"انكسارات على حبات المسبحة".. الأنثوية في سرد أبو إسماعيل
الغد-عزيزة علي
وقعت القاصة ناريمان أبو إسماعيل مجموعتها القصصية "انكسارات على حبات المسبحة"، وذلك في مقر المكتبة الوطنية، أول من أمس. وتعكس أبو إسماعيل بوحًا أنثويًا مليئًا بالعواطف والانكسارات، حيث تنسج كلماتها بين الخيال والواقع، بين الرمزية والتعبير المباشر عن قضايا اجتماعية، ثقافية وسياسية.
ورأى متحدثون في حفل التوقيع الذي أقيم برعاية مدير عام المكتبة الوطنية الدكتور نضال العياصرة، وحضره مندوبًا عنه مدير حقوق المؤلف أحمد الخلايلة، وأداره الناقد محمد المشايخ، وقدم ورقة الدكتور عماد الضمور؛ أن المجموعة القصصية "انكسارات على حبات المسبحة" تعد نافذة عميقة لرؤية المرأة تجاه حياتها ومشاعرها.
ما يميز هذه المجموعة هو أسلوب الكاتبة الفريد في استخدام تقنيات مثل الحلم والرمزية، إضافة إلى تأملات الكاتبة في الزمان والمكان اللذين يعيشان فيه. تعكس القاصة، بمهارة كبيرة، محاولات النساء لكسر القيود التي تفرضها عليهن الأعراف الاجتماعية، معبرة عن هذا الصراع عبر لغة سردية محكمة ومتأملة.
قال الناقد الدكتور عماد الضمور: "نقرأ في مجموعة "انكسارات على حبات المسبحة" لأبو إسماعيل صوت الأنثى الباحثة عن عالم خاص بها، يداعب أحلامها بعبق الطبيعة، وينبض بحب الحياة. فما أكثر انكسارات الأنثى في عالم الخذلان ونكران الآخر، وما أقسى الزمن الذي يقهر حبات المسبحة؛ لينتصر في النهاية دون شفقة على هذه الحبات أو حتى على تلك الأصابع التي تلامسها برفق، وجعلتها تنتظم في خيط رفيع. إذ إن ثمة منحى وجوديا ينازع ناريمان في مجموعتها لتبوح بما في داخلها دون تردد".
ورأى الضمور أن هذه المجموعة القصصية هي الثانية للكاتبة وتعكس فيها بوحًا أنثويًا واضحًا، لا يمكن إنكاره أو تجاهل دلالاته. فهي مسكونة بعالم الأنثى، وكاشفة لهمومها، متجاوزة لغة الصمت إلى تلقائية السرد، وحميمية الحوار الوجداني بطبيعته الآسرة وخصوبته العاطفية.
وقال الضمور إن المؤلفة تتجه في لغتها إلى ذاتها، وهذا أمر طبيعي في كاتبة تتوهج عاطفة وسردًا، حيث نجحت في اختيار المفردة القادرة على حمل المعنى. إنها مفردة استثنائية خافقة بالحياة ومرارة الانكسار معًا، فتتوالى الأفعال في حركية فاعلة ومراوغة في الوقت نفسه، دون أن تصدر عن انفعال حاد، بل يلمس المتلقي هدوءًا أتاح للكاتبة أن تسرد كما تشاء. فهي تسمع لنفسها أولاً، ولا تنتظر من يسمع لها. هكذا هي الأنثى الساردة، تجتاح أنفاسها اللغة دونما توقف، وتستبيح المفردات لتجسد ذاتها وما تعانيه وحيدة، من دون مشاركة وجدانية من الآخرين.
وبين الضمور أن أبو إسماعيل حققت من خلال هذه نصوص ثراءً وجدانيًا واضحًا وبوحًا شفيفًا؛ لامتلاكها قدرات تعبيرية ثرية، تعود لما تكتنزه من عفوية مقبولة تتضمنها البنية المختزلة لها. إذ تمتلك الكاتبة صوتها الخاص بلغة جاذبة ذات حساسية وجدانية، وقدرة على تشكيل فني مدهش، ترسم من خلاله لوحات لطقوس حياتها، تقترب بها من تفاصيل مشهد المطر المباغت، وقطراته الباعثة على الحياة. كما في قصة "ما زال يعنيه المطر"، حيث تصف ذلك الرجل القريب البعيد: "هو كائن مطري؛ يعشق من المطر أوله.. يحب أن يعانق محبوبته في حضرته، فتغدو روحها صفاء السماء، ونقاءها بعد الهطول.. ورائحة جسدها بعد الحب عبق التراب الثمل بماء المطر، بعد يباس خريف طويل".
