عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Sep-2023

"التدوين" وتفريغ الأفكار بالكتابة.. إنجازات مهمة "غيبتها" الأجهزة الذكية

 الغد-منى أبو حمور

 لم يكن ينسى يوما تدوين ما ينجزه خلال يومه، يبدأ باجتماعه الصباحي وإنجازاته الصغيرة مرورا بتفاصيل اختبرها وحتى مشتريات المنزل، ليتفاجأ في عطلة نهاية الأسبوع بالكم الهائل من المهام التي قام بها طوال الأسبوع.
 
 
مشاعر متضاربة التي يشعر بها الأربعيني خالد عندما يرى الكم الهائل من المهام والإنجازات التي يقوم بها بعد أن يعود إلى دفتر ملاحظاته، فربما توضح من جهة أخرى كيف انتهى اليوم من دون أن يشعر بطول الساعات.
 
حتى ربات البيوت كان لديهن دفتر ملاحظات لكنه من نوع آخر، اعتدن أن يكتبن عليه المهام التي يجب أن يقمن بها خلال اليوم حتى لا تضيع تلك الواجبات في زحام المسؤوليات وفوضى المهام المتراكمة.
لكن، أخذت الأجهزة الذكية بأنواعها المختلفة مكان أوراق الأجندة، فأصبحت الاجتماعات والمذكرات وحتى التنبيهات تحفظ داخل تلك الأجهزة فاختلفت علاقة الأشخاص بالقلم والورقة وتحولت الإنجازات والتفاصيل الطويلة التي يقوم بها الأفراد خلال اليوم مجرد كلمات مفتاحية وتواريخ لحفظها.
لم يقتصر التحول الكبير على استبدال دفتر الملاحظات بالهاتف أو الأجهزة اللوحية فقط، بل بات يختصر الكثيرون التفاصيل بصورة واحدة أو ربما تسجيل صوتي قصير أو مقطع من الفيديو الذي لا يتجاوز الثواني، ولكن سرعان ما تنساه الذاكرة على عكس ما يتم تدوينه بخط اليد على دفتر الملاحظات بحسب محمد حسن الذي يؤكد أن كثيرا من المهام والإنجازات لا يتذكرها إلا إذا قلب هاتفه الذكي.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع يشير إلى أهمية تدوين الملاحظات في تنظيم أفكار الأفراد وحتى علاقاته مع الآخرين وكيفية تعامله مع ما يقوم به من إنجازات وإتمام مهام خلال اليوم أو الشهر، وبالتالي يكون أكثر قدرة على تنظيم أمور حياته.
وتسجيل المعلومات في كل مجال من مجالات الحياة الشخصية والمهنية؛ من أهم أساسيات النجاح وتساعد في تحسين القدرة على  التعلُّم والتخيُّل والإبداع وفق جريبيع.
ويلفت جريبيع إلى أن كثيرا من الآباء والأمهات في القدم كانوا يلجأون إلى دفاتر الملاحظات أو ما يعرف بالأجندة لتدوين كل ما يمرون به خلال اليوم أو يقومون به أو حتى ينوون القيام به، إلا أن تلك المهارة لم تعد شائعة اليوم خصوصا بعد دخول التكنولوجيا.
ويقول جريبيع، "منذ أن لم يعد أحد يدون ملاحظات لم يعد يشعر أحد بقيمة إنجازه خلال اليوم وربما أنه لم يقوم بشيء مهم.
أختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة يوضح بدوره أن تدوين الملاحظات يساعد في إطلاق العنان للأفكار في الذهن، وتسجيلها على الورق، كما يشعر الأشخاص بعظمة المهام التي قاموا بها، بحيث تصبح هذه الملاحظات مرجعا للمعرفة، وتمدهم بأفكار جديدة أو حتى تمكنهم من تقييم الأداء والمهام التي عليهم وتساعدهم في استنباط مهارة إدارة الوقت، وتعزز الإنتاجية.
