عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Jul-2024

يافا ولاهاي صفعتان في يوم واحد|عيسى الشعيبي

العربي الجديد

قد لا تفي مفردة صفعة بكامل المعنىً، وربما لا تُشخّص هذه الكلمة بالغ المغزى، ولا تفض طيبات هذا التزامن بين ضربتين استراتيجيتين تلقتهما دولة الاحتلال في يوم واحد، الأولى وقع فجر الجمعة الفائتة،
والثانية بعد ظُهرها، وهذه سابقة أخرى من سوابق حرب تواصل صنع مفاجآتها، وتستمر في طرح اسئلتها، ولا تكف عن مراكمة التحولات والنتائج والحقائق، التي تترك آثارها بعيدة المدى على حاضر هذه المنطقة ومستقبلها، وتعيد في الوقت ذاته تشكيل تحالفاتها وبناء توازناتها وتخليق صورة مغايرة بالضرورة الموضوعية لما كانت عليه قبل ملحمة طوفان الأقصى.
 
الصفعة الأولى دوّت في مدينة يافا، المدينة الفلسطينية التاريخية الأهم بعد حاضرة القدس، حين ضُربت بقنبلة من قبل كرام اجداد العرب وسادة ساداتهم، اولي البأس الشديد والفعل المجيد، قنبلة كان وقعها ابعد من مجرد هجمة جوية على تل ابيب، وأثقل من وزنها الحربي المحدود، حيث دشنت "يافا" بداية مرحلة اخرى مهمة في صراع مديد، وفتحت مضاعفاتها اللاحقة أبواب زمن مفتوح بدوره على المجهول، بما في ذلك حرب يأجوج ومأجوج، وربما أدخلت الى القاموس السياسي تعبير "الصراع اليمني ـ الإسرائيلي" كمفهوم جديد.
 
صحيح انه ليست هذه هي المرة الأولى التي تُقصف فيها تل ابيب، فقد ضربها النظام العراقي السابق قبل نحو أربعة عقود من الزمن العربي الكالح بكل المعايير، وصحيح ان المقاومة الفلسطينية ضربت هذه المدينة النيويوركية الطابع عدة مرات، سيما بعد طوفان الأقصى، غير ان هذه الضربة اليمنية المثيرة للانطباعات والتوقعات، المحمّلة بالرسائل النارية أتت مختلفة عن كل ما سبقها من الهجمات، خاصة وأنها ترافقت مع حرب في الشمال، نتائجها الواعدة في طور المخاض، فيما حدثت الضربة العراقية آنذاك عندما كانت شمس العرب في مآل الغروب.
 
وفيما كان مجانين الدولة المارقة تحت وطأة صدمة الفجر بعد، غير مصدقين ما حدث، ولا قادرين على استيعاب ما فاضت به الرسالة اليمنية الصاعقة من معانٍ بليغة ومؤشرات لا حصر لها، جاءت الصفعة الثانية في اليوم نفسه، من لاهاي، عاصمة القضاء الدولي بامتياز، حيث قالت محكمة العدل الدولية كلمتها الباتة في امر احتلال لا شرعية له، يمارس الابرتهايد، وابشع صنوف الانتهاكات، وبالتالي عليه ان يرحل دون تأخير، وان يعيد الحقوق المشروعة لأصحابها الشرعيين، بما في ذلك حق تقرير المصير، كما حددت المحكمة، لأول مرة، حدود دولة فلسطين، ومنحتها ذخيرة قانونية هائلة لمواصلة الاشتباك.
ندرك سلفاً ان دولة الاحتلال والاستيطان لن تنصاع لرأي محكمة العدل الدولية، ولن تحفل كثيراً بما يقوله "الاغيار" فهي ترى نفسها دولة فوق القانون الدولي، وأنها كيان لا يقبل المساءلة مهما قارف من فظائع، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية الجارية في وضح النهار، الا اننا ندرك بالمقابل ان كلب موشيه ديان  المسعور جداً لم يعد يخيف، وان البيئة الدولية قد تغيّرت عما كانت عليه بالأمس القريب، وان التحولات الجيوسياسية تجاري الآن على العكس مما كان عليه الحال في عهد القطب الاميركي، الذي دخلت شمسه في طول الغروب،
 
اذ في غضون اقل من عام واحد انثالت كل المزاعم الصهيونية عن دولة الرفاه والأمان، عن واحة الديمقراطية المدعاة، عن الجيش الذي لا قهر والردع الذ لا يُشق له غبار، وتجلت للعيان صورة دولة بتراء في الجنوب والشمال، تمارس القوة العمياء، الجنون المفرط والاستهانة بالرأي العام، وتواصل سياسة الانكار والعجرفة والاجرام، الامر الذي عزلها أكثر من ذي قبل، انزلها الى الدرك الأسفل، الى سيرورة الانكشاف والتراجع والخسارات على كل صعيد، الى مسار نزف الدماء والمال والثقة بالنفس، تماماً على نحو ما تتلو بيانه وقائع حرب فقدت ذريعتها، وآلت الى لعبة تدمير للمنازل وقتل الأطفال والنساء.
 
مع توالي مثل هذه الصفعات على الوجه في لاهاي وجنيف وبروكسل ونيويورك، وتتابع هذه الضربات على مؤخرة الرأس وفي موضع القلب والاطراف، وتعاظم تلك الانكفاءات، التي افتتحها طوفان الأقصى ذات سبت اسود، لن يمضي طويل وقت حتى تصحو دولة المجانين من سبات سبتها المديد على واقع جديد، تغيّرت فيه اللعبة، تبدلت فيه موازين القوة وانتقل فيه المقاومون من خندق الدفاع الثابت الى خط الهجوم المتصاعد يوماً بعد يوم، وما خفي أعظم بكل تأكيد.