اليمين الصهيوني.. إلى أين وإلى متى؟*د. ابراهيم بدران
الغد
تتوالى الأحداث في المنطقة بشكل يدعو للقلق والتحسب لما يمكن أن تؤول إليه الأمور مستقبلا. فقد غدا اليمين الصهيوني الإسرائيلي، بكل عنصريته واستعماريته ووحشيته وعقيدته التوسعية، القوة التي تعيث في الأرض العربية ليس فساداً فقط، وانما دماراً وتقتيلا وإبادة للأطفال والأبرياء في كل مكان.
ففي غزة، وبعد وقف النار بموجب خطة ترامب، فإن النار لم تتوقف، وما تزال ضحايا الانتهاكات الإسرائيلية تستشهد بالعشرات يوميا. وما يزال القتل الجماعي يشتد ضراوة وفتكا في الغزيين من خلال منع قوافل الإغاثة، التي لا يدخل أكثر من 20 %من المقرر، منها من دواء إلى غذاء إلى مستلزمات حياتية، وقبل كل شيء منع الخيام والبيوت الجاهزة والوقود أن تصل إلى مئات الآلاف من الناس المشردين في هذا الفصل الممطر البارد.. فما هي النهايات التي يريد اليمين الإسرائيلي الوصول إليها؟. وفي القدس يتسارع هدم وتدمير المنازل فيها وحولها بشكل يومي، وتتصاعد الانتهاكات لحرمة الأقصى، واستباحة المقدسات من المستعمرين المتطرفين، يقودهم يوماً بن غفير، ويوما سموترتيش، ويوما آخر نتنياهو والقائمة لا تنتهي.
وفي جنين وطولكرم لا يتوقف هدم البيوت وتجريف المخيمات، وتهجير السكان وتدمير البنية التحتية، وتشتد الهجمات اليومية على القرى والمدن الفلسطينية في كل مكان، ويتوالى صدور القرارات من حكومة الاستعمار الصهيوني بإنشاء آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات، وإقامة الحواجز والجدران بهدف تفتيت الضفة الغربية بكاملها.
أما في لبنان فلا تتوقف الاعتداءات اليومية ولا قصف القرى الجنوبية ولا قتل الأبرياء وحرق المزارع، رغم الوساطة الأميركية والتدخل الفرنسي.
فما هي نهايات المشروع الصهيوني في لبنان؟ وكذلك الحال في سورية، حيث أصبحت الاعتداءات يومية، وانطلق نتنياهو يتحدث بلغة استعلائية ويطالب بمناطق منزوعة السلاح تبدأ من دمشق وحتى الحدود التي يريد أن يرسمها هو كيف يشاء. ويدعي أنه يريد «القضاء على كل ما يهدد أمن إسرائيل».
أما ما هو أمن إسرائيل؟ فليس له تعريف وليس له مرجعيات دولية. وبالتالي تمعن إسرائيل بقتل الأطفال لمنع تهديد إسرائيل، وتهجر السكان العرب في أي مكان لمنع تهديد إسرائيل، وتغتال من الشخصيات من تشاء لمنع التهديد للأمن الإسرائيلي . ويصدر الكنيست قراراً بتصنيف الأونروا، المنظمة الأممية للإغاثة ألتي أقامتها الأمم المتحدة مباشرة بعد قيام الكيان الصهيوني، إنها منظمة إرهابية يحق لإسرائيل مصادرة ممتلكاتها واقتحام مكاتبها لمنع تهديد إسرائيل.
السؤال الكبير أين سيقف نتنياهو وزمرته؟ وأين وكيف يتوقف التهديد لإسرائيل؟ والى متى سيستمر هذا العبث والتدمير لاستقرار المنطقة دون أي إجراءات لوقف هذا الانفلات الاستعماري الاستعلائي؟ ومتى يصل السلام الفعلي الذي يتحدث عنه ترامب إلى الناس في المنطقة؟ وليس السلام اللفظي الذي يتحدث عنه في الأوساط الدبلوماسية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى النقاط المهمة التالية:
اولا: إن الدول العربية يواجهها خطر مستقبلي يتمثل في استمرار عدم استقرار المنطقة وتعرضها المتواصل للأهواء الإسرائيلية المتطرفة. وبالتالي على العربي الرسمي التحرك للضغط مجدداً على الولايات المتحدة الأميركية وعلى إسرائيل لوقف هذا الحرب والالتزام بما تم الاتفاق عليه في شرم الشيخ وقبل ذلك من اتفاقيات بشكل فعلي وليس صوري.
