عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jun-2021

«فيسبوك» الإخبارية... بين منافسة الصحافة وتدعيمها

 الشرق الاوسط- فتحية الدخاخني

أثار إعلان شركة «فيسبوك» عزمها إطلاق نشرة إخبارية نهاية يونيو (حزيران) الجاري، مخاوف العاملين في مجال الصحافة والإعلام، من أن تؤثر المنصة الجديدة على مستقبل المواقع الإلكترونية الصحافية. وبينما أكدت «فيسبوك» أن «هدفها دعم الصحافيين ومنتجي المحتوى المستقلين»، رأى خبراء إعلاميون أن هناك مخاطر تتلخص في صعوبة المنافسة مع شريك قوي مثل «فيسبوك»، وأن هذه المنافسة لن تكون عادلة.
وفقاً لما أعلنته «فيسبوك» فإن «المنصة الجديدة ستضمن إصدارات مجانية، وإصدارات باشتراكات. وستركز في البداية على أخبار الرياضة والبيئة والموضة، ومن المنتظر أن يبدأ تطبيقها في الولايات المتحدة الأميركية». وأوضح كامبل براون، نائب رئيس «فيسبوك» للشراكات الإخبارية العالمية، في بيان صحافي للإعلان عن المنصة، خلال مارس (آذار) الماضي، أن «فيسبوك تريد أن تعمل على دعم الصحافيين ومنتجي المحتوى المستقلين، لتسهيل عملهم، ولذا سنطلق في الولايات المتحدة منصة جديدة لتقوية الصحافيين المستقلين ومساعدتهم على الوصول للجماهير، وتنمية هذا الجمهور، وسنبدأ العمل من خلال شراكات مع عدد محدود من الصحافيين المستقلين».
ومن ناحية ثانية، لتنفيذ المشروع عرضت «فيسبوك» على الصحافيين عقوداً لمدة عامين لإنتاج محتوى للمنصة الجديدة، مع إمكانية إنهاء العقد بعد عام واحد»، وذلك لإقناعهم بـ«التزامه بالمشروع»، إلا أن مراقبين يرون أن «بنود التعاقد مع الصحافيين المستقلين لم تنشر، وهو ما يجعل الاتفاق غير واضح».
الدكتورة أروى الكعلي، المدربة والباحثة والأستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، ترى أن «فيسبوك اعتاد أن يطلق عدداً من المبادرات، التي تثير التساؤلات حول شكلها ومضمونها، ومدى الثقة فيها، وهل يمكن أن تتحول إلى مشروع إعلامي ضخم؟». وأردفت لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه التساؤلات لا يمكن الإجابة عليها؛ إلا بعد التجربة، ومن خلال المستخدمين أنفسهم». وتابعت أن «فكرة تعاقد فيسبوك مع صحافيين ومنتجي محتوى تطرح تحديات على العديد من المؤسسات الإعلامية، خاصةً، أنه يصعب على أي وسيلة إعلامية منافسة عملاق بحجم فيسبوك. وهذا يعني ببساطة أن فيسبوك ستحتكر ما نعلمه... ومن السهل أن نستنتج، أن هذه التجربة إذا نجحت، يمكن أن تهدد التعددية، ناهيك عن الترسانة التسويقية التي تمتلكها».
من جانبه، قال ديمون كيسو، الأستاذ بكلية الصحافة في جامعة ميسوري الأميركية، لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يعلم تفاصيل العقود التي يقدمها فيسبوك للصحافيين، وما الذي يلزمهم بالعمل مدة 12 أو 24 شهراً، لكن يبدو أن هذا المشروع رد فعل على الارتفاع - على الأقل في الولايات المتحدة – لـ«ميديوم» Medium و«سبستاك» Substack كمنصات توزيع وتمويل للمبدعين المستقلين، إضافة إلى اقتحام تويتر لهذا المجال مع نشرة «ريفيو». لكن الفارق هو أنه يمكنني الانضمام إلى هذه المنصات أو مغادرتها في أي وقت دون أي التزامات». وأضاف أن «توفير برنامج تدريبي في المبادرة قد يكون له بعض التأثير في شروط التعاقد؛ لكنني أعتقد أنه من الصعب الالتزام لمدة عام دون ضمانات قوية».
عودة إلى الكعلي، فإنها تشرح أنه «عندما ظهر فيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، كان المستخدمون هم من يصنعون المحتوى، ولكن تدريجياً، من خلال فقاعات الفلترة والخوارزميات أصبح فيسبوك يتحكم في المحتوى»، مشيرة إلى أن «خوارزميات فيسبوك هي التي تصنع أجندتنا وحتى أجندة وسائل الإعلام. وإذا أضفنا إلى ذلك أن فيسبوك سيتحول إلى منتج أيضاً للأخبار، وسيوظف خوارزمياته للترويج لها، وقد تندرج في المستقبل في سياسة فيسبوك لمكافحة التضليل والمغالطة - ومع صعوبة منافسته - فإن معنى ذلك أن فيسبوك سيتحكم في النهاية فيما نعرفه».
