علا عبد اللطیف
الغور الشمالي–الغد- مع اقتراب حلول الشھر الفضیل، اتجھت العدید من النساء لتحویل بیوتھن إلى مطابخ إنتاجیة ”للمأكولات البیتیة“، بھدف تحسین أوضاعھن الاقتصادیة من خلال تلبیة طلبیات الزبائن لموائد الإفطار، حیث تكثر التجمعات والعزائم في ھذا الشھر الكریم.
ومن ھؤلاء النساء، ربات منازل في منطقة لواء الغور الشمالي، إذ یرتفع خط الفقر بھذه المنطقة
یوما بعد یوم، وترتفع نسبة البطالة بین صفوف النساء، إذ تعمل المرأة الریفیة من أجل المساھمة
في تأمین دخل إضافي لأفراد عائلتھا.
تعد ھؤلاء النساء قوائم من الأكلات البیتیة لا تنتھي مما یشتھي الصائم، بینما لا تجد المرأة العاملة
وقتا لاعداد ھذه الأطعمة، ومن ھنا تسلك ھذه المطابخ طریقھا في اللواء، لتثبت نجاحھا.
في لواء الغور الشمالي، والذي یعتبر من المناطق الأشد فقرا إذ تشكل نسبة الفقر فیھ 35 ،% یعمل
أھالي اللواء في القطاع العام والقطاع الخاص، أما النصف الآخر فیعمل في القطاع الزراعي مقابل
الحصول على أجرة بسیطة.
مھا خالد امرأة عاملة تقتضي طبیعة عملھا البقاء خارج المنزل لوقت متأخر، وعلیھ لا تستطیع
إقامة العدید من الموائد الرمضانیة، كما یرغب زوجھا في الشھر الفضیل، وبالتالي تلجأ لسیدة
ماھرة في الطبخ، حتى توفر لھا تشكیلة مرضیة أمام الضیوف.
تعمل مھا مدیرة في أحد البنوك، وھذا یعني الكثیر من المسؤولیات والإشراف على الكوادر العاملة،
والتأكد من بعض المعاملات البنكیة، ناھیك عن المراسلات المالیة. وتقول، عندما أصل إلى المنزل
أشعر بتعب شدید، ولا أستطیع أن أواصل جھدي بالمطبخ، وقد تعرفت على سیدة أثق بنظافتھا
وحسن إعدادھا للأطعمة، وكانت قد حولت زاویة من منزلھا إلى مطبخ إنتاجي، وأتواصل معھا
عبر الھاتف قبیل موعد العزائم الرمضانیة، وتقوم بإعداد أشھى الأطباق من الألف إلى الیاء.
وتؤكد شیرین الشناق أن أھم ما یمیز السیدات اللواتي یطبخن الطعام النظافة في إعداده، مشیرة إلى أنھا زارت السیدات كثیرا في مطابخھن للتأكد من النظافة، ومشاھدتھن وھن یعددن أصناف الطعام.
محمد أبو ھدیب، وھو شاب یدرس في جامعة العلوم والتكنولوجیا في إربد، وھو بالأصل من دولة
قطر، یقول: ”إن المطابخ الإنتاجیة ووجود سیدات یطبخن من منازلھن حل لیس فقط للمرأة العاملة،
بل أیضا للشباب المغتربین والعاملین بعیدا عن ذویھم وخصوصا في شھر رمضان، ففي ھذا الشھر
یفتقد الشاب أجواء الأسرة والطعام الذي تعده الأم، ویصبح الحل أمامھ الاتصال بھذه المطابخ،
وطلب ما تشتھیھ النفس من المأكولات والحلویات الرمضانیة.
قصص سیدات حققن نجاحا تؤكد الثلاثینیة إیمان صابر من لواء الغور الشمالي، أنھا حصلت على الثانویة العامة بتقدیر جید، إلا أن الظروف المالیة التي یعاني منھا أھلھا حالت دون قدرتھا على إكمال دراستھا الجامعیة، فقررت الزواج، إلا أن ھذا الارتباط لم یمنعھا من تحقیق حلمھا، ولكن أیضا العائق المالي لزوجھا حال من قدرتھا أیضا على تحقیقھ على أرض الواقع.
قررت إیمان أن تسجل بدورات في المركز المھني، وحصلت على دورات مكثفة في إعداد الطعام
وتقدیمھ، وكیفیة إعداد الحلویات، واستفادت من موقع التواصل الاجتماعي ”فیس بوك“ بشكل
إیجابي، إذ بدأت تنشر عروضا ”مغریة“ للسیدات في طھي أطباق ”یصعب إعدادھا وتتطلب وقتا“
وبأسعار زھیدة، ومن ھنا كانت البدایة لھا، فقد استطاعت الالتحاق بالجامعة وإنھاء السنة الأولى،
وذلك من المطبخ الإنتاجي الذي بدأت العمل بھ من الصفر، كما أنھا تساھم بسداد بعض مصاریف
المنزل.
