الجولة الثانية من المباحثات الإيرانيّة الأميركيّة.. مَن سيتنازل لمن..؟!*أ. د. صلاح العبادي
الراي
ستعقد الجولة الثانية من المباحثات بين طهران وواشنطن في سلطنة عُمان السبت المقبل، في وقت تكمن المعضلة الأساسية بأنّ إيران تريد ضمانة من قبل الولايات المتحدة الأميركيّة تفيد بأنها لن تنسحب من هذا الاتفاق في حالة الوصول إلى اتفاق في نهاية هذه الجولات، التي ستشملها هذهِ المباحثات سواء في عُمان أو في أي من عواصم دول العالم. لأنّ إيران لديها تجربة سابقة، وكذلك سلطنة عُمان التي كانت وسيطاً، واختارها الطرفان منذ عامي ٢٠١٣ و٢٠١٤ حتى تم توقيع الاتفاق في عام ٢٠١٥ في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما.
لا تريد إيران أن تُكرر نفس الموقف ويأتي رئيس جديد للولايات المتحدة الأميركيّة ويلغي هذا الاتفاق بعد عام ٢٠٢٨؛ إذ تنتهي ولاية الرئيس دونالد ترامب، وهذا من الأسباب التي جعلت إيران ترفض المفاوضات المباشرة.
يبدو أن الجانب الأميركي متفهم لذلك، ويريد أن تكون المباحثات مستمرة والمجتمع الدولي ضامناً له.
ما تم بحثه في سلطنة عُمان هو أن يكون الاتفاق ملزماً لكلا الطرفين، وهو ما تخشى منه إيران!
الولايات المتحدة دخلت المفاوضات ولديها هدفها المتمثل، بعدم امتلاك إيران لأي سلاح نووي، بينما تتطلع إيران لرفع العقوبات الاقتصادية عنها. وهنا يبدو أن المسافات بعيدة في هذهِ المباحثات؛ لأنّ الولايات المتحدة هي التي ألغت الاتفاق السابق الذي أخذ الكثير من الجهد بين الأطراف على مدى أكثر من عام ونصف الساعة، خلال تسع جولات من المباحثات، في عدد من عواصم العالم، فجاءت الولايات المتحدة في لحظة والغته دون سابق إنذار!
وبالتالي أصبحت واشنطن في حل من هذا الاتفاق وكذلك طهران؛ وبما أنّ الطرف الثاني انسحب، وهو الأمر الذي دفع إيران لرفع نسبة تخصيب اليورانيوم في العام ٢٠١٨ من ٢٠ بالمئة إلى ما نسبته ٦٠ بالمئة، رغم أنّ هذهِ النسبة بعيدة نسبياً عن انتاج القنبلة النووية لكنّها تقترب إلى حد ما.
ما تم في مسقط هو مرحلة الضمان والمرحلة الثانية تحديد المحاور التي سيتم الحديث بها، في وقت رفضت ايران طرح موضوع تطوير الصواريخ البالستية لأغراض عسكرية!
عندما يتم التوافق على أجندة المباحثات سيتم مناقشة التفاصيل تدريجياً من قبل الجانبين، وربما التوافق عليها.
في اليوم التالي من الجولة الأولى من المباحثات قال المرشد الأعلى الإيراني علي خامئني بشكل واضح للإيرانيين بأن «الجيش لا بد أن يكون على استعداد لأننا لا نثق في الطرف الأميركي». وزير دفاع ترامب يتحدث أن الخيار العسكري مازال مطروحاً مثله مثل التفاوض إذا لم تستجب ايران.
الجولة السابقة من المفاوضات كانت عبارة عن استطلاعية افتتاحية، تم التوافق فيها على أسس المحاور والنقاط التي سيتم مناقشتها في الجولات المقبلة.
البنتاغون يقوم حالياً بنقل ما يقارب ٣٠ ألف جندي في منطقة الشرق الأوسط، ويتطلع لنقل ١٠ آلاف جندي لمناطق محيطة في الشرق الأوسط. في وقت تشير المعلومات إلى أن هذهِ الاستعدادات موجهة إلى إيران وهي ورقة ضغط عليها؛ للقبول بالحد الأدنى من المطالب الأميركيّة؛ وهي مطالب تتمثل في عدم امتلاك طهران لقنبلة نووية.
لأول مرة منذ عقود تتفق النبرة الإيرانية مع الأميركيّة، فكانت الأجواء ايجابية وبناءة. ومن المتوقع أن تركز الجولة المقبلة على الملف النووي الإيراني وقضية العقوبات، وربما ستمتد لتشمل ملفات أخرى مثل الوضع في لبنان والتوتر في البحر الأحمر، وغير ذلك من ملفات نجد بها بصمات إيرانية واضحة تقلق الدول الغربية وإسرائيل على وجه التحديد!
