عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jun-2020

أمين شنار.. المتصوِّف والأديب الصحفي

 

المناصرةوالريماوي يتذكران:

الراي - أبواب - وليد سليمان «أمين شنار صالح عطااالله» شاعر وأديب وصحفي ومفكر متصوف, من مواليد البيرة عام1933 ,توفي في عمان عام 2005.
نشر «أمين شنار» أول قصيدة له وهو في السادسة عشرة من عمره في جريدة «الصريح»
التي كانت تصدر من القدس عام 1949 ..وأصدر ديوان شعر (المشعل الخالد) عام 1957، وأذيعت كل قصائده عبر إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية، وعمل مديراً للتحرير في المجلة الأدبية الأردنية (الأفق الجديد) منذ تأسيسها عام 1961.
سبول وشنار
وكتب شنار أولى رواياته «الكابوس» التي فازت بجائزة صحيفة النهار اللبنانية مناصفة مع تيسير سبول على روايته «أنت منذ اليوم» في العام 1968.
و كان يكتب زاوية يومية ثابتة في صحيفة (الدستور) تحت اسم جهينة بعنوان (لحـظات) لمدة تزيد على 30 عاماً, وزاوية أسبوعية تحت عنوان (مع الحياة والناس).
وعمل مديراً لبرامج التلفزيون الأردني حتى عام 1971 ..وقدم للتلفزيون أول مسلسل أردني هادف اسمه (فندق باب العمود), ومسلسل (همس القناديل) و(البحث عن مفقود) وبرنامجاً علمياً دينياً بعنوان (سبحان االله).
وقام بكتابة عدة برامج إذاعية هادفة، من أشهرها برنامج (لمحــات) و (حبات قلب), وكتــب عدة مسرحــيات أشهرهــا: (قرية الشيخ حماد) و(ظلام في عين الشمس) و(الليلة يطلع القمر) و(السد).
وعمــل مدرســاً في (مدارس الأقصى) الثانوية في عمان, حتى تقاعد في أواخر التسعينيات.
من ذكريات الريماوي
ولإلقاء الضوء أكثر على هذه الشخصية الإبداعية المتميزة «أمين شنار» نستذكر هنا ما تحدث به القاص والروائي والصحفي محمود الريماوي ذات مرة حيث قال:
في العام 1961 صدرت في القدس مجلة (الأفق الجديد) نصف شهرية، لم تلبث ان تحولت الى شهرية.. وقد ترأس تحريرها شاعر شاب لم يكمل الثلاثين من عمره آنذاك هو أمين شنار.
ودارسو الحياة الأدبية في الاردن وفلسطين؛ يعتبرون ان هذه المجلة هي أول دورية أدبية أردنية أسهمت بصورة دينامية خلاقة, ولا سابق لها في نشر وتقويم الإبداع الأدبي الجديد..
في وقت لم تكن فيه الصحف المحلية الأردنية تخصص صفحات للثقافة.
وأمين شنار هو الذي أسهم بإرساء هذا التقليد عبر صحيفة (المنار) الأردنية اليومية.
مبدع الصفحات الثقافية
أما مجلة الأفق الجديد والتي كانت تصدر عن دار (المنار للصحافة) ورئس تحريرها شنار فقد أبرزت مواهب الأدباء - من الضفتين - الذين بدأوا ينشرون فيها إبداعاتهم من شعر وقصة ونقد وغير ذلك.. حتى أنهم فيما بعد من سنين لم يلبثوا ان تحولوا الى محررين للصفحات الثقافية الأردنية.
وقد استدل مبدعون كُثر طريقهم الى نشر إبداعاتهم للمرة الأولى عبر صفحات هذه المجلة «الأفق الجديد»، ومنهم الشعراء:
محمد القيسي وعبدالرحيم عمر وفايز صياغ وعز الدين المناصرة ووليد سيف, وغيرهم. والقاصون: فخري قعوار وماجد أبو شرار وصبحي شحروري, وغيرهم.
بل إن المجلة اجتذبت إليها أقلام مبدعين من خارج الأردن كلبنان ومصر: غادة السمان، صلاح عبدالصبور، احمد عبدالمعطي حجازي، مجاهد عبدالمنعم مجاهد.
ولم تكن المجلة آنذاك تدفع أية مكافآت مالية، إذ كان النشر بحد ذاته مكافأة معنوية لا تقدر بثمن.. كما كان عليه حال المجلات الأدبية الأخرى.
حيث كان أمين شنار والصياغ والقيسي والمناصرة ينشرون في الآن نفسه في مجلات أدبية فكرية لبنانية مشهورة مثل: مجلة (الآداب) ومجلة (شعر).
وقد واكبت مجلة الأفق الجديد موجة الحداثة في الشعر والقصة من خلال الأردن والعالم العربي لخمس سنوات وبِ (66 (عدداً.. حيث توقفت في العام 1966 لأسباب مالية كالعادة، ولسبب آخر وهو دمج الصحف بقرار حكومي، ومنها صحيفة المنار التي كانت تصدر عنها هذه المجلة.
