عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Mar-2020

بعد الانتخابات.. إسرائيل تعود إلى الحافة - ناتان ساش

 

* – (معهد بروكينغز) 
 
هل سيقرّر نتنياهو ضم مناطق من الضفة في حال تمكّن من تشكيل حكومة جديدة؟ لقد سخر الكثيرون من هذه الفكرة، مدّعين أنّها كانت لدعم الحملة لا أكثر. لكنني لا أشاطرهم الرأي. فخطّة ترامب فرصة لنتنياهو لرفع السقف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة لم يكن قادراً على فعلها أبداً من قبل. ولعلّها اللحظة التي يطرح فيها مقاربته الحذرة للدبلوماسية جانباً لصالح غياب دائم للحلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فإن لم يرَ أيّ عوائق من واشنطن في الأشهر المقبلة، فإنه قد يسير قدماً.
* * *
في الدوامة المستمرة للسياسات الإسرائيلية، يمكن بسهولة أن لا يتنبه المرء أن البلاد انتخاباتها الوطنية الثالثة في أقل من عام. بيد أن هذا التكرار السياسي المُخدر يخفي وراءه المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها هذه الانتخابات المتكرِّرة.
بعد الانتخابات الثانية التي أجريت في أيلول (سبتمبر)، كتبتُ أن أمراً واحداً نتج عن تلك النتائج المُبهمة: “لقد وصلت إسرائيل إلى الحافة في مسألتَين أساسيتين، وقد خطت الآن نصف خطوة إلى الوراء. هذه الانتخابات الثانية تطيح بخطط نتنياهو لتطبيق القانون الإسرائيلي رسمياً على أجزاء من الضفة الغربية، فيضم بذلك وادي نهر الأردن، وللجم سلطات المحكمة العليا الإسرائيلية من أجل ضمان الحصانة من المقاضاة بتهم الفساد الموجهة إليه”. فما وضع حافة السياسة الإسرائيلية بعد الانتخابات الثالثة التي جرت في 2 آذار (مارس)؟
 
