عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Feb-2019

فاقدو الأطراف.. أطفال ”ینعزلون“ عن مجتمع یلاحقهم بنظرات الخوف
مجد جابر
عمان-الغد-  بنظرات لا تخلو من الحسرة والألم؛ یجلس أحمد (11 عاما) بإحدى الزوایا بساحة المدرسة، یراقب أصدقاءه وھم یلعبون كرة القدم، یركضون ویلھون والضحكة تملأ وجوھھم.
یقبض على وجعھ قلیلا، متجاوزا كل شيء، مصرا أن یشاركھم ذلك الفرح الطفولي، فأكثر ما یستطیع فعلھ التفاعل معھم وتشجیعھم من بعید، والسبب ھو الحادث الذي تعرض لھ قبل 4 سنوات والذي تسبب ببتر ساقھ، ولم یعد یقوى على ممارسة اللعب ومشاركة أصدقائھ النشاطات المشتركة.
لم یفقد أحمد الأمل، وفي إحدى المرات حاول أن یشاركھم اللعب، خصوصا أن تركیبھ لطرف صناعي یساعده لبعض الوقت على الوقوف باتزان، لكن الطلاب ”یتثاقلون“ من وجوده، ویتھامسون علیھ، بأنھ سیعیق علیھم اللعبة ویفقدھا متعتھا، بسبب حركتھ البطیئة، وعدم قدرتھ على التحرك بسھولة.
كل ذلك وأكثر جعلھ ینسحب من أي نشاط مشترك مع أقرانھ، ویختار العزلة والانطواء، والاكتفاء بالمراقبة من بعید فقط.
أیام صعبة اختبرتھا والدة إحدى الطالبات وھي تحاول مع ابنتھا التي تعاني من بتر في الید، أن تتقبل وضعھا وتحاول أن تمارس حیاتھا بشكل طبیعي وتعود للمدرسة. وبعد معاناة تمكنت من إقناعھا، لكنھا اصطدمت بواقع قاس خلق لدیھا ألما نفسیا مضاعفا.
ّ رغم ذلك، حاولت الاندماج بین زمیلاتھا بالفصل، لكنھن تعمدن تجنبھا وتجاھلھا بطریقة ملحوظة وكأنھا تعاني من مرض معد، عدا عن أن ھناك طالبات یخفن الاقتراب منھا ویبتعدن بطریقة مھینة جداً، لدرجة أنھ في إحدى المرات جاءت واحدة من أولیاء الأمور واعترضت على وجودھا بینھن كون ذلك الأمر ”یرعب“ باقي الفتیات.
بعد ھذه الحادثة ندمت الأم ندما شدیدا على أنھا جعلت ابنتھا تعود للمدرسة واعتبرت أنھا السبب
في تعریضھا لأذى نفسي كبیر سیؤثر علیھا مدى الحیاة ولن تنساه للأبد، والسبب ھو الجھل الذي یعاني منھ أفرد المجتمع اتجاه ھذه الحالات.
ولعل ثقافة التقبل والاعتراف بالشخص وحقوقھ ما یزال غائبا عن بعض العائلات، ما یجعل الأطفال من فاقدي الأطراف، یعانون التنمر من المحیط، ونظرات الخوف من زملائھم بالمدرسة وعدم الاقتراب منھم، سبب كل ذلك قلة الوعي لدى الأھل والطلاب الذي یجعل مثل تلك السلوكیات تظھر.
ذلك الأمر، وبحسب اختصاصیین یورث لدى تلك الفئة أذى وألما نفسیا كبیرین، والشعور بصعوبة الاندماج بالمجتمع، ما یولد لدیھم عزلة اجتماعیة.
ویذھب الأمین العام للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة مھند العزة إلى أن أساس ما
یحدث ھو غیاب ثقافة التنوع وقبول الآخر، لافتا إلى أن موضوع الإعاقة محكوم ضمن قوالب نمطیة محددة، بسبب نظرة المجتمع التي تراكمت ووضعت ذوي الاعاقة وصورتھم بأشكال منفرة مثل الشخص المسكین أو المخیف. والأسوأ- وفق العزة- الثقافة المجتمعیة التي كانت متبعة من بعض الأھالي حینما یقررون تخویف أولادھم، ”رح نجبلك أبو رجل مقطوعة إذا ظلیت ھیك“.