إسلامي وحداثي
وقد تميز رئيس تحرير الأفق الجديد أمين شنار بخاصية فريدة: هي أنه إسلامي النزعة والتوجه والقناعة، على أنه كذلك كان شديد الحماسة لموجة الحداثة وشريكاً فاعلاً فيها.
وقد اتسم شعر شنار نفسه بنبرة غنائية عذبة صافية، إلا أنه كان يحفل بنزعة تأملية عميقة ذات نفس وجودي، حتى قيل انه وجودي مؤمن.
وأبعد من ذلك، فقد سمح تحرره الفكري بأن تزخر مجلته بكتابات يساريين ووجوديين، وكان ينشر (لغيره) قصيدة عمودية واحدة كل عددين، الى جانب عشر قصائد على الأقل من شعر التفعيلة.
وبعد هزيمة العام 1967 ،وأثر نزوحه من البيرة حيث كان نائباً لرئيس بلديتها، ومدرساً ثانوياً للغة العربية في الكلية الابراهيمية في القدس، بعد هذا التاريخ وأثناء إقامته المديدة في عمان، بدأت تنمو لديه نزعات صوفية.. ظهر ذلك عبر كتاباته الصحفية باسمه وبأسماء مستعارة.
ولم يكن أمين شنار زاهداً، بل كان هو الزهد نفسه!! فمنذ نحو عقد من الزمن قبل وفاته أغلق شنار باب بيته ولم يفتحه إلا لقلة من أقرانه المتصوفين المعتزلين بينهم الفنان الممثل عمر قفاف.
من ذكريات المناصرة
ومما رواه الشاعر د. محمد عز الدين المناصرة عن أمين شنار ومجلة الأفق الجديد ما يلي:
حصلت على شهادة الثانوية العامة في صيف 1964 في مدرسة الحسين بن علي بالخليل..
وقبلها كنت أقرأ (الأفق الجديد) في مكتبة المدرسة، فأرسلت لهل قصة قصيرة بعنوان: (عطية جورة)، استخدمت فيها (الهوامش) مكملة لمتن القصة.
وفوجئت بنشرها في (الأفق الجديد). وكنت حريصاً في رسالتي لأمين شنار أن لا يفهم منها أنني ما زلتُ طالباً في المدرسة الثانوية!!.
ولاحقاً اعترف لي أمين شنار، بمسألة فنيّة، وهي أنني، (أول قاصّ عربي يستخدم الهوامش كمُكمل للمتن القصصي) ففرحتُ لهذا الإطراء، ومع هذا فأنا لم أكتب في حياتي الأدبية سوى هذه القصة اليتيمة حتى الآن.
روح الحداثة والديمقراطية
ويستمر عز الدين المناصرة بسرد ذكرياته عن أمين شنار بقوله: ظهرت مجلة الأفق الجديد المقدسية عام 1961 ،حاملة شعار (الحداثة والديمقراطية والوطنية)، ورغم أنها كانت (المجلة الأولى) في فلسطين والأردن، أي أنها كانت مؤثرة ومنتشرة, حيث كانت توزّع شهرياً ألفي نسخة، وذلك أكثر من مجلة (الآداب) البيروتية.
وكانت مجلة (الأفق الجديد) مفتوحة أمام الشعراء العرب من كل الأقطار العربية، خصوصاً:
(فلسطين، الأردن، سوريا، العراق، لبنان، مصر). وكانت منفتحةً على أشكال الشعر كلّها، فقد نشر كثيرون قصائدهم فيها، ومنهم: (علي الجندي، فايز خضُّور، بدوي الجبل، نذير العظمة من سوريا، ومحمود حسن إسماعيل، وأحمد عبد المعطي حجازي، وصلاح عبد الصبور، وملك عبد العزيز، وكامل أيوب، ومحمد إبراهيم أبو سنّة، ومجاهد عبد المنعم مجاهد وغيرهم من مصر، ومحمد الفيتوري من السودان) وغيرهم من العراق.
ونشرت الأفق الجديد مقالين للشاعر والمفكر أدونيس، كما نشرت حوارات كثيرة، أذكر منها: حوارات مع عباس محمود العقاد، وفدوى طوقان، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد الفيتوري، وعبد الوهاب البيّاتي، وأحمد رامي، ويوسف الخال، وغادة السمّان، ومعين بسيسو.
كما أنها كانت أوّل مجلة عربية، تنشر قصائد لشعراء شباب من (فلسطينيي ال48 (لأول مرّة: محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زيّاد، وغيرهم، قبل أن ينشر غسّان كنفاني مختاراته من شعرهم في كتاب.
كما نشرت الأفق الجديد، قصائد مترجمة لشعراء أجانب، مثل: (وردزورث، إليوت، توماس مور، رامبو، توماس غريه، وليم بليك، بابلونيرودا، روبرت فروست، جاك بريفين، لوركا).