وتحول الظروف المالیة في لواء الغور الشمالي من تحقیق أحلام العدید من الفتیات والنسوة جراء
انتشار البطالة بین صفوفھن والفقر في منطقتھن جراء غیاب المشاریع الاستثماریة والسیاحیة في
اللواء.
الفقر والحرمان دفع وشجع العدید من الفتیات اللواتي یحلمن بتحقیق طموحھن للبحث عن فرصة
عمل ذاتیة، دون التنقل من مكان إلى آخر، ودون تكلفة مالیة عالیة ترھق جیوبھن، بحسب العشرینیة صابرین خالد. إذ أكدت صابرین أنھا عملت بكل جھدھا وأفكارھا للإجابة على السؤال،
”كیف سأنجح في مطبخي الإنتاجي البسیط في شھر رمضان؟“.
بدأت صابرین للبحث عن خطوات تؤھلھا لإقامة مطبخ إنتاجي، وكانت البدایة من مشاركتھا في
أنشطة متعددة في الجمعیات والمراكز المھنیة تتعلم من خلالھا مھارات الطبخ، موضحة، وفي
بعض الأحیان كنت استعین بأمي، وعماتي، وكل من لدیھ القدرة على الطبخ بمھارة عالیة.
أسست صابرین صفحات متعددة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكل بدایة صعبة، إلا أنھ مع
الوقت، ومع تذوق النساء للطعام الذي أعدتھ، والذي حظي بإعجابھن، بدأ الإقبال على مأكولاتھا.
وتقول، الآن أفكر جدیا في الحصول على منحة لتأسیس مطبخ إنتاجي حقیقي، بدلا من الاعتماد
على مطبخ المنزل الصغیر، لأنھ أصبح مكانا ضیقا ولا استطیع تلبیة جمیع الطلبیات، وخصوصا في شھر رمضان، فھناك زیادة كبیرة في عدد الطلبیات إذ في بعض الأحیان أنجز كمیات كبیرة.
تقوم صابرین بإعداد العدید من أصناف الطعام الشھیة، ومنھا: المندي، الكبسة، الكبة، الفوارغ،
الأسماك، المنسف، المعجنات، وجمیع أنواع المشروبات والعصائر الخاصة برمضان، بالإضافة للحلویات الرمضانیة.
وتضیف، أنھا الفتاة الوحیدة بین إخوانھا، واغلبھم شباب، والدتھا مریضة ومقعدة، وبالرغم أن الطلبات في شھر رمضان متعددة وكثیرة، إلا أنھا قادرة على تنظیم وقتھا. مبینة، أن شھر رمضان یتطلب إعدادا أكثر للأطعمة أكثر من أي شھر في السنة، ففیھ تكثر التجمعات واللمات العائلیة، وتكثر العزائم بین الأقارب والأصدقاء، مبینة، وأصبح ھنالك وعي بخطورة الطعام الذي یباع في المطاعم، والخوف من استخدام مواد غیر طبیعیة، وعدم الالتزام بالنظافة التامة.
وتؤكد صابرین أن عدم قدرة المرأة على الطھي بسبب انشغالھا بعملھا أو عدم مقدرتھا الصحیة
تجعلھا تلجأ للمطابخ البسیطة حتى لا یظھر الطعام أمام الضیوف بأنھ ”جاھز التحضیر من المطعم“، وأنھا ھي من قامت بطبخھ، فیتم الاتصال بي لتأمین الطلبیات.
وتشیر، لقد استفدت من الدورات، ومن خبرة والدتي وأقاربي في إدارة مشروعي، وتعلمت الطبخات الشعبیة وأتقنتھا بكل یسر، معلقة، الإرادة، ھي فوق كل شيء كما أن الفقر وانتشار البطالة كان دافعا وراء نجاحي، ولیس معیقا في حیاتي، ووالدي یقدم لي الدعم والمساندة دوما بفضل الله، ویشجعني بكل خطوة أخطوھا.“.
كما تؤكد ذیبة بكار أنھا أثبتت أن المرأه قادرة على المنافسة وبقوة في تخطي الصعاب، مستذكرة
الصعوبة في تقبل المجتمع لعملھا في متنزه بین أحضان الطبیعة، عندما قررت إقامة مطبخ إنتاجي
بسیط یلبي رغبات الزوار من الأكلات المتنوعة، ”الشعبیة والافرنجیة“، بالإضافة إلى المشروبات
الباردة والساخنة، وھي تعیل 8 أفراد، ومن بینھم فتاة سوریة فقدت عائلتھا بظروف صعبة.