"سيرة حرف".. رحلة عبر تاريخ الخط العربي وجماليته
الغد-عزيزة علي
يقدم الفنان التشكيلي والخطاط محمد أبو عزيز في كتابه بعنوان "سيرة حرف - قراءة جمالية في ماهية الخط العربي"، دراسة تبين أن الخط العربي يعد من أعمق وأغنى أشكال التعبير البصري في تاريخ الإنسانية، حيث يمتزج الجمال الفني بالقيم الثقافية والحضارية العميقة. مؤكدا أهميته كأداة تعبير إنسانية تتجاوز حدود الزمان والمكان.
ويستعرض أبو عزيز في هذا الكتاب، تطور الخط العربي من جذر فني وجمالي عميق، موضحا كيف ارتبط الحرف العربي بالموروث الثقافي الإسلامي والعربي، وأثره الكبير في تشكيل الهوية الحضارية للأمة العربية والإسلامية. ومن خلال هذه الدراسة، يسلط المؤلف الضوء على المسيرة التاريخية للخط العربي منذ نشأته، مشيرا إلى دوره في تطور الفكر الإنساني والحضاري. كما يوضح كيف أن الحرف العربي لم يكن مجرد وسيلة للتواصل، بل أصبح رمزا للجمال والتعبير عن القيم الروحية والفكرية.
يعكس الكتاب رحلة الفنان عبر الزمن، مستعرضا مراحل تطور الحرف من النفعية إلى ضرورة التعبير الجمالي، مقدما للقراء والباحثين دراسة تحليلية تأخذهم في رحلة إلى أعماق تاريخ هذا الفن العريق.
ويشير أبو عزيز إلى أن كتاب "سيرة حرف"، الذي صدر عن وزارة الثقافة الأردنية، ليس فقط كتابا عن الخط العربي، بل هو دراسة جمالية وفكرية تتطرق إلى جوانب لم يتم تسليط الضوء عليها سابقا، وتفتح آفاقا جديدة لفهم هذا الفن الرفيع. فالكتاب، كما يراه مؤلفه، هو دعوة لإعادة النظر في القيمة الإنسانية والفنية للخط العربي، ويعتبر مرجعا مهما لكل المهتمين بالفن العربي والإسلامي.
وفي مقدمته للكتاب أوضح المؤلف، أن الحملات التي تتالت من أجل وأد ثقافتنا كما كان هناك العديد من المزاعم التي سعت إلى أن ترسي لاتينيتها. إلا أن اللغة العربية أكبر من أن تطالها أطماع "العنجهية" ومن يحاولون فرض أسماء مشوهة تعكر صفو الحوار. ولقد كان أول استعمال للكتابة في وقت رسخت فيه الأبجدية بين شعوب الشرق الأوسط والأدنى. ولا مجال للإنكار أن الكتابة العربية، تمثل ذروة الإرث الحضاري وهي فاتحة الأديان السماوية جميعها.
ويرى المؤلف، أنه إذا فهمنا بشكل أفضل كيف يمكننا أن نتعامل مع الجذر الحقيقي للخط العربي، من خلال فننا العربي الإسلامي، بقراءة موضوعية – لا عاطفية – ومن دون انحياز، فإنه في هذا المبحث المتواضع "سيرة حرف"، يجب أن نخرج باستنتاجات وحقائق علمية وعملية، أهمها: "إن الأرض العربية تمتلك قابلية للتفتح والازدهار أكثر من غيرها من بقاع العالم، وأن الخط العربي هو البنية التحتية والركيزة الأساسية لموروثنا وحضارتنا العربية الإسلامية. كما أن الواقع الإنساني يتجلى في اللغة ومخارج الحروف التي تنشطها ذاكرة اليد، فقيل: "الخط لسان اليد المعبر عن الخواطر، ورسول الفكر الناقل لمآثر الأوائل".
ومن هنا يتدرج هذا الكتاب "سيرة حرف"، بحسب أبو عزيز، ضمن استمرارية المعرفة في القراءات التي تفتح أمامنا مواد يستخدمها الطلبة والباحثون والمختصون الذين يعشقون التنقيب في المصادر، مما يضيف جهدا عقليا واستنتاجا خالص النقاء. وكل هذا يعد إضافة نوعية في خدمة البشرية جمعاء. مبينا أنه يكرس في هذه الخلاصة بقراءة مغايرة عما كتب في السنوات الأخيرة... فلا شك أن الخط العربي، بعد تاريخ الأمة، يشكل الهوية الحضارية للأمة العربية والإسلامية، وهو ركيزة من ركائز الموروث الحضاري لأمتنا، وهو المنتج الذي يمتد لأكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمن... لقد أصبح جزءا منا، تشربنا فيه حتى أصبح كالماء الذي يغذينا.
وقد كتب عميد كلية الفنون الجميلة سابقا في جامعة بغداد، الدكتور مرسل الزبيدي، مقدمة للكتاب يشير فيها إلى أنه على امتداد جسد الإنسانية، ومنذ النشأة الأولى وحتى الزمن الحاضر، لم ينقطع الجذر الأول في زق ورف شجرة الكون بسر ديمومة علاقة الإنسان بما يحيط به. ويؤكد أن البحث الجاد في اكتشاف الذات وتعاطيها المبني على القيم الفكرية والعاطفية والجمالية، هو ما دفع الإنسان إلى تمتمة الصوت والإشارة، ثم الانتقال إلى اختراع الكلمة رمزا عن أشياء في فضاء الكون الواسع.
ويضيف الزبيدي أنه مع انتقال الإنسان من مرحلة التعبير الرمزي في التدوين الصوري، الذي تزامن مع رحلته من البدائية إلى الحضارة، وإذ ارتبط التدوين للحرف من مرحلة النفعية إلى الضرورة، متبنيا القيم الجمالية ومطورا ذائقته في التكوين الإنشائي للكلمة. وبدأت علامات التطور تظهر في أسلوبية رسم الحرف، وانحناء الخطوط التي تشكل الكلمة.
ويرى الزبيدي أن رسم الحرف أصبح يشكل قواعد ومدارس ارتبطت بشكل أو بآخر بالمكان والزمان، وبمفاهيم المعرفة الحضارية لكل شعب من الشعوب. وقد أدى ذلك إلى ظهور وجه من أوجه التفرد. ولكن الحرف العربي يبقى فريدًا بابتكاره، وترتيبه القاعدي، وصياغته الفنية، وصياغته الشكلانية. فكل نموذج من نماذج الخط العربي أصبح أسلوبا تشكيلا ابتكاريا.
ويقول الزبيدي: "إن كتاب "سيرة حرف" للفنان محمد أبو عزيز هو قراءة تسبر غور التاريخ لمسيرة تدوين الحرف على تنوع أشكاله وحالاته. فهو تارة يرتبط بالمكانية، وتارة أخرى يلوي رقبة الزمن ويطوعها لتطور الذائقة الجمالية التي تكتحل بها عين الأجيال. فالمؤلف، في رحلته عبر التاريخ، يزود القارئ بالوثيقة المجردة، ثم يحلل ما تحتويه من معرفة ويكسوها برونق الإضافة الحضارية".
وخلص الزبيدي إلى أن أبو عزيز قدم إنجازات بحثية في هذا الكتاب تغني الدارسين والباحثين والنقاد في تطوير الحرف العربي الجليل وأخلاق المعرفة العلمية، في فضائل المجتهدين في مجالاته وقضاياه الجمالية... طوبى لمن اجتهد وأجر، وطوبى للمحاولات الجادة في مجال المعرفة الإنسانية.