عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Dec-2019

نحو دولة عربية حديثة.. شرعية الخوف إلى شرعية البناء - وليد ظاهري

 

 الجزيرة - منذ أن اصطدم العرب بالحضارة الأوروبية قبل قرابة قرنين من الزمان ونحن نعاني حالة خوف كبير، نخاف على ديننا وعلى هويتنا وعلى جغرافيتنا وعلى ذواتنا من الزوال، ونخاف من الانزلاق في العدم التاريخي، وحدثت في القرن التاسع عشر محاولات إصلاحية سياسية أو ثقافية باءت كلها بالفشل والسبب كان الخوف من الأخر والخوف على أنفسنا من الزوال كحضارة تسلمت قيادة العالم لقرون سابقة..
 
ومع بداية القرن العشرين انقسمت النخبة العربية بين فريق انهزم أمام الحداثة الغربية ودعا للذوبان فيها كشرط للبقاء كشعب وكبشر فقط، أما ما نحمله من إرث تاريخي فقد جاء الوقت للتخلص منه حتى لا نموت به وفيه وله، وبين فريق أخر رفض الحداثة الغربية بكل جزئياتها من الثقافة وحتى الدولة الحديثة نفسها كمنتج من منتجات الحضارة الغربية الحديثة الذي نطلق عليه مفهوم دولة المواطنة، وهذا التيار هو من وجد سند شعبي كبير لأن الشعوب لا تفرط في عاداتها وتقاليدها فما بالك في دينها وهويتها الحضارية. وبدأ هذا الفريق المسنود شعبيا بمحاولات لإقامة نوع من التوافق بين الحداثة الغربية وبين هويتنا وفي كل مرة يحدث نفس الشيء حينما يعلن الطرف المتزم والمتشدد الخوف على الهوية والدين فنعود خطوتين للوراء بعدما نخطو خطوة للأمام..
 
الخوف كشرعية سياسية للدولة العربية
الأمن الحضاري وهو مصطلح جديد أصكه ويتمثل في مشروع حضاري مبني على أسس الهوية من لغة وتاريخ ودين ويكون متجاوز للحداثة الغربية التي تعاني من شروخات كثيرة تزيد يوما بعد يوم
نحن العرب بكل صراحة منذ نصف قرن نعاني خوفا من الو.م.أ وثقافتها التي لا تبقي من هويتنا شيئا ولا تذر أن دخلت، ونخاف من إسرائيل التي تحاول إلتهامنا كما إلتهمت أمريكا الشعوب الأصلية في القارة (الهنود الحمر) ونخاف من أي مشاريع لا تعلن صراحة احترامها للهوية العربية وللدين الإسلامي كالمشروع الإيراني وقاومناه لعقود طويلة أجهدنا عن مشروعنا الحقيقي في بناء معالم الدولة العربية المعاصرة، كما أننا استخدمنا كسلاح لمحاربة المد السوفياتي بحجة أنه خطر على الإسلام وعلى الهوية العربية، ولكن ثماره كانت لأمريكا التي تربعت على العالم بعد أن ساعدناها في حربها.
 
وولدت لدى الفرد العربي شرعية تجعل أي نظام سياسي أو قائد أو حاكم لنا يخاطبنا أنه سيحمينا من إسرائيل ومن الحداثة الغربية، وما كان يشغلنا الهم الأساسي وهو التقدم والنهضة الاقتصادية حتى نستطيع مجابهة الغزو الثقافي الغربي الذي يزيد يوما بعد يوم ونحن نكرر جملة سياسية واحدة تحيا الشعب العربي المسلم ولا أمان في الغرب مهما قال أو فعل، وعاشت شرعيات سياسية بهذا الخطاب لعقود طويلة حتى أصبحنا لا نأكل ولا نلبس ولا ننتج ولا نفكر ولا نقرأ ونسلم للقائد أن يحمينا من العدو المتربص بنا.
 
شرعية البناء هي من تزيل الخوف المستشري في لاشعورنا
لو يقتنع المواطن العربي البسيط أن القضاء على الخوف لا يكون بحاكم تحيط به الجيوش أو بجنيرال يحمل بيده بندقية مصنوعة في الغرب، ويقتنع أن الأمن الأعمق هو أن تفكر وتطرح مشاريع فكرية ثقافية وسياسية تعالج الأصالة والمعاصرة وإخراج مشروع يكون قاطرة لنا نحو الوجود التاريخي في العالم الذي لا نساهم فيه بأي شيء غير الرفض والتخوين وتفسير كل شيء بالمؤامرة. أن يكون العربي آمنا هو أن يصنع غذاءه وأن يحيك لباسه وأن يشيد مدنه واقتصاده ويبني ثروته وحينها سيدرك العربي أن البندقية لا تحميه من الغرب وإسرائيل بل تحمي الحاكم من شعبه، وتحمي الغرب وإسرائيل لأنها ببساطة صنيعة الغرب وإسرئيل (أقصد البندقية والدبابة). وعندها سيبحث المواطن العربي على الحاكم الذي يعطيه حلا لإنتاج الغذاء وحياكة اللباس وتشييد الاقتصاد والمدن وتصبح البندقية خلف الغذاء وليس قبله.
 
من الأمن الغذائي إلى الأمن القومي إلى الأمن الحضاري
الأمن الحضاري وهو مصطلح جديد أصكه ويتمثل في مشروع حضاري مبني على أسس الهوية من لغة وتاريخ ودين ويكون متجاوز للحداثة الغربية التي تعاني من شروخات كثيرة تزيد يوما بعد يوم، وإذا ما تبلورت معالم ذلك المشروع ستحل المشكلة من جذورها في العالم العربي والإسلامي وسينساق الجميع نحو تحقيقه. وبما أن المشروع لم يتبلور بعد أو ربما لا زال محبوسا في دنيا الأفكار الذي بنينا حولها جدرانا وحيطانا متينة إسمنتها هو الخوف والرعب من الآخر، فليس لنا غير الترويج لمشروع البناء والتشييد وبناء جيل يدرك أن الأمن الحقيقي لا يتلخص في الدبابة والبندقية بقدر ما يكون في الاقتصاد والفكر.
 
عندها سيزكي الشعب العربي من له أسلحة أمنية اقتصادية حقيقية ويقف وراءه لتحقيقها وننتقل من شرعية الخوف إلى شرعية البناء في انتظار مشروع حضاري قوي ومتين يجعلنا لا نفكر في حماية ذواتنا وهويتنا من الآخر وإنما نسعى وبكل ثقة وقوة لنشرها في العالم كحلول للرأسمالية الفجة أو خطط لإنقاذ الإنسان المعاصر شرقيا كان أو غربيا من حداثة سعت في أول الأمر إلى إيقاظه من نوم عميق ثم سرعان ما عادت تسعى لتنويمه و جعله شيئا من أشياء العالم، فما هذا الإنسان إلا حيوان تميز ببعض الوعي أو مادة شذت في لحظة ما عن قوانين المادة، أو مفعولا به في جملة لا شكل فيها فأوهمته أن فوقه ضمة الفعل وما هي إلى فتحة المفعول أو كسرة جار له.