طهران وواشنطن تريدان اتفاقاً على المدى القصير وليس محادثات مفتوحة المدة، وعرض أميركي يقضي بتخفيف العقوبات مقابل كبح جماح البرنامج النووي الإيراني.
أن تجتمع واشنطن وطهران في مكان واحد بهدف التوصل لصيغة توافقية حول قضايا خلافيّة وضعت البلدين على شفا الانفجار العسكري، وأن يلتقي الجانبان وجهاً لوجه ولو لفترة وجيزة، هذا بحد ذاته اختراق للأجواء العدائية التي استبقت هذا اللقاء.
الأهم النتائج المستقبلية التي ستبقي البوصلة الحقيقية تجاه الصراع بين الجانبين صعوداً أم هبوطاً!!
لعلها المرة الأولى التي تتفق فيها نبرة التصريحات الرسميّة الإيرانيّة.. تصريحات خَلت من مفردات معتادة بين الجانبين، طالما حملت معها التهديد والوعيد، وفي بعض الأحيان خروج عن النص، وربما عن الأعراف الدبلوماسيّة!!
الرئيس ترامب قال «إنها تمضي على نحو جيد»، واضاف «لا أفضل الحديث حول فحوى المفاوضات حتى يتم الانتهاء منها»، لكنّه اكّد «أنها تمضي على ما يرام مع ايران"!
وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث وصف المباحثات بالخطوة الايجابية باعتبارها مثمرة وجدّد بأن ترامب جاد للجوء نحو خيارات أخرى حال لم يتم التوصل لاتفاق مع إيران!
بالمقابل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال إن طهران وواشنطن تسعيان للتوصل إلى اتفاق في أقصر وقت ممكن، وأشار إلى رفض ايران لأي مسعى يفضي لاطالة أمد المحادثات.
وعلى الرغم من تأكيد الطرفين بأن المحادثات كانت إيجابيّة، إلا أنّ أياً من الجانبين لم يكشف عن تفاصيل ما دار ؛ لكنّ وسائل إعلام أميركية حاولت الكشف عن جانبٍ منها..
إيران سعت إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، وتخفيف سريع على العقوبات مقابل العودة إلى المستويات المسموح بها من التخصيب في العام ٢٠١٥.
الجولة الأولى لم تتناول ملف إيران الصاروخي أو الدعم الإيراني للفصائل المسلّحة في المنطقة.
شكل وصيغة المفاوضات يبدو بأنّها ستستمر بهذا الشكل غير المباشر، بوساطة مسقط، التي ستكون مسؤولة عن ترتيبات أماكن تواجد الوفود وكيفيّة تبادل الرسائل بينهما.
المباحثات الإيرانية الأميركيّة هي الأعلى دبلوماسياً منذ نحو ستة أعوام، والضغط بين واشنطن وطهران انخفض في مسقط، ووصفت المحادثات بالبناءة من كلا الطرفين، لكنّ يبقى السؤال: ماذا يريد كل طرف من الطرفين من اختبار النوايا؟!
قائمة المطالب الأميركيّة تتمثل برفع ايران يدها عن أذرعها في المنطقة من حزب الله، والفصائل العراقية إلى جماعة الحوثي.
الولايات المتحدّة الأميركيّة تصرّ على أنّ جميع تلك الأذرع يجب تفكيك بنيتها العسكريّة، وسحب سلاحها من تلك المناطق. لكنّ المطلب الأهم بالنسبة لواشنطن يتمثل في ألا يكون لإيران يد في امتلاك للسلاح النووي، وهو المسعى الأهم لأميركا. لكنّ ما تريده إيران يتمثل في مطالب اقتصادية تتمحور حول ثلاثة مطالب جميعها تتعلق بالعقوبات التي أنهكت الجانب الإيراني بداية من الأصول الإيرانية المجمدة في الخارج والتي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، ورفع القيود المفروضة على صادرات النفط الإيرانية مقابل العودة إلى مستويات التخصيب المسموح بها، وصولاً إلى التخفيف السريع للقيود المتعلقة بالبرنامج النووي الذي تصر طهران على أنّه سلمي.
منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي فإنّ إيران تراجعت عن التزاماتها تدريجياً، وتشير تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذريّة إلى أن إيران تمتلك ما يزيد على ٢٧٠ كغم من اليورانيوم المخصّب بنسبة ٦٠ بالمئة، ما يعني مع بلوغها عتبة التخصيب هذهِ، أنها تقترب من نسبة ٩٠ بالمئة لصنع سلاح نووي.