عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Nov-2020

بشر الخصاونة وشعرة معاوية*د. هزاع عبد العزيز المجالي

 الراي

يقال إن أعرابياً سأل معاوية بن أبي سفيان: كيف حكمت الشام أربعين سنة ولم تحدث فتنة والدنيا تغلي؟ فقال معاوية: «لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي, ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كانوا إذا مدوها أرخيتها، واذا أرخوها مددتها».
 
إن مقولة الخليفة معاوية أصبحت مع الزمن من الأمثلة الدارجة على ألسن الناس، وكذلك أصبحت تستخدم كوسيلة في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ولا سيما في المفاوضات بين الأطراف بأشكالها المختلفة. ويُقصد منها إبقاء العلاقة مع الطرف الآخر موجودة تتبدل ما بين اللين والشدة في حدها الأدنى, فشد شعرة معاوية وقطعها سوف يؤدي الى ما وصلت إليه القشة التي قصمت ظهر البعير.
 
إننا في خلال الأيام القادمة مقبلون على إستحقاق دستوري جديد, بافتتاح جلالة الملك للدورة العادية لمجلس النواب التاسع عشر, بخطاب العرش السامي. وأصبح عرفاً أن تقوم الحكومات المكلفة باعتبار خطاب العرش السامي برنامجاً للحكومة, وفي طلب ونيل الثقة من المجلس, لتدخل بعدها الحكومة على استحقاق دستوري آخر يتمثل في مناقشة مشروع (قانون الموازنة العامة) للعام 2021م. فإذا ما اعتبرنا أن أعضاء مجلس النواب هم من يمثلون الشعب رقابياً وتشريعياً, فإن خطاباتهم ومناقشاتهم لإعطاء الثقة وقبول إقرار على الموازنة العامة سوف تكون استعراضية, وعلى الأغلب سوف تركز على المطالب الاقتصادية في محاولة لإرضاء الرأي العام وإثبات الوجود لا أكثر.
 
لقد أثبت رئيس الوزراء الدكتور بشرالخصاونة أنه رجل دولة, يمتلك الكثير من الحنكة السياسية، ذلك أنه استشعر حجم الإحباط النفسي لدى الناس, وتردي الأوضاع الاقتصادية بسبب جائحة كورونا, رغم تصريحاته المسبقة بأنه لا يبحث عن الشعبوية في قراراته. فلقد أعلنت الحكومة على عكس مجريات الأحداث قرارات جريئة, قلبت كافة الموازين, فأعلنت الحكومة بأنها لن تقوم بفرض أية ضرائب جديدة في موازنة 2021, وإعلانها عن إعادة العمل بالزيادة المقررة لموظفي الحكومة, والعلاوات المقررة بموجب نظام رتب المعلمين, وكذلك إعلانها عن رفع مكافأة نهاية الخدمة لضباط وأفراد القوات المسلحة الأردنية, وكذلك عن حزمة إجراءات لتوسيع الحماية الاجتماعية للأفراد المتضررين من جائحة كورونا, وكذلك قرار البنك المركزي بتمديد العمل بقرار تأجيل أقساط البنوك للأشخاص والقطاعات المتضررة من وباء كورونا. والأهم كان فيما يتعلق بالجانب الصحي بالإعلان الواضح والصريح بعدم اللجوء للحظر الشامل, ناهيك عن التوسع في بناء المستشفيات وأمر الدفاع الأخير (23) الذي خول به الرئيس وزير الصحة بوضع اليد على أي مستشفى كليا أو جزئيا لاستقبال حالات كورونا.
 
يمكننا القول إن رئيس الحكومة أبرق برسائل مهمة، للناس والسلطة التشريعية, بأن جعل شعرة معاوية (جدلة) من الشعر, ولم يجعل للسيف مطرحاً, وأزال القشة التي قصمت ظهر البعير, حتى أصبح لدي فضول لمعرفة عما سوف يتحدث النواب في جلسة الثقة وجلسة إقرار الموازنة.