أطفال غزة.. و«تصنيع الموافقة»*د.محمد الرصاعي
الراي
يشترك السياسيون والإعلاميون الغربيون في تطبيق نموذج الدعاية (Propaganda Model) في التعاطي مع الحرب في غزة، ويستند هذا النموذج الذي طوره المفكر والناشط السياسي الأميركي «نعوم تشومسكي» إلى ثنائية (الضحايا الذين يستحقون) و(الضحايا الذين لا يستحقون)، حيث يصنف النموذج ضحايا الحروب والنزاعات تبعاً لعلاقة دولهم بالولايات المتحدة الأميركية، فالضحايا الذين لا يستحقون هم الضحايا الذين يسقطون على أيدي الدول الموالية أو المحسوبة على أميركا، كما هي الحالة الآن في غزة، حيث يسقط الضحايا على أيدي الجيش الإسرائيلي في صورة غير مسبوقة، ولا يقوم الإعلام الغربي بتغطية حقيقة المجازر بحق المواطنين في غزة كما هي على أرض الواقع، ولا يشير السياسيون كذلك وقادة الدول الغربية في لقاءاتهم وتصريحاتهم لما يحدث من أهوال كبيرة خارجة عن القبول الإنساني، حيث العدد الأكبر من الضحايا في غزة هم من الأطفال والنساء، إلى جانب قصف المستشفيات والملاجئ، والاعتداء على الأطباء والصحفيين، في حين تجد تركيزاً واضحاً في تصريحات السياسيين الغربيين على ضرورة إطلاق الرهائن المحتجزين في غزة، وتكرار الإشارة لما حدث بتاريخ السابع من أكتوبر، وتنامي عدد التقارير الإعلامية واللقاءات التلفزيونية مع أهالي المحتجزين الإسرائيليين في مسار إعلامي وتغطية إعلامية مكثفة تجعل منهم ضحايا يستحقون التعاطف معهم، وتضفي على معاناتهم طابعاً إنسانياً، وفي المقابل لا يحظى أطفال غزة بذات التغطية والاهتمام مما يجعل التعاطف معهم محدوداً أو منعدماً.
هذا النموذج الدعائي الذي يمارسه الغرب بقيادة الولايات المتحدة بات يصنع موقفاً عالمياً ودولياً مؤيداً لما تقوم به إسرائيل من قتل وتدمير في غزة، وهو استخدام فعلي للنموذج لغايات صناعة الموافقة على ما يجري هناك.
وللعلم عنون «نعوم تشومسكي» كتابه الذي شرح فيه آلية عمل النموذج بعنوان «تصنيع الموافقة» وبين أنَّ نموذج البروباغندا يتكون من مجموعة من المرشحات تهدف إلى فلترة وتحديد الأخبار والموضوعات القابلة للنشر، واستبعاد الأخبار والموضوعات التي لا تتماشى مع توجهات ومصالح حراس البوابات الإعلامية الموجهين من السلطات أو المؤسسات الكبرى.
ما يزيد عن (72%) من ضحايا الحرب في غزة هم من الأطفال والنساء، وهذا العدد الذي يزيد على (30000) شهيد يفوق ما خسرته البشرية في عدة حروب من الضحايا الأبرياء، ولم تكن ردة الفعل الدولية بحجم الكارثة، بل بات يسود العالم الصمت في بعض الأحيان، والموافقة على ما يجري في أحيان كثيرة، بل إنَّ البعض يعتبر الصمت الدولي إزاء العدد الكبير من الأطفال القتلى في غزة هو بمثابة موافقة من المؤكد تم تصنيعها وفقاً لنموذج الدعاية الغربي والذي بات ينفذ برعاية أميركية ومباركة غربية واضحة للعيان.