عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Jul-2024

الأخطار المستقبلية للعدوان على غزّة*د. صلاح جرّار

 الراي 

ثمّة أهداف إسرائيلية قريبة المدى، أو أهداف معلنة مباشرة، وأهداف بعيدة المدى أو غير معلنة يرمي إليها الاحتلال الإسرائيلي وداعموه في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا من عدوانهم الوحشي الغاشم وغير المسبوق على غزّة، وإلى جانب هذه الأهداف ما ظهر منها وما بطن، توجد أخطار ونتائج بعيدة المدى قد تظهر نتيجة هذا العدوان واستمراره وتصاعد وحشيته وعجز العالم عن وضع حدّ له.
 
أمّا الأهداف المباشرة والمعلنة فأبرزها ما يردّده المسؤولون الإسرائيليون على الدوام من الرغبة في القضاء على فصائل المقاومة وإنهاء ما يسمّونه حكم حماس في قطاع غزّة ونزع سلاح المقاومة ومنع وصول الأسلحة إلى غزة وتدمير الأنفاق وتصفية قيادات المقاومة وتحقيق الأمن لمستوطنات غلاف غزّة وضمان عدم تكرار هجوم السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) بالإضافة إلى تكريس الاحتلال للأراضي الفلسطينية كافّة، وغير ذلك.
 
أما الأهداف غير المعلنة فأبرزها ما يشهده العالم كلّه من إبادة أهل غزّة بالقصف والتدمير والحرق والتجويع والتعطيش ومنع الغذاء والدواء عنهم، ولم يعد هذا الهدف خافياً على أحد، لأنّ الواقع يشهد به. وثاني هذه الأهداف غير المعلنة هو احتلال قطاع غزّة وإعادة زرعه بالمستوطنات والمستوطنين، ومع أنّ رئيس الوزراء الصهيوني لا يعلن ذلك بصورة مباشرة إلاّ أنّ إصراره على البقاء في معبر رفع وأماكن أخرى في غزّة يؤكد نيّته في الاستمرار في احتلال القطاع وتهجير سكّانه ويحثّه على ذلك وزراؤه الحاقدون المتطرفون مثل بنغفير وسموتريش وغيرهما.
 
ومن الأهداف غير المعلنة أيضاً الانتقام من أهل غزّة على ما قامت به المقاومة في عملية طوفان الأقصى، وهو انتقام لا يقف عند حدّ ويعبّر عن مقدار الحقد الذي يملأ صدور الصهاينة ومدى الشعور بالإهانة والعار الذي لحقهم من جرّاء عملية طوفان الأقصى. ويتّصل بذلك محاولة الصهاينة محو الأثر النفسي العميق الذي خلّفته تلك العملية وتيقّنهم من حقيقة مهمّة وهي أنهم ليسوا في مأمن من العقاب الذي قد يحيق بهم من حيث لم يحتسبوا وفي أيّ وقت نتيجة احتلالهم أرض غيرهم وقيامهم بممارسات احتلالية إجرامية، ولذلك فإنّهم في هذا العدوان الوحشي والمتواصل على غزّة كأنّما يحاولون يائسين جعل الإسرائيليين يستعيدون شعورهم بالتفوّق والأمن المطلق، واستعادة ما يعرف بنظرية الردع.
 
كما يرمي الجيش الصهيوني من خلال إفراطه الشديد في القتل والتدمير وارتكاب المجازر والإبادة بكلّ الوسائل والصور والأشكال إلى إعطاء الفلسطينيين والعرب والمسلمين وغيرهم درساً فحواه أنّ كلّ من يحاول المساس بالكيان الإسرائيلي سوف يناله عقاب غير محدود ويكون مصيره التدمير والإبادة، وقد ظهر هذا مراراً من خلال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتضمنة تهديدات لحزب الله بإعادة لبنان إلى العصر الحجري وتحويل المدن اللبنانية إلى غزّة أخرى إذا شنّ عدواناً على الكيان الإسرائيلي.
 
