الأوضاع في الضفة الغربية.. كيف تنعكس على الأردن؟*حسن الدعجة
الغد
يشكّل حق العودة جوهر القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948، بوصفه حقاً فردياً وجماعياً غير قابل للتصرف، يرتبط بالهوية والملكية والعدالة التاريخية، وليس مجرد مطلب سياسي ظرفي. ويتجسد هذا الحق اليوم في واقع ملايين اللاجئين الفلسطينيين، وفي أوضاع المخيمات، ودور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وما تتعرض له مخيمات الضفة الغربية من هدم للمنازل وعمليات عسكرية وتهجير قسري، وهي تطورات ذات انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الأمن الوطني الأردني.
يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا نحو 5.9 مليون لاجئ موزعين على مناطق عملياتها الخمس. ويقيم في الأردن أكثر من 2.39 مليون لاجئ فلسطيني مسجل، ما يجعل الأردن الدولة الأكبر استضافة للاجئين الفلسطينيين. هذا الرقم يعكس حجم الارتباط العضوي بين القضية الفلسطينية والاستقرار الأردني، إذ إن أي تطور سلبي في أوضاع اللاجئين أو أي موجة تهجير جديدة لا تبقى محصورة داخل الأراضي الفلسطينية، بل تمتد آثارها الإنسانية والاقتصادية والأمنية إلى الأردن.
تلعب الأونروا دوراً محورياً في توفير التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية لملايين اللاجئين، وتشكل شبكة أمان أساسية في المخيمات. غير أن الضغوط المتزايدة التي تواجهها الوكالة، سواء المالية أو السياسية أو الميدانية، تتزامن مع تدهور غير مسبوق في الأوضاع الإنسانية داخل مخيمات الضفة الغربية، ما يضاعف من هشاشة الواقع الاجتماعي والاقتصادي، ويزيد من احتمالات الانفجار والعنف وعدم الاستقرار.
خلال عام 2025، تصاعدت العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل مخيمات شمال الضفة الغربية، خصوصاً في جنين وطولكرم ونور شمس، وترافقت مع تدمير واسع للبنية التحتية من شوارع وشبكات مياه وكهرباء، إضافة إلى هدم وتضرر المنازل. وقد جرى توثيق تدمير 1,640 مبنى ما بين مدمر كلياً أو متضرر بشدة أو بشكل متوسط في هذه المخيمات، وهو رقم يعكس حجم التدمير الذي طال مناطق مكتظة بالسكان تعاني أصلاً من الفقر وارتفاع معدلات البطالة.
ونتيجة لهذه العمليات، تم تهجير ما لا يقل عن 33,919 لاجئاً فلسطينياً من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس ومحيطها منذ مطلع عام 2025، في واحدة من أكبر موجات النزوح الداخلي في الضفة الغربية منذ سنوات. وبالتوازي مع ذلك، استمرت سياسة هدم المنازل والمنشآت الفلسطينية بحجة عدم الترخيص، لا سيما في المنطقة المصنفة (ج) والقدس الشرقية، حيث تم تهجير أكثر من 1,500 فلسطيني خلال عام 2025 نتيجة عمليات الهدم، ما يعمّق واقع التهجير القسري ويقوّض الاستقرار المجتمعي.
على الصعيد الإنساني والأمني، تشير المعطيات إلى تصاعد كبير في أعداد الشهداء والجرحى. ففي الفترة الممتدة من 7 تشرين الأول 2023 وحتى 10 حزيران 2024، قُتل 110 شهداء فلسطينيين في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، من بينهم 126 طفلاً، وأُصيب أكثر من 5,200 فلسطيني، بينهم نحو 800 طفل. ويلاحظ أن نسبة كبيرة من هذه الإصابات والوفيات وقعت خلال عمليات عسكرية داخل المخيمات أو في محيطها. وخلال عام 2025 وحده، تجاوز عدد الجرحى في الضفة الغربية 3,200 مصاب حتى منتصف تشرين الأول، ما يعكس استمرار وتيرة العنف واتساع نطاقه.
أما ملف الاعتقالات، فيشكّل أحد أبرز مظاهر الضغط على المجتمع الفلسطيني، إذ بلغ عدد الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية حتى تشرين الثاني 2025 نحو 9,183 أسيراً، بين محكومين وموقوفين ومعتقلين إداريين. ومنذ 7 تشرين الأول 2023 وحتى أيار 2025، جرى اعتقال أكثر من 17,000 فلسطيني في الضفة الغربية بما فيها القدس، وهو رقم غير مسبوق يترك آثاراً اجتماعية ونفسية عميقة على العائلات والمجتمع، ويزيد من حالة الاحتقان وعدم الاستقرار.
تنعكس هذه التطورات مجتمعة بشكل مباشر وعميق على الأمن الوطني الأردني، بحكم الجوار الجغرافي، والتداخل الديمغرافي، والارتباط السياسي والإنساني بين الأردن والضفة الغربية. فاستمرار هدم المخيمات وتدمير أحيائها وتهجير عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين يثير مخاوف حقيقية من سيناريوهات تهجير قسري أوسع أو نزوح تدريجي باتجاه الشرق، الأمر الذي قد يفرض أعباء إضافية على الأردن من حيث الموارد المحدودة، والبنية التحتية، والخدمات الأساسية، في ظل استضافته أصلاً لأكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين. كما أن تدهور الأوضاع الإنسانية، وارتفاع أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين، يعمّق مشاعر الغضب واليأس والإحباط في المجتمع الفلسطيني، وهي مشاعر لا تبقى محصورة جغرافياً، بل قد تنعكس على الاستقرار الإقليمي وتوفر بيئة خصبة للتطرف والعنف. ويزداد هذا التحدي مع أي تراجع في خدمات الأونروا أو إضعاف دورها، لما لذلك من تأثير مباشر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. إن هشاشة الوضع في الضفة الغربية، وضعف قدرة المؤسسات الفلسطينية على الضبط، يرفعان من احتمالات الفوضى بالقرب من المجال الحيوي الأردني، ما يجعل التعامل مع هذه التطورات ضرورة أمنية وطنية وليست مجرد موقف سياسي أو إنساني.
إلى جانب ذلك، فإن أي إضعاف لدور الأونروا أو تراجع في قدرتها على تقديم الخدمات يهدد بتفكك منظومات الحماية الاجتماعية داخل المخيمات، وهو ما يحمل انعكاسات مباشرة على الأردن بحكم عمق الروابط الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية. وعليه، فإن ما يجري في مخيمات الضفة الغربية لا يمكن فصله عن مفهوم الأمن القومي الأردني، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحماية حق العودة، ورفض سياسات التهجير، ودعم صمود اللاجئين، ومنع تحويل المأساة الفلسطينية المتواصلة إلى أزمة إقليمية جديدة.