وكانت أول من نشر ترجمة لقصيدة إليوت الشهيرة (الأرض الخراب) بترجمة: طلال حجازي من الأردن.
وكان يدير (مجلة الأفق الجديد)، ثلاثة: محمود الشريف، جمعة حمّاد، وأمين شنّار، لكن شنار كان هو رئيس التحرير الفعلي والرسمي.
أوّل كاتب سيناريو في الأردن
كما أنّ أمين شنّارهو أوّل كاتب سيناريوهات تلفزيونية في الأردن، وقد تحولت إلى مسلسلات ناجحة.. وهو كاتب مقالات صحافية في جريدة الدستور.
وإذا ما قسنا قصائده الحرّة على زمانه، أي النصف الأول من الستينيات، فهي قصائد متقدمة من زاوية الحداثة. وأفضل ما نكرّم به، هذا المثقف الرائد، والديمقراطي، الذي له فضلٌ كبير على (بدايات) معظم الأدباء الحاليين في الأردن وفلسطين هو جمع وطبع أعماله الكاملة من (الشعر، الرواية، السيناريوهات، المقالة الصحافية).
سلَّة العنب الخليلي
ويتذكر المناصرة أيضاً أنه بعد صيف العام الذي أنهى الثانوية العامة به 1964 قالت له أمه:
ستسافر غداً إلى بلدة (دير دبوان) برام االله، لأن والدك، منشغل في قطاف العنب في الكرم الغربي, وقلبي منشغلٌ على شقيقك في دير دبوان.
ويسافر المناصرة بعد ان حمل سلة من العنب الخليلي من بلدة بني نعيم كهدية لشقيقه.. ليصل الى الخليل ثم الى القدس.
وبعد ان وصل الى باب العامود تذكر فجأة» أمين شنّار» ومجلة الأفق الجديد.. وبعد ان استدل على مكان المجلة يقول المناصرة:
«قررت أن أزور رئيس التحرير، ومعي سلّة العنب رفيقة الرحلة, طرقت الباب المفتوح وألقيت السلام, وضعت سلّة العنب جانباً, تقدمت نحو رئيس التحرير، فرأيته يبتسم، عرّفته بنفسي، فخرج من وراء مكتبه، وصافحني بحرارة، وقال لي:
كنت أعتقد أنك أكبر سنّاً!! قصّتك جميلة, وقصيدتك وصلت وسوف تنشر.
وفي الحوار معه كان شنار رجلاً سمحاً ودوداً، وكنت أتصوره متجهماً، مما شجعني على مواصلة الأسئلة. واستغرق الحوار ساعة كاملة. تركته وانثنيت باتجاه سلّة العنب، وضعتها أمامه على المكتب، ودعوته لأخذ ما يشاء منها. تناول قطفاً واحداً، أكل خصلة عنب واحدة منه، وتركه فوق كتاب, وامتدح العنب الخليلي وخصائصه.
وفجأةً، سألني شنار: في أي جامعة ستدرس. قلت له: سأُسافر إلى القاهرة للدراسة في جامعتها في تشرين الأول. قال لي، بعد أن صمت برهة: حسناً، هذا أمر جميل، فالقاهرة، هي مركز الثقافة العربية. لماذا لا تكون (مراسلاً صحافياً للأفق الجديد) في مصر!!.ىوبعد أن أجابني على أسئلة وافقت. تصافحنا من جديد، وودعته».
ويكمل المناصرة ذكرياته بقوله:
لقد أصبحت في القاهرة (مراسلاً للأفق الجديد)، منذ أكتوبر 1964 ،وحتى إغلاق المجلة في النصف الثاني من عام 1966 ,فمعظم المواد المنشورة في الأفق الجديد، القادمة من مصر، كنت أنا من أرسلها، وكانت تُنشر باسم: (محمد المناصرة، أو محمد عز الدين المناصرة، أو عزالدين المناصرة, أو مراسل الأفق الجديد في القاهرة، أو مكتب الأفق الجديد - القاهرة).
ويذكر المناصرة بقوله: وأنا أدرس في القاهرة كنت ألتقي نجيب محفوظ، يومياً، وكان نجيب محفوظ من قرّاء الأفق الجديد الدائمين، حيث كنت أهديه نسخة منها.
هذا ولم يكن أمين شنّار يسأل عن الميول العقائدية والسياسية للكاتب حين يفكر في نشر مقال أو قصيدة أو قصة، وحين طرحت معه الموضوع ذات مرّة، قال لي: (لا يهمني ذلك المُهمّ مستوى الإبداع، والتعددية في الأفكار) فقد نشر في مجلته الأفق الجديد لشيوعيين ويساريين، وقوميين، وليبراليين، ومستقلين، وإسلاميين، بنفس الدرجة من الاهتمام.
ويبدو أن هذه الديمقراطية الأدبية النوعية، وهذا التسامح الشخصي والفكري في شخصية أمين شنّار، هو ما جعله محبوباً لدى معظم أدباء الأردن وفلسطين آنذاك.