ويلاحظ أن الأهداف الأساسية لهذا العدوان في أكثرها هي أهدافٌ نفسيّة يقصد بها التأثير النفسي العميق على الإسرائيليين وعلى الفلسطينيين والعرب، فالكيان الصهيوني في جميع حروبه يعتمد كثيراً على الحرب النفسية ويخطّط لها تخطيطاً دقيقاً ومدروساً كي يضمن تأثيرها وتحقيق نتائجها، لكنّ حربه هذه المرّة استخدم فيها أسلحة التدمير والبطش والإبادة لإسناد وسائله وأدواته وخططه النفسيّة، وذلك لأنّه تلقّى في عمليّة طوفان الأقصى ضربة نفسيّة صاعقة هزّت أركانه وتركت آثاراً نفسية عميقة عند مستوطنيه وجنوده. لذلك فإنّ ما يستخدمه من وسائل نفسيّة وعسكرية لن تعيد للإسرائيليين ثقتهم بأنفسهم ولا بجيشهم كما لن تعيد لهم شعورهم الدائم بالأمن، وفي المقابل فإنها لن تهزّ الروح المعنوية للفلسطينيين الذين اكتشفوا نقطة ضعف العدوّ وسوف يستمرّون في الضرب عليها، كما أنّ ما ارتكبه الإسرائيليون من المجازر والفظائع سوف يزيد أهل فلسطين إصراراً على النيل من هذا العدوّ والأخذ بالثأر منه.
 
لكنْ ثمّة خطران آخران قد ينجمان عن الجرائم الصهيونية واستمرارها، وقد يكون أحد هذين الخطرين أو كلاهما ممّا خطّط له الصهاينة كهدفين بعيدين، أمّا الأوّل وهو بالغ الخطورة، ويتمثل في اعتياد العالم لمشهد إسقاط القنابل التي تزن الواحدة منها ألف كيلوغرام على مربّعات سكنية أو تجمّعات مدنيين أو مستشفيات، مع التصاعد اليومي لأعداد الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى، واعتياد العالم لمشهد الأطفال الذين يموتون جوعاً وعطشاً وحرقاً وتقطيعاً، حيث إنّ تكرار هذه المشاهد وتراجع التفاعل العاطفي معها يوماً بعد يوم، قد يمهّد لتقبّل الناس في كلّ أنحاء العالم لما قد يكونُ أكثر وحشيةً وتدميراً، كأن يستخدم الصهاينة سلاحاً أشدّ فتكاً وإفناءً للمدن والأحياء وربّما الدول في غزة أو غيرها، ويعزّز احتمال وقوع هذا الخطر أنّ الإسرائيليين وهم يقومون بارتكاب الفظائع التي ارتكبوها استطاعوا الإفلات من المحاسبة، ونجحوا في تأخير إجراءات المساءلة عمّا قاموا به إلى حين استكمال جرائمهم، وهم مطمئنون إلى أنّهم مهما كان حجم إجرامهم أو شكله أو مداه في المستقبل فإنهم سوف يفلحون في الإفلات من العقاب والحساب والمساءلة من أي مجازر لاحقة ولا سيّما إذا استمرّت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب في دعمهم ورعايتهم والدفاع عنهم. لكنّ الخطر الذي قد لا يتنبّه له العالم هو أن نجاح الصهاينة في التنمّر على الفلسطينيين والعرب والمسلمين سوف يشجّعهم على ممارسة هذا التنمّر ضدّ دول أخرى.
 
أمّا الخطر الثاني الذي قد ينشأ عن هذا العدوان الإجرامي على غزّة واستمراره مع عجز العرب والمسلمين عن إيقافه، فهو تشكيل تنظيمات سريّة خطيرة ومختلفة عن سابقاتها تقوّض أمن العالم، وقد يكون بعضها مدفوعاً بالرغبة في الانتقام من الصهاينة ومن وقف إلى جانبهم في حربهم على غزّة، وقد يكون بعضها الآخر بدافع غياب العدالة والملاحقة القانونية للمجرمين، فإذا كان الصهاينة على فظاعة ما ارتكبوه من الجرائم غير المسبوقة قد أفلتوا من العقاب فإنّه يكون من حقّ أيّ جهة أخرى أو تنظيم آخر يمارس الإجرام أن يفلت من العقاب أيضاً. ومما يزيد من احتمالية هذا الخطر أنه أصبح بإمكان أيّ تنظيم سرّي أن يمتلك تكنولوجيا صناعة أسلحة الدمار الشامل من عسكرية وجرثومية وكيماوية وسيبرانية وغيرها.
 
لذا فإنني أتمنّى أن يتنبّه المسؤولون العرب والمسلمون والأمميّون إلى هذين الخطرين وألاّ يغضّوا الطرف عن احتمالاتهما وعواقبهما المستقبلية.