ویشیر العزة إلى أن كل ھذه التراكمات ولّدت لدى الناس أفكارا نمطیة، لافتاً الى أن المحزن ھو
أن تكون ھذه الأفكار عند أھل الطفل ولیس لدى الطفل نفسھ، مبیناً أن الصغیر من السھل تغییر معتقداتھ، غیر أن الآباء ھم من یتبنون مثل ھذه الأفكار، فھناك أھال ضد فكرة دمج الابن مع ذوي الإعاقة أو یرفضون أن یقترب منھم.
ویؤكد العزة على أھمیة تثقیف الأھل، وتغییر نمط التعاطي الإعلامي لقضایا الإعاقة، مثل الدراما، برامج الأطفال، برامج الرسوم المتحركة، مراجعة المناھج الدراسیة كیف تقدم الأشخاص ذوي الإعاقة، ومحاولة تقدیمھم بصورة نماذج ناجحة أو على الأقل محایدة.
ویضیف أنھ في الدول الأخرى تم تجاوز ھذه المرحلة ولم یعد ھناك شيء مستغرب أو مستھجن وبات الاختلاف أمرا طبیعیا ومتقبلا ولا ینظر لھ على أنھ شيء غریب أو مخیف.
وبحسب وزارة التربیة والتعلیم فإن 5 %ھي نسبة الطلاب ذوي الاعاقة في التعلیم الأردني، و23000 طالب ذوي إعاقة في المدارس الحكومیة، و300 طالب من ذوي الاعاقة تم استقبالھم خلال الفصل الدراسي الاول عام 2018.
ویأسف الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسین الخزاعي من بعض السلوكیات السلبیة التي تصدر من بعض الأطفال في المدارس، مثل عدم اللعب مع فاقدي الأطراف ورفض تقبلھم أو الجلوس معھم.
وسبب ذلك، وفق الخزاعي، ھو غیاب التوعیة بأوضاع ذوي الإعاقة، وتقصیر المدرسة او حتى الأھل وكذلك وسائل الاعلام، إذ لا بد أن تتم التوعیة قبل دخول الطلاب للمدرسة وتقبل الاختلاف بشتى أشكالھ. ویشدد الخزاعي على أھمیة عدم التعامل مع ھذه الفئة بشفقة على الإطلاق، إنما معاملتھم كالغیر.
وفي ذلك تذھب الاخصائیة النفسیة سیلینا أبو الراغب الى أن الطفل یستصعب للأسف أن یلعب
مع آخر یعاني من بتر في قدمھ مثلا، كونھ یعتبر أن ذلك الأمر سیعیق اللعبة، فیبتعد عنھ ولا یشاركھ، ما یجعل المصاب ینسحب اجتماعیاً ولا یندمج ولا یشارك مع باقي زملائھ في أي نشاط، ویعتبر أن جسمھ لا یساعده.
والسبب الرئیسي بما یحدث، ھو البیئة والأسرة مع غیاب الوعي الكافي لدى الأھالي بتعلیم صغارھم كیفیة التعامل إن صادفوا شخصا لدیھ بتر بأي طرف أو طرف صناعي، والأسس الصحیحة بالتعامل من دون إبداء أي غرابة أو خوف، وفق أبو الراغب.
وتشدد أبو الراغب على خطورة ”الرفض“ على شخصیة الطفل، وكیف یصبح منبوذا اجتماعیاً فقط لأنھ یعاني من بتر، مبینةً أن ذلك یخلق لدیھ آلاما نفسیة كبیرة وعزلة اجتماعیة.
إلى ذلك، على المدرسة أن تجمع بین الأشخاص من ذوي الإعاقة وبقیة الطلبة وأن تؤسس لأجواء اللعب والنشاطات المشتركة بینھم، مع تفعیل دور المرشدة الاجتماعیة بعمل محاضرات توعویة لتقبل كل الفئات ولا یشعر أحد بتدني الذات