نتائج الجولة الثالثة
بدت ليلة الثاني من آذار (مارس) في إسرائيل، حيثما كنتُ عندما صدرت استطلاعات رأي المقترعين، احتفالاً كبيراً بالانتصار لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وداعميه. وقد اعتبر فوزه رائعاً بقدر فوزه الأول في العام 1996. على عكس التوقعات، تحسنت نتائجه بشكل ملحوظ مقارنة بالانتخابات الثانية التي جرت منذ خمسة أشهر.
وتمنح استطلاعات رأي المقترعين كتلة نتنياهو 60 مقعداً بالضبط؛ أي أقل بمقعد واحد من الأكثرية النيابية. ومع صدور النتائج الأولية لنسبة 93 في المائة من الأصوات، ما يزال من المتوقع أن ينال حزب الليكود بقيادة نتنياهو تقدماً بثلاثة مقاعد عن الحزب المعارض الأساسي، حزب “أزرق أبيض”. ولكن، إذا بقيت النتائج الأولية كما هي، فستحظى كتلة الأحزاب المؤيدة لنتنياهو بقرابة 58 مقعداً من أصل 120؛ أي أقل بثلاثة مقاعد من الأكثرية.
قد تبدو هذه الاحتفالات محيِّرة نوعاً ما لأن 58 مقعداً ليست أكثرية في النهاية، والنتائج قريبة من نتائج الانتخابات الأولى في نسيان (أبريل). ففي تلك الانتخابات، بدا أن نتنياهو أمن فوزاً مضموناً، لكن رفض حليفه آنذاك أفيغدور ليبرمان الانضمام إلى تحالفه. ومن دون ليبرمان، كان لنتنياهو كتلة من 60 مقعداً؛ أي بالضبط نصف مقاعد الكنيست البالغة 120 مقعداً. ومع عجز نتنياهو عن نيل الأكثرية لتشكيل حكومة جديدة، علماً بأنه بحث بشكل مسعور عن شخص يميل من المعارضة ليعطيه الأفضلية، ومع خوفه من أن يحظى خصمه بيني غانتس بالفرصة لتشكيلها، أطلق نتنياهو تصويتاً لحل الكنيست.
وفي الجولة الثانية، في أيلول (سبتمبر)، انقلبت مراهنة نتنياهو بالعودة إلى الاقتراع ضده. فقد خرج فصيل المعارضة، حزب “أزرق أبيض”، بأن يكون الأكثر عدداً في الكنيست، ومع أن أحداً من الجهتَين لم يحظَ بالأكثرية، كانت الكتلة المعارضة لنتنياهو أكبر بعض الشيء من الكتلة الموالية له، وكان حزب ليبرمان هو الكفة المرجحة. ولأول مرة منذ زمن بعيد، بدا وكأن نتنياهو هو المستضعف. ولم يستثنه أحد من الحسابات طبعاً، لكنه لم يعد يستأثر بالانتباه ذاته.
من خلال مناورات لا تنتهي وتمكُّنٍ من المشهد السياسي، حال نتنياهو دون الوصول إلى نتيجة في الكنيست العالق الذي تلا الانتخابات الثانية. وبدأ فوراً حملة شرسة تهدف إلى إبراز مكانته الدولية. وصدرت “صفقة القرن” التي وضعتها إدارة ترامب والتي تنحاز كثيراً لصالح إسرائيل، بصدفة بحتة، في أنسب توقيت لحاجاته الانتخابية. وأطلق حملة لنزْع صفة الشرعية عن الدعم المقدم من القائمة المشتركة المرتكزة على العرب لغانتس لتشكيل حكومة، بغية الحؤول دون ظهور حكومة أقلية برئاسة غانتس مدعومة سراً من القائمة. وشرع حزبه؛ الليكود، في شن هجمات سافرة لا أساس لها ضد غانتس نفسه. فاعتمد الليكود أسلوب كارل روف واتهم غانتس بالقيام بممارسات فاسدة، وكأن نتنياهو في الواقع ليس في ورطة قانونية بادعاءات بالفساد.
والآن، في الصباح الذي تلا جولة الانتخابات الثالثة، بدا نتنياهو من جديد ذلك السياسي البارع لإسرائيل المعاصرة. وقد تحسن أداؤه بشكل بارز مقارنة بالجولة الثانية. صحيح أنه حقق النتائج ذاتها تقريباً التي حققها في الجولة الأولى، لكنه حققها على الرغم من اتهامه رسمياً بارتكاب ثلاث جرائم. ومن المقرر أن تبدأ محاكمته في غضون أسبوعين من انتهاء الانتخابات. ويبدو الآن أن المقترعين أعطوا نتنياهو انتصاراً، على الرغم من القضية المرفوعة ضده، أو ربما حتى بسببها. وفي حين أن الكثيرين ممن يُفترض أن يكونوا خبراء ظنوا أن نتنياهو انتهى عندما وجهت إليه الاتهامات الأولية، فقد تجمع داعموه لمعارضة ما اعتبروه محاولة انقلاب تقوم به الدولة العميقة ضد ممثل الإرادة الشعبية.
 
الخطوات التالية
ما يزال من الممكن أن تتغير هذه النتائج بمقعد أو مقعدَين لكل جهة عندما يتم عد كل الأصوات، ومن ضمنها أصوات الجنود والمساجين (الذين يستطيعون التصويت في الانتخابات الإسرائيلية شأنهم شأن أي مواطن آخر) وللمرة الأولى، أولئك الخاضعين للحجر الصحي لاحتمال تعرضهم لفيروس كورونا. لكن افتراضاً بأن مقاعد الكتلة الموالية لنتنياهو لم تصل إلى 61، يبدو أنه يمكن سلوك ثلاثة مسارات.
أولاً، سبق أن بدأ حلفاء نتنياهو بالكد بالعثور على فائزين من أحزاب معسكر اليسار الوسط قد ينضمون إلى تحالفه. وإذا عثروا على عدد كافٍ لترجيح كفة الميزان، سيشكل نتنياهو تحالفاً ضيقاً سيعتمد على كل أعضائه لنيل الدعم. وإن بقيت نتائج الانتخابات الأولية على حالها فشخصان يكفيان لترجيح هذه الكفة. وسيؤدي ذلك إلى ظهور حكومة متشددة للغاية، على الرغم من أنه بعد تشكيلها قد يحاول نتنياهو اجتذاب أحزاب أخرى من المعارضة للتخفيف من قوة المتطرفين في معسكره.
ثانياً، قد يقرر حزب من المعسكر المعارض لنتنياهو أن يدعمه، وبشكل خاص، حزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان. وقد يكون احتمال إجراء انتخابات أخرى رابعة مقلقاً كفاية وفوز نتنياهو الرمزي واضحاً كفاية لدرجة قد تجعل ليبرمان يقرر السماح بتشكيل حكومة يمينية حتى لو بقي خارجها، في البداية على الأقل. فبعد صدور استطلاعات رأي الناخبين، شدد ليبرمان على وعدَين: لا انتخابات رابعة ولا انضمام تحالف لنتنياهو تشارك فيه الأحزاب الأرثوذكسية. وإذا قرر ليبرمان الامتناع عن التصويت عند منح الثقة مثلاً، يمكن تشكيل حكومة أقلية يمينية وتفادي انتخابات رابعة. وسيصبح نتنياهو عندئذ رئيس وزراء من جديد، لكن من دون دعم برلماني ثابت.
ثالثاً، في أيلول (سبتمبر) 2020 تقريباً، قد يتم اتباع الطقوس السياسية الإسرائيلية، ويمكن أن أعود لأكتب مجدداً عن نتائج انتخابات وطنية إسرائيلية (رابعة) وعن الفروقات بين 59 و61. لكنني سأتفهم إذا كانت لديكم أمور أهم تهتمون بها.
 
