عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Jun-2020

جدلية العلاقة بين النص الديني ومفهــوم الدولـة المدنيـة في الدستــور - د. عبدالكريم محسن ابو دلو

 

الدستور - ترتبط بالدولة أوصاف متنوعة تستند إلى معايير مختلفة من قبلية ودينية وعلمانية. ويعتبر مفهوم المدنية من أكثر المفاهيم السائدة حاليا لوصف الدولة، الذي ينبني على مدى كفاءة الدولة بسلطاتها المختلفة على تقديم الحقوق لمواطنيها وحمايتهم بعدالة ومساواة دون الإحتكام إلى معيار تمييزي، فهو مفهوم مؤسّس على فكرة المواطنة البحتة باعتبارها المعيار الحاسم برسم العلاقة الدستورية بين الفرد والدولة. ومع ذاك فمفهوم المدنية يستوعب فكرة الدين، خلافا للعلمانية التي تهدف إلى التخيير بين الدين والدولة.
 
ولقد تضمن الدستور الأردني مجموعة من النصوص ذات المحتوى الديني المرتبطة بالقيم الإسلامية الأساسية. وأوضحها المادة 2 بأن (الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية)، الذي يدل على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب الأردني وعمق الدولة الحضاري. وانعكس أثر هذا النص باشتراط من يتولى الملك أن يكون مسلما مولودا من زوجة شرعية ومن أبوين مسلمين.
 
ولم يقتصر النص على هوية الدولة الدينية بدساتير الدول الإسلامية، بل أن أعرق الدول الديمقراطية أوردت بدساتيرها عبارات دينية، كالمادة الثانية من دستور النرويج بأن (الإنجيلية اللوثرية ستظل الدين الرسمي للدولة، ويلتزم السكان المعتنقون لها بتنشئة أبنائهم بموجبها).
 
ويثور التساؤل حول مدى أثر هذه النصوص على اعتناق الدستور الأردني لمفهوم الدولة المدنية.
 
إن النص بأن الاسلام دين الدولة هي جملة دستورية لها معناها بفعلها القانوني ومغزاها الفكري وأحد مكونات النظام العام ولا يمكن أن تكون عبارة رمزية، فلها العديد من الآثار في التشريع والبنية الكلّيّة للدولة وتوجهاتها الأساسية. بالتالي فإن هذا البناء الدستوري للنص الديني يُحدث أثرا عميقا في الدولة ومكوناتها. فمثلا يتردد تأثير هذه الفاعلية بشكل جليّ بالحصر الدستوري لتطبيق المحاكم الشرعية في قضائها أحكام الشرع الحنيف.
 
 ولكن هل يؤثر ذلك البناء الدستوري في تغيّر مفهوم الدولة من المدنية إلى الدينية؟
 
إن النص الديني عندما يتم تضمينه صلب الدستور أو القانون، فإنه يكتسب قيمته الملزمة من قيمة وعائه القانوني. وعليه وإن كان مصدر النص دينيا إلا أنه يستمد قوته من الدستور أو القانون، وبفضله يتحوّل من نص ديني إلى نص قانوني، لذلك لا تصل فاعلية النص الديني إلى تحوّل شكل الدولة إلى دينية، والتي تقوم على فلسفة مختلفة بعمق عن تأثير النص الديني. فالدستور الديني هو الذي لا ينظر الى مكانة الدين فيه، بل الذي ينظر إلى مكانته في الدين، فيصبح هو المتحكّم في طرق فهم النص الدستوري والفاعل في آليات تطبيقه.
 
 ويُعتبر صبّ المحتوى الديني في الوعاء القانوني تكريسا لمفهوم الدولة المدنية المبنية على سيادة القانون، ويُزيل أي تعارض بين النص الديني ومفهوم الدولة المدنية. وهذا ما آمن به الدستور الأردني بترسيخ مبدأ المساواة بين الأردنيين دون تمييز في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا بالعرق أو اللغة أو الدين، فهذه المساواة من معالم مدنية الدولة الظاهرة بالدستور. 
 
كما أن النص الدستوري بحماية الدولة لحرية شعائر الاديان والعقائد طبقا للعادات المرعية ما لم تخل بالنظام العام أو منافية للآداب هو وجه آخر للدولة المدنية، ويشير الى استيعاب الدستور الأردني للأقليّات الدينية وحقها بممارسة شعائرها.
 
بالحوصلة، إن ثارت الجدلية حول مدى أهمية النص الديني وضرورته، يبقى نصا دستوريا أصيل له مكانة أي نص دستوري آخر، وبالتالي تترتب عليه جملة آثار قانونية يجب تفعيلها وفق مكانته الدستورية التي لا يمكن تجاهلها أو وضعها بغير موضعها القانوني السليم.