عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Aug-2025

«مستنقع التفتيت الكبير.. !»*محمد رفيع

 الدستور

بكل بشاعة الفكرة المنشئة لدولة لليهود في فلسطين، التي هي في جوهرها استيطان أوروبي عرقي، لأفراد وجماعات، يدينون باليهودية، في بقعة من المشرق العربي، هي قلب الأرض المقدسة، إلا أنّ الغرق في تفاصيل صناعة تلك الدولة يُعمي، ولا يُري فشل الفكرة أو نجاحها. ولعلّ ما يجري اليوم في الدولة العبرية، من الدفع باتجاه يهودية الدولة، يشكل استكمالا لما تساقط من عناصر الفكرة الأساسية، في حينه، والتي هي في جوهرها استمرار الوجود الاستعماري الغربي في المشرق إلى الأبد. ولكن.. كيف؟
إن أكبر تجلٍّ، لفكرة استمرار الاستعمار بآليات داخلية، تمثّل في التقسيم الكبير، الذي رعته وأقامته بريطانيا، بين الهند وباكستان. حيث كان الهدف المعلن آنذاك هو الوصول إلى الحرية السياسية والعقائدية للجميع، وذلك من خلال تحرّر الهند من السيطرة الاستعمارية البريطانية نهائياً، وقيام باكستان كدولة للمسلمين..!
أما ما حدث، على أرض الواقع، فهو أنّ التقسيم الكبير أحدث شروخا عميقة، لا تزال مستمرة إلى اليوم، بين السكان المعنيين على الجانبين، الهندي والباكستاني، بما فيها الحروب الهندية الباكستانية، خلال العقود الماضية، وانفصال بنغلاديش عن باكستان. وهو ما يعني فشل وخطأ الفكرة القائلة: إن عدم قدرة الطوائف المختلفة على التعايش، ضمن نفس المجتمع، يمكنها أن تحقّق ذلك التعايش المأمول، من خلال إقامة دولتين متجاورتين. وهو ما أكدّته الباحثة ياسمين خان، في كتابها الأول والجديد «التقسيم الكبير»، بين الهند وباكستان، والحاصل على الجائزة الملكية لجمعية المؤرخين البريطانيين. وقد اعتبره كثيرون من افضل الأعمال، حول سياسة التقسيم، التي انتهجتها الامبراطورية البريطانية، لمستعمراتها في شبه القارّة الهندية، او ما يسمى اليوم بـالشرق الأوسط الكبير.
واللافت هنا أن تطبيقات فكرة التقسيم، لإنشاء دول وأوطان، على أساس ديني ومذهبي وعرقي، تمّت تقريبا في نفس الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية (1946-1954)، وبرعاية وحماية بريطانية فرنسية، كان للأولى منهما الدور الأكبر والأهم، وذلك عبر سحب القوات البريطانية على عجل، بعد زرع بذور الشقاق والفوضى، ورعاية قوة وليدة جديدة، وحدها تستطيع إقامة حكومة وتحمل المسؤولية.
بين جغرافيا الفكرة البريطانية، وبؤرتيها الأساسيتين، في فلسطين وباكستان، يجري اليوم إعادة إنتاجها وترميمها، واستدراك ما فشل من عناصرها، كما يعتقدون. وهي جغرافيا اختار لها ورثة الغزاة الجدد اسم الشرق الأوسط الكبير.
في تلك الجغرافيا الممتدّة، لم نستطع إنتاج أفكار ورؤى قادرة على تجاوز فكرة التقسيم والانفصال الاستعمارية، في فترة ما بعد الاستعمار المباشر. وكل ما حدث هو مزيد من الغرق، في تفاصيل مستنقع التفتيت اللامتناهي، وفي طينه المعيق للحركة الإنسانية المنتجة..!
وها نحن اليوم نواجه ما فشلنا في مواجهته بالأمس، في طول بلادنا وعرضها، وعلى نحو كارثي ودامٍ..!