هل عادت إسرائيل إلى الحافة؟
كانت الحملة الانتخابية الثانية في هذا العام المضطرب قذرة وبشعة. أما الثالثة، وقد انتهت لتوها، فكانت أسوأ بكثير. فنجاح نتنياهو، على الرغم من بروز ربما أكثرية طفيفة من المقترعين الذين عارضوه، يمنحه تفويضاً خطيراً في ما يتعلق بمصاعبه القانونية. فإن كان ما يزال قادراً في جولة الانتخابات الأولى على أن ينكر أنه مهتم بالالتفاف حول مشاكله القانونية من خلال تشريعٍ يحميه، فإنه سيستطيع الآن، في حال كسب الأصوات اللازمة، المتابعة بتشريع كهذا بحجة أن الناخبين يدعمون هذه الخطوة. وفي هذا السياق، تعود إسرائيل إلى حافة الإصلاحات القانونية التي تهدف أولاً إلى حماية شخص واحد مدعى عليه.
وهذا ما يجعل التفاصيل الأخيرة لكتلته السياسية غاية في الأهمية. فثمانية وخمسون مقعداً ستكون مختلفة تماماً عن 61 مقعداً. وإذا لم يضمن دعم الـ61 بالكامل، من بينهم المنضمون إلى كتلته من المعارضة، ستتأجل التهديدات لسلطة القضاء جزئياً على الأقل. وقد يخضع القضاء لإصلاح مع ذلك، لكن المحاولات الفاضحة لحماية شخص واحد من الخضوع للمحاكمة ستصبح أقل ترجيحاً.
بيد أن المحاولات لضم أجزاء من الضفة الغربية مسألة مختلفة تماماً. فحيال هذه المسألة الدرامية، وعلى عكس الحصانة لنتنياهو، يبرز دعم كبير في صفوف الأعضاء الذين يميلون إلى اليمين ضمن المعسكر المعارض لنتنياهو أيضاً، ومن بينهم ليبرمان وحزبه وأعضاء عدة من حزب “أزرق أبيض”. وبالتالي، يقع حصول الضم أو عدمه على عاتق نتنياهو ذاته، إذا ما أراد القيام بذلك من دون إطلاق حملة، وعلى عاتق القرارات المتخذة في واشنطن.
هل سيقرر نتنياهو الضم، في حال تمكن من تشكيل حكومة جديدة؟ هزأ الكثيرون من هذه الفكرة، مدعين أنها كانت لدعم الحملة لا أكثر. لكنني لا أشاطرهم الرأي. فخطة ترامب فرصة لنتنياهو لرفع السقف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بطريقة لم يكن قادراً على فعلها أبداً من قبل. ولعلها اللحظة التي يطرح فيها مقاربته الحذرة للدبلوماسية جانباً لصالح غياب دائم للحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فإن لم يرَ أي عوائق من واشنطن في الأشهر المقبلة، فإنه قد يسير قدماً.
علاوة على ذلك، إذا لم ينجح إلا في تشكيل تحالف ضيق، سيكون متكلاً على كل أعضاء التحالف، ومن ضمنهم اليمين المتطرف الذي دعا إلى تشكيل “حكومة سيادة” (على الضفة الغربية). وبإمكان حساباته السياسية، التي لها كلمة الفصل عادة، أن تفعل ذلك بسهولة.
ربما وصل هذا العام الغريب المديد في السياسات الإسرائيلية إلى نهاية شبيهة ببدايته؛ أي مع نتنياهو مبتسم وفائز ظاهرياً، ولا فائز حقيقياً، وإسرائيل عادت إلى الحافة.
 
*مدير مركز سياسات الشرق الأوسط، وزميل السياسة الخارجية في معهد بروكينغز.