الغد
لعل جميع النظم السياسية الديمقراطية العلمانية الغربية الحاكمة جاءت من تحت إلى فوق، أي أن الدولة الحديثة هناك جاءت من تطور تاريخي، فقبلها الجميع في النهاية. صارت المعارضة فيها للحكومة ضد الحزب الفائز بالانتخابات أو ضد الأحزاب المؤتلفة التي تشكلها وليس معارضة لنظام الحكم.
ولكن الأمر في بلدان ما بعد الاستقلال كان بالعكس، فقد جاءت نظم الحكم فيها من فوق، أي لم تجيء نتيجة تطورات.
لذلك تختلف المعارضة فيها عن المعارضة في الدولة في الغرب، ففي بلدان ما بعد الاستقلال تجد المعارضة، معارضة لنظام الحكم وكأنها تريد اسقاطه، وهو الفرق الرئيس بين الدولة الحديثة في الغرب والدولة غير الحديثة. بل إن المعارضة فيها أقرب إلى المقاومة منها إلى المعارضة، وهو السر في الأزمة أو الشرخ الدائم بين أنظمة الحكم والحكومة والمعارضة على الرغم من الشكليات الديمقراطية الغربية المتبعة في بلدانها.
***
كل ما هو في باطن الأرض من معادن في أي دولة ثروة (wealth) وليس دخلاً (Income) لأن الدخل نتاج عمل الشعب. أما الثروة فليست كذلك، لإنه لم ينتجها، ولكنها قابلة للنضوب باستخراجه لها وتصنيعها واستخدامها فإذا نضبت خسرت الأجيال القادمة حقها فيها. ومن هنا نشأت فكرة التنمية المستدامة التي تعني المحافظة على حقوق الأجيال القادمة في هذه الثروة. ولعل قول جماعة الاميش الأميركية أوضح تعبير معروف في نظري عن التربية المستدامة. وقد ترجمته قديماً وصار بعض الناس يتداولونه دون أن يعرفوا أو يذكروا مصدره، وهو: “ إننا لا نرث الأرض عن آبائنا وأجدادنا، بل نستقرضها من أولادنا وأحفادنا”.
***
كل الصحوات الدينية التي حدثت في أوروبا وأميركا وغيرها من البلدان انتهت بالعكس، بغفوتها أو حتى بموتها، وانقلاب الشعب والأمة عليها بالحرية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان.
أما الصحوات الإسلامية في بلاد العرب فيبدو أنها تنتهي في كل مرة بالعودة إلى المربع الأول.
***
مجتمع المستقبل الذي نحلم فيه أعني المستقبل العربي مستقبل يسود فيه العقل والعلم، كأساس لمختلف نواحي الحياة وأولها التربية والتعليم والسياسة العامة، والخطاب العام. مستقبل يضمن حرية التعبير. مستقبل تنتهي فيه القومية والإثنية والدينية والطائفية، واندماج الصالح العام والخاص بالمثل العلمانية. هل التفكير في هذه الأمور مبكر عربياً واسلامياً، أم أنه لا حظوظ له في الشرق العربي والمسلم، فلا حاجة للحلم به؟
***
يحزنني جدا بل يستفزني أقوال نطلقها وفي طياتها اساءة أو شتائم للناس من مثل قول شاعر عربي.:
العرب أشرف أمة
من شك في قوله كفر
إنه قول يسيء إلى بقية الأمم في العالم دون وجه حق.
ومثل قول بعضنا بعيد وفاة أبيه أو امه أن أباه أو أمه كانا أعظم أب أو أعظم أم في العالم: إنه بمثل هذا القول يسيء إلى أو يشتم بقية الاباء والامهات في العالم مع أنهم قد يكونون أفضل من أمه وأبيه.
فكر وتواضع واترك مساحة للآخرين.