عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Aug-2019

أمراض الحياة* لمياء المقدم
العرب -
 
هي تلك العادات السيئة التي نكتسبها مع الوقت لتتحول إلى أمراض مزمنة لا علاج منها.
 
لكل أمراضه، ومن لا مرض له لا حياة له، وأمراض الحياة لا تقتل، لكنها تفسد العمر وتسمم العلاقات. وقد تبدأ أمراض الحياة على شكل شيء مختلف تماما، حب مثلا، أو صداقة أو نجاح أو شهرة، ثم تأخذ شيئا فشيئا منحى مختلفا لتتحول إلى مرض ما من أمراض الحياة الكثيرة.
 
أسميها أمراضا، لأنها تشبه الفيروسات التي تدخل على أجسادنا فتنهكها وتطرحها في الفراش. غير أنها فيروسات من صنعنا، ومن لحمنا ودمنا.
 
تمرض الحياة عندما نختار ما لا نرغب في اختياره. عندما تكون قلوبنا في جهة وخياراتنا في الاتجاه المعاكس لها. وهذا المرض اسمه “العناد” أو “المكابرة” وهو منتشر بيننا إلى حد كبير.
 
علاقات كثيرة تنتهي بسبب العناد، وإصرار الطرفين على عدم التنازل لبعضهما البعض، حتى في حالة الخطأ. والحقيقة أنني دائما أتساءل في هذه النقطة تحديدا: كيف يمكن لشخص أن يخسر شخصا يحبه فقط لأنه لا يرغب في التنازل له أو الاعتراف بخطئه؟ يبدو هذا غباء شديدا، بل أكثر من ذلك، إنه استهتار فادح بالإنسان وبالحياة.
 
لكن ما الذي يجعل التنازل أو الاعتراف بالخطأ مرعبا إلى هذا الحد؟ بالتأكيد ليس هو لحظة الاعتراف وما تتضمنه من عبارات ومواقف، لكنه الاعتقاد الخاطئ بأن من يتنازل مرة يتنازل إلى الأبد، وأن الحياة الزوجية معركة إذا خسرتها مرة ستظل تخسرها إلى ما لا نهاية.
 
النزاع على السلطة إذا هو ما يفسد الحياة ويسممها. وهو مرض من أمراض الحياة المعقدة، والنزاع على السلطة مرض قديم قدم الإنسانية، ولا سبيل للعلاج منه على ما يبدو، فطالما وجد شخصان في مكان واحد، سيرغب أحدهما دائما في السيطرة على الآخر، وهو شرط من شروط البقاء. فالإنسان وجد ليبقى، وبقاؤه مرهون بقدرته على إخضاع كل شيء له، بما في ذلك شريكه الإنسان.
 
من بين أمراض الحياة الكثيرة الأخرى “الكذب”، والحق فإنني أجده من أخطرها وأشدها، وأكثرها إفسادا للحياة.
 
يأتي الكذب في الحالات التي لا يستطيع فيها الإنسان السيطرة على حياته وأموره بشكل طبيعي، فيبدأ في اختلاق أوضاع وحكايات وقصص خيالية لسد الثغرات وملء الفجوات وطمس الحقائق.
 
يبدأ الكذب صغيرا ثم يكبر إلى أن يبتلع كل شيء. وساعتها تصبح الحياة نفسها كذبة.
 
فيروس الكذب مدمر، ولا يستطيع أي جهاز مناعة مهما كانت قوته أن يوقفه أو يحول دون نتائجه. تتسلل الحياة تدريجيا من بين أصابعنا إلى أن نصحو على الفراغ.
 
إلا أن أحب أمراض الحياة إلي وأقربها إلى طبيعتي “الحب”، وهو كما نعرف مرض لا ينجو منه إلا القليلون وإن نجوا فلكي يعيشوا معاقين أو مقعدين أو مهمشين طوال حياتهم.
 
ليس الحب مرضا فحسب، ولكنه من الأمراض التي لا بد منها أيضا. تماما مثل البكتيريا التي يحتاجها الجسم لقتل شيء ما داخله. كذلك الحب، فنحن نحتاجه لنقتل الوحدة والخوف والفقدان والألم ونحتاجه من أجل الرفقة والأنس وإحساس الحماية لكن مع كل هذا يأتي الألم. فالحب مؤلم، ومحبط ومدمر أحيانا.
 
في حوار قصير مع صديقتي الشاعرة أسألها إن كانت تحب، فترد بأنها توقفت عن الحب لأن ألمه فوق احتمالها، وأدهشني ردها فأنا رغم كل آلام الحب وأمراضه وخساراته وانكساراته لم أفكر يوما في التوقف عنه. بل لا أظن أنني قادرة على ذلك حتى وإن رغبت. وحتى الألم الذي يرافقه فقد صار على نحو ما صديقا أليفا. لم يعد الألم يؤلم بقدر ما أصبح يطبطب ويواسي ويحملني على ظهره كلما تعبت.