ثانياً: إن التحرك العربي القانوني ينبغي تجديده وتواصله بقوة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ومنظمات الأمم المتحدة كل حسب اختصاصها، ومحاكمة إسرائيل على أفعالها ورفع قضايا ضدها، والمطالبة بوقف تلك الأفعال ومحاسبة المسؤولين عنها والتعويض عن الخسائر المترتبة على جرائمها.
ثالثاً: إن إسرائيل تحاول أن تفتعل شتى القصص والحوادث وتلصقها بالعرب والمسلمين، من أجل استعادة صورتها التقليدية، «صورة المظلومية والدفاع عن النفس مقابل معاداة السامية والتطرف الإسلامي» ومن أجل تشويه التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية، كما يجرى الآن في استراليا، ومن هنا فعلى الدول العربية أن ترفع من مستوى الدبلوماسية العربية والإعلام العربي لينقل الحقيقة إلى جميع دول العالم.
رابعاً: إن الحديث عن حل الدولتين يجب أن يسبقه دائماً المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، حيث أقرت الأمم المتحدة ومؤسساتها بأن إسرائيل تحتل أراضي الغير وانها مطالبة بإنهاء الاحتلال كما حكمت محكمة العدل الدولية مؤخرا.
خامساً: إن منظمات المجتمع المدني العربية ينبغي لها أن تتحرك بطول نفس، وتتواصل مع المنظمات المناظرة في الدول الأخرى وخاصة أوروبا وأميركا الجنوبية وكندا والهند وشرق آسيا لتبيان بشاعة استمرار الاستعمارية الإسرائيلية مقابل عدالة الحقوق العربية. سادساً: إن البرلمانيين العرب يتوقع أن يتولوا مع نظرائهم الضغط على دولهم لوضع حد للحالة التوسعية الاستعمارية الإسرائيلية باعتبار انها تهدد المنطقة بكاملها، بما ينعكس سلباً على أوروبا بشكل خاص، وعلى مصالح أميركا وغيرها من الدول عموما. سابعاً: إن الأحزاب العربية لا بد لها من التواصل مع أحزاب الدول الأخرى بشكل عملي ودائم لتبين تفاصيل سياسية وقانونية وإنسانية تحاول إسرائيل طمسها أو إخفاءها.
وأخيراً فإن الخطر الإسرائيلي يمس جميع الدول العربية بدون استثناء، لأنه أن لم يضربها مباشرة كما هو الحال في سورية ولبنان وفلسطين، فإنه يعمل على إعاقة تقدمها من خلال استنزافها بشراء السلاح، ومن خلال الضغوط الأميركية الخفية، ومن خلال بث الفتن فيها، واغتيال العلماء والقياديين، وتمويل الجماعات المتطرفة والانفصالية عن طريق استغلال التنوع الطائفي والثقافي والجهوي، وبالتالي إبقاء المجتمعات العربية في حالة توتر وعدم اطمئنان للمستقبل.
لقد تقدمت دول في آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا وسبق الكثير منها المنطقة العربية. وقد يكون واحد من الأسباب الرئيسية لهذه الحالة وجود إسرائيل في المنطقة في حالة استعدائية لا تتوقف. فهي لا تريد السلام ولا تريد العدل ولا تعترف بالقانون الدولي ولا بالحقوق المشروعة للفلسطينيين ولا بالاتفاقيات التي وقعت عليها
وتعتبر كل قوة لدولة عربية بمثابة تهديد لها، وفي عين الوقت تحاول أن تستنهض أوروبا وأميركا للوقوف الدائم معها حتى لو كانت هي التي تقود حرباً توسعية لا أخلاقية في كل اتجاه.