الإنسان بطبيعته بحسب مطارنة، لا يستطيع أن يتذكر كل شيء لذا لا بد من أن يسجل كل ما يقوم به أو سيقوم به بملاحظات صغيرة على ورقة، خصوصا وأن هناك الكثير من الأشياء التي تتزاحم في الذهن وتشغل البال والعقل بسبب ظروف الحياة الصعبة، الأمر الذي يشعر الكثيرين بالضغط وعدم القدرة على إدارة الوقت وتنظيم العمل.
ويلفت إلى أن الشخص الذي يكتب أفكاره وينظمها على الورق ينمي مهارة الإبداع لديه وتزيد من فرص نجاحه في الحياة.
ويقول، "يجب أن نفرغ كل ما يقلق عقلنا على ورق لتخفيف الضغط والارتباك على أنفسنا"، تدوين الملاحظات يريح العقل والفكر بدلا من إجهاده بمحاولة تذكر ما قام به الشخص أو أنجزه خلال اليوم حتى لا يشعر بأنه هدر وقته.
يميل البشر إلى نسيان ما يقرب من
٪40 من المعلومات الجديدة خلال الـ24 ساعة الأولى من قراءتها أو سماعها؛ لذا يمكن أن يساعدك تدوين الملاحظات الفعَّال في الاحتفاظ، واسترداد ما يقرب من 10 ٪ من المعلومات التي تتلقاها.
من جهة أخرى تُظهر العديد من الدراسات أنَّ عملية تدوين الملاحظات تساعد الناس في تعزيز عملية التعلم وتحقيق أهدافهم.
 وتتمحور إحدى فلسفات بريان تريسي (Brian Tracy) الأساسية لتحقيق الأهداف حول تدوينك أهدافك؛ لأنَّك تلتزم بما تكتبه أكثر مما تقوله.
درست الدكتورة "جيل ماثيوز" أستاذة علم النفس بجامعة "الدومينيكان في ولاية كاليفورنيا" مؤخراً فنَّ وعلم تحديد الأهداف؛ حيث استنتجَت من خلال بحث جماعي، أنَّ أولئك الذين دَوَّنوا أهدافهم وأحلامهم بانتظام حققوا تلك الرغبات في مستوى أعلى بكثير من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك. 
كما اكتشفت أنَّ احتمالية تحقيق أهدافك وأحلامك تزداد بنسبة 42 ٪، وذلك ببساطة من خلال تدوينها باستمرار.
وتُعزِّز عادةُ تدوين الملاحظات تركيزك وإنتاجيتك وإبداعك؛ بحسب الكثير من الدراسات حيث يمكن أن يساعدك في تسجيل جميع أفكارك، والاحتفاظ بالمعلومات التي يمكن أن تؤهلك للنجاح. 
ولفتت "جيل ماثيوز"، إلى أن البدء بتطوير مهارة تدوين الملاحظات كعادة لك، سيصبح أمراً طبيعياً أثناء الاجتماعات والمناسبات والندوات وورشات العمل وما إلى ذلك.
تنظيم الأفكار من التحديات التي يواجهها الأشخاص أثناء تدوين الملاحظات، لذا فإن تنظيمها يتيح الرجوع إليها فيما بعد؛ إذ لا يكفي تدوين الملاحظات فحسب، بل عليك أن تعيد النظر في ملاحظاتك، وتُثبِّت المعلومات المهمة في ذهنك.
وتقول، "حينما تُركِّز انتباهك تركيزاً كاملاً في اجتماع، وتعمل على تدوين الملاحظات، سوف يساعد ذلك عقلك في الانفتاح، وسوف تتوسع عملية تفكيرك؛ حيث تبدأ في الانتباه إلى الروابط التي قد تغفل عنها ما لم تُدوِّن ملاحظة تخصها. يساعدك هذا في طرح الأسئلة المناسبة حين تحتاج إلى توضيح نقطة معينة، أو عندما تخطر ببالك فكرة جديدة تريد استكشافها أكثر".
ويتفق الخبراء على أن تدوين الملاحظات أحد مفاتيح نجاح العديد من رواد الأعمال رفيعي المستوى، واتخاذها عادة ستمكن الأشخاص من اتخاذ قرارات أفضل، وحل المشكلات بكفاءة أكبر، وستكون أكثر إبداعاً، وستتحسَّن عملية تعلمك، وستتعزز إنتاجيتك.