ويقول الضمور "إن أبو إسماعيل خرجت في هذه المجموعة القصصية عن المألوف في العمل القصصي النسوي، حيث انتقلت من تسجيل العلاقة الثنائية بين الرجل والمرأة إلى إبراز صدامية هذه العلاقة. إذ تعمد الكاتبة من خلالها إلى خلق مفارقة لدى المتلقي، تدفعه إلى البحث وراء المعنى والغوص في دلالة الكلمات العميقة، وصولًا إلى الدهشة التي تجعل من المتلقي منتجًا للنص، لكن بطرائق تفكيره لا بلغته الفنية. وذلك في عفوية ظاهرة وعمق خفيّ، كما في قصة "النقطة" ذات الإيحاء الفني والمفارقة التصويرية".
ثم تحدث الضمور عما تحمله العناوين الداخلية للمجموعة القصصية من إشعاعات فكرية خاصة، بحيث يشكل كل منها بقعة ضوء تتبدى دلالاتها وإحالاتها قريبة من القارئ، فيما يتصل مضمونها الفكري بوظائف وأدوار الشخصيات الواردة فيها. وتعد مفتاحًا لقراءة القصة من خلال ما حملته من تلميحات وقرائن ودلالات، كما في قصص "حلم"، "الفستان الأحمر"، "تمرد"، "رقص"، و"قرار". لافتًا إلى أنها تحول هذه العناوين من مجرد ملفوظات عابرة إلى نصوص موازية تشكل إضاءة للمتلقي ومفتاحًا للاستشراف، فتغدو رقيقة الإيقاع، محاطة برومانسية رامزة ولغة ناطقة لباطن الذات المبدعة.
وخلص الضمور إلى أن الرهان الأكبر لمثل هذه النصوص يبقى قدرتها التأثيرية في وجدان المتلقي، وخلقها أثرًا تردديًا كبيرًا في داخل المنظومة الحدسية للقارئ. وهذا يتطلب منها امتلاك القدرة على الإدهاش، والاقتصاد في تكوين بنية النص من أدوات تعبيرية قليلة، من دون الإسراف في العمل اللغوي الذي يلقي بظلاله على المتلقي ويشتته بعيدًا عن غرض القصة. ولذلك، تحرص هذه القصص على أن تكون متماسكة في بنيتها رغم انفلاتها السردي في بعض القصص، الأمر الذي جعل وهج الفكرة متفاوتًا من قصة إلى أخرى. وتبقى القاصة ناريمان أبو إسماعيل صوتًا إبداعيًا واعدًا في إبداع القصة القصيرة، وبخاصة القصيرة جدًا منها، لقدرتها على التكثيف اللغوي، والإدهاش التصويري، والوصف الدقيق لجزئيات المشهد، ولواعج القلب بصوت الأنثى وعالمها الواسع.
من جهته، رأى الناقد محمد المشايخ أن المرأة وقضاياها كانت واضحة جدًا في هذه المجموعة القصصية. ففي قصتها "إنها السادسة"، توضح كيفية تدخل الرجل في أدق تفاصيل حياتها نهارًا، وفي الليل يحول شخيره دون نومها. وحين تفكر في خنقه، تستبدل تلك الفكرة وتوقظه بكل رقة وحنان. وضمن التزامها بهموم المرأة، تعرض في قصتها "المرأة ثانية" وضع العوانس في سن الثلاثين والأربعين والخمسين، وتطلع قراءها على ما يفعلن في شقق العمارة وكيف يتصرفن. حتى إن إحداهن تتخيل نفسها في حالة الحمل وتود مراجعة طبيب النسائية. وفي النهاية، تظهر موقف الرجال السلبي من النساء، حين جعلت صاحب العمارة الذكر يقرر إخلاءهن منها. وفي قصتها "ما زال يعنيه المطر"، تستخدم القاصة رمز المطر.
وأشار المشايخ إلى ما يلفت النظر في المجموعة هو لجوء القاصة إلى تقنية الحلم في عدد من قصصها، الحلم بكل ما فيه من التخييل والرؤيا والعجائبية والغرائبية، كذلك الحلم الذي يرصد واقعًا سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا موبوءًا يصعب التعبير عنه بأسلوب مباشر. كما لجأت القاصة إلى الرمزية وغادرت الواقعية في أكثر من قصة.
وبين المشايخ أن أبو إسماعيل اشتغلت على الزمان والمكان، واختتمت مجموعتها القصصية بعدد من القصص القصيرة جدًا التي التزمت فيها بجميع عناصر القصة القصيرة جدًا، واهتمت بمقومات القصة التي تتمثل في اللغة والصياغة والحبكة والقفلة، بالإضافة إلى التزامها بخصائصها التي تشمل التكثيف والحذف والإضمار والانزياح والاستعارة والرمز والإخفاء والإيحاء والتأويل.