عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Sep-2019

تـــرامب معـــــادٍ للساميـــــة - حيمي شاليف

 

اتهام يهود بعدم الولاء هو ألف باء العداء للسامية. وهو يستخدم كحجر أساس في كراهية اليهود منذ أيام خوف فرعون من عبيده العبرانيين، مروراً بالمذبحة الأولى في الإسكندرية في القرن الأول الميلادي، وحتى قضية دريفوس، وبروتوكولات حكماء صهيون، وشعار النازيين المسموم بشأن «غرز سكين في الظهر» [دعاية نازية اتهمت اليهود في ألمانيا بأنهم وراء خسارة ألمانيا الحرب العالمية الأولى].
عندما يأتي هذا الاتهام باللاسامية من رئيس الولايات المتحدة، أقوى رجل في العالم، فإن الصدمة أعمق بكثير والقلق كبيرـ لأن المقصود هو الجالية اليهودية الأقوى والأمتن والأكثر ازدهاراً.
شيء ما حدث في البيت الأبيض في ليلة الثلاثاء. كلام ترامب أمام الصحافيين بأن اليهود الذين يصوتون للديمقراطيين يُظهرون «عدم ولاء» هزّ النفوس وأصاب اليهود بالدهشة، وخلق واقعاً جديداً كئيباً.
كل تصريحات ترامب المريبة في الماضي بشأن مهارة اليهود في عدّ الأموال وشراء الرؤساء بأموالهم، جنباً إلى جنب مع التشجيع الذي قدّمه ويستمر في تقديمه للعنصرية البيضاء الكارهة لليهود، نزر يسير مقابل إطلاق التهمة القديمة بشأن الخيانة المتأصلة لدى الأقليات اليهودية في الغربة.
في أعقاب العاصفة التي هبت، أجّج ترامب كعادته النار وزاد من القلق. في سلسلة تغريدات هاذية، نقل مذيع محافظ معروف عن ترامب بأنه تباهى في إسرائيل متوّجا كملك وحتى كالمسيح، وميّز بين اليهود في إسرائيل، الأذكياء والعقلاء، وبين يهود الولايات المتحدة، الأغبياء والخونة الذين لا يقدّرون عظمته ومجده وطيبة قلبه.
لقد أثبت ترامب أنه لا يتوانى عن استخدام إسرائيل كوسيلة ضغط لإبعاد الحزب الديمقراطي عن مؤيديه ومانحيه من اليهود.
ولا يهمه أبداً التأييد للحزبين الذي اعتبر في الماضي حجر الأساس في العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
من أجل مجموعة أصوات من اليهود والمانحين، ورغبة شديدة في الحصول على إعجابهم، يحاول ترامب تسميم العلاقات بين اليهود والحزب الذي يمثل قيَمهم، والذي وقف إلى جانب إسرائيل عندما كان الجمهوريون ينظرون إليها كعقبة في وجه علاقتهم بعمالقة النفط في دول الخليج الفارسي.
أدت الحادثة الأخيرة إلى ردات فعل صادمة وذهول لدى المنظمات اليهودية والجالية اليهودية في الولايات المتحدة، كما تسبب بنشوب توتر حقيقي بين الأغلبية الليبرالية وسط يهود الولايات المتحدة وبين رئيسهم، وفاقمت من الاستياء الذي يشعرون به تجاهه. كما تسببت بمواجهة داخلية جبهوية أقسى من أي مرة سابقة بين الأغلبية اليهودية الليبرالية، وبين الأقلية اليمينية المحافظة التي تدافع عن الرئيس باستماتة، في الأساس من خلال التلويح بتأييده الظاهري لإسرائيل.
بسبب التماهي بين ترامب ونتنياهو - الذي تعمق في الأيام الأخيرة في أعقاب قرار إسرائيل إرضاء الرئيس ومنع دخول عضوتي الكونغرس المسلمتين إلهان عمر ورشيدة طليب إلى أراضيها، فإن مكانة إسرائيل ستتآكل أيضاً والجفاء حيالها سيزداد. وهذا الجفاء سيتحول إلى كراهية حقيقية إذا كان البيت الأبيض «سيطلب» من نتنياهو، للمرة الثانية خلال أسبوع، أن يبذل كل ما في قدرته للدفاع عن الرئيس إزاء وصمه كمعاد لليهود.
وقبل شهر من الانتخابات سيكون من الصعب على نتنياهو أن يرفض، حتى لو جرى تصويره بأنه يدير ظهره لشعبه.
لقد أوضح ترامب بعد مرور يوم على كلامه عن «عدم الولاء لإسرائيل»، بأن يهوداً يظهرون عدم الولاء لإسرائيل عندما يصوتون من خلال استمرارهم في التصويت إلى جانب الحزب الديمقراطي المعادي لإسرائيل الذي يضم طليب وعمر.
وما يدعو للسخرية أن ترامب سيكون من الصعب عليه تتبع ما ينطوي عليه اتهامه: عندما يصرح الرئيس الأميركي بأن أغلبية يهود أميركا لا ولاء لهم لإسرائيل، فإنه يبرئهم عملياً من تهمة «الولاء المزدوج».
بحسب هذا الرأي، فإن تحامل ترامب، سواء أكان من بنات أفكاره أم أن أحداً ما ألقاه على مسامعه، يستند إلى نظرة معادية للسامية في الأساس، يجري تداولها في هوامش اليمين واليسار معاً، بأن الولاء الأساسي ليهود الولايات المتحدة هو لإسرائيل، وهم يصوتون وفقاً لذلك.
لقد اعتقد ترامب، أو هناك من جعله يعتقد، أنه إذا أظهر علاقة وثيقة بإسرائيل، و»يثبت» أن الديمقراطيين يتبنون وجهات نظر طليب وعمر، فإن يهود الولايات المتحدة سينتقلون إلى جانبه بأعداد كبيرة.
في اعتقاده، خطوات مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان من المفروض أن تعتّم على رؤية العالم الليبرالي الذي حوّل اليهود إلى معارضين لمبادىء سياسته في موضوعات مثل الهجرة، والأقليات، والإجهاض، وحرية التعبير، وسلطة القانون وثقافة السلطة.
اتهام اليهود بـ»عدم الولاء» ناجم عن خيبة أمل الرئيس، لأنه لم يحصل على مقابل لقاء بادراته المؤيدة لإسرائيل. لقد وُعد بأن اليهود سيقفون إلى جانبه، لكن هؤلاء خيبوا أمله، وليس هناك ما يُخرج ترامب عن طوره أكثر من شعوره بأنه خرج خاسراً في صفقة «أعط وخذ».
حتى الآن يتركز غضب الرئيس على يهود بلده، لكن ليس من المستبعد أنه يخفي وراءه استياء من إسرائيل - وخصوصاً من ممثليها وكبار مسؤوليها الذين أقنعوه بأنه سيكون هناك مقابل يهودي للفاتورة الإسرائيلية التي دفعها.
في نظر أغلبية يهود الولايات المتحدة تحوّل ترامب في الأمس من مشتبه بالعداء للسامية إلى شخص مدان، ليس هناك أدنى شك في إدانته. ويزداد غضب هؤلاء وخيبة أملهم أضعاف الأضعاف عندما يرى اليهود في وقت محنتهم رئيس حكومة إسرائيل يقف بقوة إلى جانب المفتري والحاقد.
إذا لم يعرف نتنياهو كيف ينقذ نفسه من الحفرة التي حفرها له ولدولته صديقه العزيز ترامب، فإن يهود الولايات المتحدة لن يسامحوه، ومعهم تاريخ الشعب اليهودي على مر الأجيال.
«هآرتس»