عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    02-Jun-2020

أكتب عن «الدستور» - حسين الرواشدة

 

الدستور - لم اكتب الا مرة واحدة عن «الدستور»، وكيف يمكن لأحدنا ان يكتب عن دفء بيته او هموم أسرته وقد عاهد القارئ العزيز ان يكون صوته الذي لا يخذله، ولا ينازعه شأن خاص في هذه المساحة المخصصة له، حتى وان اضطر الى ذلك.
 
لكن «الدستور» ليست شأنا خاصا، ولهذا استأذن اليوم في السلام عليها والكتابة عنها، لا لأنها تشعر بالخيبة من الذين شربوا من نهرها المتدفق وفي لحظة جحود سدّوا الينابيع التي تزوده بالمياه ثم القوا فيه الحجارة، ولا لأنها تعاني من أزمة تنفس عابرة يريدها البعض ان تتحول الى محطة «اختناق»، وإنما لان شمسها ما تزال تشرق رغم ما تلبد في سمائها من غيوم، كما ان روحها ما تزال تحلق وتبعث في ضمائرنا الحياة من جديد.
 
اكتب عن «الدستور» التي خرجت من رحم الوحدة وما تزال ترفع رايتها، الدستور التي تجاوزت الخمسين وبقيت في عزّ شبابها، لم تصبُ ولم تتصابى، فهي مثل قرامي الزيتون تورق كل يوم وتضيء بزيتها دروب الباحثين عن الحقيقة، الدستور التي ولدت حرّة وظلت حرّة لم «تأكل بثدييها»، ولم تمد يدها لغير «مجد» الوطن الذي ظلت «خادمته» الوفية.
 
اكتب عن «الدستور» باسم الزملاء العاملين فيها الذين «عضّوا « على الجرح شهورا طويلة، تأخرت رواتبهم فما ضجوا ولا فزعوا، ولا جفّت أقلامهم او تعثرت خطواتهم او قايضوا على حروفهم النبيلة، أرأيت «أسرة» تحاصرها العاديات وتغلق أمامها الأبواب فتصر على مواجهتها بالصبر وفتحها بالإصرار..؟ 
 
هل تجدون نموذجا أفضل من هذا الذي قدمته «الدستور» للعطاء والصبر بلا حدود، والتضحية والحب والانتماء بلا حدود، وعدم الجهر بالسوء حتى ممن ظلم، هل تجدون أروع من هذه الصورة : مطابع تدور حتى وان جفّت في شرايينها المحابر، أقلام تكتب باسم الوطن وكرمى لعيون الناس الطيبين، حتى وهي مهددة بالتوقيع على «كمبيالة» مكسورة قد تفضي بها الى السجون.
 
اكتب عن «محنة» الدستور لأنها جزء من محنة بلد تعرض مثلها للعقوق، ومحنة إعلام يريد ان يستنشق الهواء ويراد له ان يظل تحت رحمة أجهزة التنفس الاصطناعي، او ان يبيع «كليته» ليسد التزامات أبنائه، او ان يموت ببطء لكي لا يتحمل احد مسؤولية وفاته.
 
اكتب عن معاناة «الدستور» وأخواتها لأنها معاناة لا تتعلق بتجارة الأوراق والأحبار، ولا بتدقيق حسابات لشركات قد تخسر او تربح، ولكن لأنها معاناة «ذاكرة» يحاول البعض ان يشوهها او ان يشطبها من الجذور،و «ضمير» مهني أصبح رأسه مطلوبا، وحناجر وطنية لا يسعد «الشطار» ان ترتفع أصواتها، معاناة لا يريد البعض ان يعترف بها او يتحمل مسؤولية مواجهتها، او «يواريها « بما لديه من حلول ممكنة.
 
لن تتوقف الدستور بإذن الله ولن يصمت هدير مطابعها، لن تتخلى الدستور عن رسالتها وشرف المهنة الذي ظلت تدافع عنه،لن تخذل وطنها ولن تغيب عن قرائها ولن تخرج عن «خطها» المستقيم، لن يدفعها الإحساس «بالخيبة» من بعض الذين يراهنون على تنشيف حروفها لليأس او الاستفزاز، ستبقى مثلما كانت على الدوام الرائد الذي لا يكذب أهله، والدليل الذي لا يضل او يتوه، تعكس صورة الوطن العزيز وتحميه بحروفها الشريفة من كل مكروه.