على وسائل التواصل الاجتماعي ينسب للدكتور بشر الخصاونة كلاما لم يقوله، وخلع عليه من قام بتلفيقه لبوس الحقيقة باجتزاء كلام قيل ولكن في سياق مختلف، وافتعل عن سوء نية قص ولصق مقاطع من الحديث الذي ادلى به رئيس الوزراء السابق في لقاء على برنامج عربي كاست، وكانت النتيجة (برومو) على طريقة ويل للمصلين، وبقليل من الوعي وكثير من التسرع تلقفه عدد من الناشطين واعادوا نشره واطلاق الاحكام على محتواه دون تورع.
يميل العقل الى تصديق ما يرغب فيه، وهذه الرغائبية في التفكير ليست الا مغالطة منطقية ضحيتها الاولى هي الحقيقة، وللاسف تبدو الحقيقة اقل جاذبية لمن يبحث عن الاثارة والتشويق، وعندما ينهض الخبر على الكذب او انصاف الحقائق يغدو التضليل نتيجة متوقعة، وكل ما يحتاجه التضليل في هذه الحالة لتحميله في اشاعة مغرضة او في خبر ملفق هو الوعي المنقوص او التحامل المكشوف، وحين يتصل هذا الخبر بشخصية عامة لا ينقصها خصوم لا للشخصية ولا للمنهجية تكون البيئة خصبة لانتشار الخبر المزعوم وتحميل الحديث ما لا يحتمل.
لخطورة الاخبار الزائفة والاشاعات المغرضة في بث التضليل وحجب الحقائق تنبهت التشريعات الحديثة الى ضرورة حظرها وتجريمها، وقد سار التشريع الاردني في هذا الاتجاه، وعمد الى تجريم بث الاشاعات ونشر الاخبار الملفقة من اجل حماية مصالح مجتمعية وفردية متنوعة، وقد وردت تلك الحماية في تشريعات متناثرة حسب اهمية المصلحة المنشودة وطبيعتها،  فقانون العقوبات جرّم الاشاعات التي تمس امن الدولة، في حين عاقب قانون الجرائم الالكترونية على الافعال التي من شأنها اغتيال الشخصية، بينما افرد قانون الاوراق المالية نصوصا خاصة لحظر بث الشائعات التي تهدف الى التاثير على سعر الاوراق المالية وحجم التداول او سمعة جهات الاصدار.
المواجهة القانونية للشائعات والاخبار الزائفة واحدة من الادوات التي تلوذ بها السلطة لتطويق خطرها ومعالجة ضررها، لكنها ليست كافية، ومن الضروري تفعيل ادوات اخرى يحتاجها المجتمع ويمكنه ان ينتجها في حواضن رسمية واهلية في قطاع التعليم والثقافة والاعلام، ولعل تعميق المعرفة بالامكانات التقنية التي تتوفر عليها التكنولوجيا الحديثة التي يحتمل معها تلفيق الاخبار واجتزاءها من سياقها واحدة من المساحات التي ينبغي تسليط الضوء عليها في المناهج المدرسية ووسائل الاعلام ، كما ان التحذير من تسخير الذكاء الاصطناعي في اختلاق الصور والتسجيلات يمكن ان يحد من تلك المخاطر،  والى جانب هذا وذاك يبقى نشر الوعي هو الرهان الاساسي الذي يعول عليه المجتمع في تحصين الافراد من الوقوع في براثن التضليل الذي يستهدفه بث الاشاعات ونشر الاخبار الملفقة.