كيسو، في المقابل، يرى أنه «كما هو الحال في جميع جهود فيسبوك المتعلقة بالأخبار، فإنه أحياناً ما تكون هناك بعض الفوائد للصحافة، وقد كانت الاستثمارات التي قام بها كل من فيسبوك وغوغل مفيدة لغرف الأخبار الصغيرة والمحلية، وبخاصةً إبان جائحة كوفيد– 19». واستطرد موضحاً «بشكل عام، هناك مشكلة في حجم الانتشار عندما تتضافر جهود الصحافة الصغيرة والمحلية مع منصات التكنولوجيا الكبيرة. فمعظم غرف الأخبار، وبضمنها المبدعون المستقلون، لا يستفيدون من حجم الانتشار، لا سيما النطاق الذي تقدمه شركات التكنولوجيا العملاقة، الذي عادة ما يكون محلياً وعالمياً». وأشار إلى أن «كثرة من مشاريع الصحافة الناشئة عادة ما تستهدف حدوداً جغرافية معينة، ومواضيع متخصصة. وهو ما يتطلب العمل على تعزيز الاندماج في المجتمع بمعدل نمو بطيء ومركز، بعكس النماذج الإعلانية الربحية التي تعمد إلى النمو السريع».
أيضاً، بحسب ما أعلنته شركة «فيسبوك»، فإن «المنصة الجديدة توفر عدداً من سبل الدعم للصحافيين ومنتجي المحتوى المستقلين، من بينها، أدوات نشر ذاتية مجانية وخيارات لتصميم مواقع ونشرات إخبارية بريدية، مع إمكانية عمل مجموعات على موقع فيسبوك، والاندماج مع الصفحات على فيسبوك لتسهيل نشر مواد الوسائط المتعددة، إضافة إلى وسائل لتسهيل وصول الجمهور لهذا المحتوى وتسويقه على الإنترنت، ووسائل للحصول على عائدات مالية، مع مؤشرات أداء لتقييم المحتوى ومدى تفاعل الجمهور معه».
وعن هذا الجانب، تقول الكعلي إن «المبادرة إلى الآن تشمل مواضيع معينة مثل الرياضة والبيئة، وتستثني السياسة. إلا أن لا شيء يمنع فيسبوك، حال نجاحها، من الاهتمام بمواضيع أخرى من بينها السياسة... وبالتالي، يجب أن نتابع وننتظر، فهناك الكثير من المبادرات الشبيهة التي أطلقها موقع فيسبوك ولم يواصل فيها. ثم إن تطوير هذه الفكرة سيتطلب وقتاً، وربما لن تكون شركة فيسبوك قادرة على منافسة وسائل الإعلام في البداية...».
وتؤكد الكعلي أيضاً أن «المنافسة المجحفة وظهور هذه الشركات، أثرا بالفعل في ديمومة المؤسسات الإعلامية حول العالم. وغالبية وسائل الإعلام لا تمتلك منصة ترويجية مثل فيسبوك، بل بالعكس، هاجرت وسائل الإعلام نحو منصات التواصل الاجتماعي، وأصبحت تنتج محتوى خاصاً بها عليها». وهنا تتساءل الخبيرة والباحثة التونسية «هل ستقدم خوارزميات موقع فيسبوك مستوى النشرة على حساب محتوى وسائل الإعلام الأخرى؟ وهل سيمطرنا بإعلانات خاصة بالترويج للنشرة ليل نهار؟ وهل سيطور الفكرة إلى مناطق أخرى من العالم؟... كل هذه التساؤلات تجعلنا في حاجة ماسة إلى مقاربة أخلاقية وتعديلية لمختلف هذه الاستخدامات».
ولكن بالنسبة للبروفسور كيسو فإن «الخطر الحقيقي الذي يواجه الناشرين يتمثل في مواصلة الاستثمار بزيادة الجماهير على منصات لا يمتلكونها أو يتحكمون فيها». وهو يقول إن «الكثير من الجهود التي تبنتها منصات التكنولوجيا الرقمية صممت بحسن نية للتفاعل مع الصحافة المحلية ودعمها؛ لكن انعدام التوافق في الحجم والرسالة مع الصحافة المحلية، يمثل مخاطرة كبيرة للناشرين».
ويتابع كيسو فبقول أنه «من السهل أن تصبح الصحافة تعتمد على هذه المنصات إما مالياً أو للوصول إلى الجماهير، ومن ثم تعاني عندما ينضب هذا التمويل، أو تتغير شروط المشاركة من جانب واحد. ومن ثم، ففي كل حالة، يمكن أن تكون هناك أسباب وجيهة للصحافيين للدخول في شراكة مع شركات التكنولوجيا العملاقة في مثل هذه المبادرات، ولكن يتوجب عليهم الحذر، وأن يقيموا المخاطر والفوائد بعناية».
هذا، وفي حين تقول شركة «فيسبوك» إنها منذ عام 2018 استثمرت 600 مليون دولار لدعم الصحافة، وتعتزم استثمار مليار دولار في الأخبار خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع استمرار دعم الناشرين من خلال «مشروع فيسبوك للصحافة» وغيرها من المبادرات. تشير الدكتورة الكعلي إلى أن «وسائل التواصل الاجتماعي أولاً، وجائحة كوفيد - 19 ثانياً، أثرتا بشكل سلبي على صناعة النشر ومبيعات الصحف حول العالم. والمنافسة مع فيسبوك، بطبيعة الحال لن تكون عادلة. وإذا تطور المشروع سيكون بمثابة حوت يتنافس مع أسماك صغيرة، وهذا مع أن هناك من سيظل يفضل الأسماك الصغيرة. وبالفعل، ثمة فئة من المستخدمين لا يثقون بفيسبوك، إضافة إلى أن المستخدمين يتغيرون باستمرار».