الوعود الكاذبة.. شخص يبني أحلاما وآخر “يدمرها” بلمح البصر!
مجد جابر
عمان- الغد- “كأنني كنت أعيش في عالم مليء بالجمال والبهجة والأحلام.. لأصحو على آخر مظلم لا يتسلل منه شيء سوى الألم والندم على ثقة أعطيتها للآخر”.. هكذا وصفت هناء عبدالله حالتها النفسية وخذلانا تشعر به بعد أن انفصلت عن الشخص الذي كانت تعتبره مستقبلها وشريك عمرها الذي جاء ليعوضها عن حياة متعبة اختبرتها. لكن في ليلة وضحاها، انقلبت حياتها بعد أن اكتشفت وعودا كاذبة ممن كانت تعتبره رفيق دربها ومن جعلها ترسم مستقبلا جميلا وأحلاما وردية وحياة كاملة اعتقدت أنه سيشاركها بها.
صور لها الحياة “جنة” وجعلها تعيش الأحلام وتخطط لحياتها وتقررها بناء على مستقبلهما معاً، فكل مشكلة كانت تقابلها كان يجد الحلول لها ويشعرها بأنه بما أنه موجود على قيد الحياة لن يعترض طريقها أي عائق، بل سيكون بجانبها دوما.
وبعد كل تلك الأحلام والتوقعات والحب، وفي يوم وبدون سابق إنذار، أخبرها أنه لن يستطيع أن يستمر في هذه العلاقة وأنه يريد الانسحاب، فهو لا يقوى على تحمل مسؤولية الزواج وتبعاته، أو ضغوط جديدة تضاف لحياته، وبحجة أن “حياتها ستكون أجمل من دونه”!
انتهت العلاقة تماما، ومر على ذلك أكثر من عام، وهي ما تزال حتى الآن لا تصدق ما حدث معها، وكيف لها أن تخطو الحياة من جديد بمفردها بعد كل تلك الوعود والأحلام التي بناها لها.. ولا تجد أي تفسير منطقي لذلك ولا سبب واضحا ومقنعا، ولماذا لم يكن صادقا معها منذ البداية، وإلا لكانت اختصرت ذلك الوجع.
هناء لم تستطع تجاوز الأمر حتى اليوم، فلا يمكن أن يكون كل ما عاشته كذبة وتنتهي بهذه البساطة وتنهار كل حياتها وأحلامها بكلمة واحدة منه.
ويوضح اختصاصيون أن صاحب الوعود الكاذبة، هو شخص غير صادق مع نفسه في المقام الأول، يعاني غياب الأمان ونقص في الثقة، وأناني بدرجة كبيرة، كما أنه بعيد عن القيم والمبادئ والإحساس بالآخر.
المتخصصة في الإرشاد التربوي والنفسي والعلاقات الزوجية د. سلمى البيروتي، تؤكد أن العلاقة عادة ما تمر بثلاث مراحل؛ أول مرحلة هي الانبهار بالشخص الآخر، وما يخرج عنه من حب وشغف وحماس وطاقة وإيجابية، وهذا الشيء مسؤول عنه هرمون معين في الدماغ يعزز هذه الحالة.
ولكن إلى أي مدى هذا الكلام يكون واقعيا وحقيقيا وقابلا للتطبيق، بالوقت الذي يكون فيه الشخص المقابل يعيش أحلاما وآمالا كبيرة.
لذلك، تبين البيروتي أهمية فترة الخطوبة ومعرفة كل طرف للآخر، وعيش الحياة الطبيعية الروتينية أكثر من دون رفع سقف التوقعات، ليرى الشريك شريكه على طبيعته وكيف يتعامل بالواقع، فالإنسان بطبيعته يكون قد رسم صورة للشخص الذي يريد الارتباط به، ما يجعله يسقط عليه توقعات وآمالا وأحلاما، “لكن نكون نحن من صنعناها، وبعد الزواج هناك صدمة على أرض الواقع وتبدأ خيبات الأمل، عندما تتنافى التصرفات مع التوقعات”.
وتشير إلى أهمية عنصر بناء الثقة، فبعد أن يكتشف الشريك أنها وعود كاذبة، تتزعزع الثقة وتتلاشى الأحلام ويفتقد الأمان في العلاقة، فيحدث ما يشبه “هزة” للعلاقة، ويصبح من الصعب عودة بناء علاقة متينة لما حدث فيها من شرخ يصعب علاجه.
وتلفت البيروتي إلى أن الشعور بالأمان والثقة مع الشخص هو أساس العلاقة، والذكاء هو اكتشاف ذلك قبل الزواج لتفادي الدخول بعلاقة فاشلة، مبينة أن الشخص قد يكذب بسبب مخاوفه من خسارة الطرف الثاني، وبالتالي فإن وعوده تكون نابعة من غياب الأمان الذاتي وخوفه من الرفض.
وتؤكد البيروتي أن كذب الشخص على الشريك دليل على أنه غير صادق مع نفسه، ويكون لديه خلل في الهوية الخاصة به، في حين لو كان صادقا منذ البداية سيكون الشريك فخورا به لأنه على طبيعته وقادر على إسعاد الطرف الثاني بصدقه ومحبته.
كما أن الزواج ينبغي أن يُبنى على أسس وطموحات قابلة للتنفيذ، بحيث يصبح هناك نوع من المصداقية والأمان اللذين يولدان الثقة، فالإنسان الذي يكذب كثيراً هو فاقد للأمان وللثقة مع نفسه، وبالتالي يمكن أن يكون عنده “أخذ أناني” ويشعر أنه دائما في مركز الكون.
ويرى الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، أنه لا بد من معرفة أن مطلقي الوعود بشكل عشوائي هم أشخاص يعانون خللا في الشخصية، ويسيئون لأنفسهم أكثر من الإساءة التي يسببونها للطرف الآخر.
ويشير الى أن هذه إشكالية واضحة في هذه الشخصيات، لكن على الطرف الثاني دائما أن يتقن أن الوعود ليست أمرا قاطعا وهي المجرى الحقيقي للحياة، وأن الشخص لا بد من اعتماده على نفسه وعدم الاعتماد على وعود قد تذهب بلمح البصر. ويضيف مطارنة أن الوعود الكاذبة موجودة بكثرة وتترك أثرها وخللها النفسي على الشخص الذي تم إعطاؤه هذه الوعود، كونه إنسانا بنى أحلامه وحياته عليها، وانعدمت بلمح البصر، ما يخلق لديه حالة نفسية قد تلازمه وقتا طويلا، خصوصا عند مقارنته بين الوعود التي صدقها وبين ما يحدث على أرض الواقع.
لذلك، ينصح مطارنة بضرورة أن يعتمد الشخص على نفسه وأن يحقق ذاته بالشكل الذي يريده هو وبجهده الذاتي، من دون انتظار الوعود التي قد تتحول في ليلة وضحاها الى خيال وسراب، ويقع في حالة نفسية يرثى لها.
ويذهب إلى أن الوعود الكاذبة قد تدمر الشخص المقابل وتؤثر على مستقبله، مبينا أنه لابد للناس أن يكون لديهم الوعي الكافي قبل إطلاق أي وعد قد لا يتمكنوا من تحقيقه.