الدستور
مثلما تركت الولايات المتحدة عامدة العراق في حالة فوضى بعد إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003 تحرص إسرائيل اليوم على ترك غزة بنفس الحالة من التناحر والتقاتل برعاية جيشها الذي يحيط بالقطاع من كل الجهات لضمان احداث اكبر قدر من التدمير الذاتي الفلسطيني عن طريق العملاء والمستفيدين وحاضنة واسعة من غير المعجبين بحكم حماس، وهؤلاء اليوم اكثر من أي وقت مضى.
إلى الآن لم يبدأً الصراع الحقيقي في غزة، فإسرائيل لا زالت في مرحلة توزيع السلاح على عملائها ممن لديهم الاستعداد لتغيير الواقع بالانتقام من النازحين وشيطنة كل من حمل السلاح بوجه إسرائيل ونبذه وتحميله مسؤولية كل قطرة دم سفكت وكل مبنى تهدم وكل طفل جاع او عطش والمسؤلية عن فناء مقومات الحياة في غزة، وهكذا يتم غسل ذنوب إسرائيل والتهوين مما ارتكبته من فظائع بإحلال جرائم جديد تعد لها العدة الان بين ركام المنازل المهدمة.
في العراق تحقق الهدف بأسرع ما توقع الاميركيون انفسهم فما ان توقف القصف على بغداد والمدن العراقية وتم حل الجيش العراقي وزرع الغزاة بذور الفتنة، حتى ولدت داعش وجرى تكبيرها لتكون قادرة على نشر الخراب وإشغال المنطقة كلها بما سميت ( الحرب على الإرهاب) في وقت كانت فيه إسرائيل آمنة مطمئنة من المقاومة ومن الارهاب تبني التحصينات وتكدس الأسلحة النوعية استعداداً لهذه المعركةالحاسمة المعلنة على الامة العربية من المحيط إلى الخليج.
في غزة حيث تتململ جماعات وعصابات تتحين الفرصة كي تستكمل مهمة إسرائيل بإجبار الغزيين على ما يعرف بالتهجير الطوعي الذي سيكون حتمياً واجبارياً إذا أصبح القتل في الشوارع والميادين وبايد فلسطينية بناء على الشبهات، وفي سوريا حيث بنت إسرائيل قواعد عسكرية لا يبدو انها مؤقتة تقوم على قواعد اسمنتية ثابتة ودائمة، وفي لبنان حيث مأزق سلاح حزب الله يتفاقم ويتصاعد بينما إسرائيل تقصف وتدمر قرى وبلدات الجنوب وتغتال من تطاله مسيراتها، وحيث إثيوبيا الجائعة بنت في غفلة من زمن الحرب على الإرهاب وربيع العرب المزهر بالمصائب سداً يهدد مصر، وحيث السودان يتقسم قطعة تلو اخرى النصف أولاً في الجنوب وبقية الأجزاء تجري عمليات تقطيعها الآن.. !
لنكن واضحين، لا تريد الولايات المتحدة وإسرائيل نزع أسلحة حماس الفردية التي لا تشكل خطراً على جحافل جيشها المرابط في القطاع، في هذه المرحلة على الأقل، لهجة الحديث عن شرط نزع سلاح حماس كما في وثيقة شرم الشيخ تغيرت و تؤكد اليوم ان ادارة ترامب تجاوزت عن هذه الجزئية من التفاهمات واتفقت مع إسرائيل على القبول باتفاق لوقف إطلاق النار بدون نزع سلاح حماس، بينما كل منهما إسرائيل والولايات المتحدة تهددان وتصران إعلامياً على شرط نزع السلاح والا فإن حماس تتحمل مسؤولية فنائها على حد تعبير ترامب الذي يتناوب هو وأقطاب ادارته مع نتنياهو وأقطاب عصابته على التهديد بالقضاء على حماس إذا لم تسلم سلاحها وجميعهم يكذبون بل ويفتحون الابواب امام حماس لارتكاب الأخطاء واستجلاب العداوات من حاضنتها الشعبية او ما تبقى منها، ودفع دول العالم الى التراجع عن ادانة اسرائيل والتحول إلى ادانة إعدامات حماس الميدانية.
ترى هل سألنا انفسنا لماذا تنازلت إسرائيل عن شرط نزع السلاح قبل وقف العدوان وهو احد أهداف الحرب الثلاثة كما أعلنها نتنياهو..!
دعونا نعيد النظر في اعتقادنا ان حماس خرجت منتصرة وان إسرائيل خسرت الحرب، حماس لم تنتصر وإسرائيل لم تنتصر ايضاً بعد سنتين من الإبادة، هناك خاسر واحد هو شعب غزة ومستفيد واحد هو ترامب شخصياً، لكن إسرائيل مع ذلك لديها اوراق اضافية واسلحة فتاكة قررت مع ادارة ترامب استخدامها اعتباراً من قمة شرم الشيخ وهي الفتنة وتسليح خصوم حماس ومنافسي خصوم حماس وعصابات النهب والطامحين بمكافأة اميركية لقاء الخيانة، لأن ( المؤمنين ) في بلادنا يلدغون من الجحر الواحد الف مرة وما حدث في لبنان قبل وبعد اجتياح 1982والقتل على الهوية، والعراق بعد 2003 وتفريخ الفصائل والجيوش المذهبية، وليبيا بعد 2011 والسودان وسوريا واليمن، سيحدث في غزة ما لم تتواضع حماس في حساباتها وتعريفها لمعنى النصر ومعنى الهزيمة وما لم تواجه الفتنة بالحكمة لا بعصب الاعين والاعدامات المصورة والمنشورة على الملأ، فما يدبر لها وللضفة الغربية ولغزة اكبر من حرب مدمرة لم يشهد التاريخ مثلها، فاعداء الفلسطينيين والطامحين باراضيهم وشواطئهم، ومقاولي اقامة الريفيرا يريدون للفلسطينيين انفسهم إكمال المهمة نيابة عن اسرائيل لتنظيف آثار الحرب، ولذلك يتحدثون عن نزع سلاح حماس لكنهم لا يفعلون شيئاً على الارض، فبدون هذا السلاح لن تكتمل المهمة ولن تشتعل حرب أهلية بين العشائر والفصائل، في وقت تقوم فيه إسرائيل بتسليح طرف او ربما اطراف أخرى كي يكون هناك اكثر من فاعل في معادلة الفناء الذاتي في غزة، وستحرص إسرائيل على ان تبقى قريبة وقادرة على ترجيح هذه الكفة تارة وتلك تارة أخرى وفي اي وقت تشاء وبمباركة من دول العالم هذه المرة بما فيها تلك التي اعترفت بالدولة الفلسطينية وتضامنت مع الغزيين وقدمت لهم المعونات.