الغد
علينا أن نواجه ونقر ثم نتعامل مع حقيقة واقعية الهروب من الإقرار بها يشبه دفن رأس النعامة بالرمل، وهي حقيقة أن اتفاقية أوسلو سقطت، أخفقت وانتهت إلى الأبد.
هذا يعني بكل ما يحمله المعنى من انهيارات أن كل ما تم بناؤه على أوسلو كله سقط أيضا.
تلك حقيقة ليست مفاجئة لمن يقرأ الأحداث وتتابعها منذ سنوات مضت، ومجرد إعلانات نتنياهو منذ توليه السلطة في إسرائيل وتحولات المزاج العام الإسرائيلي إلى اليمين والتي ترجمتها الانتخابات هناك تباعا بلا توقف لن تعطي إلا تلك النتيجة.
المشكلة الحقيقية أن تبقى الحسابات– كل الحسابات- قائمة على أوسلو، وتلك كارثة حقيقية لا تعني إلا توغلا أكثر في الوهم ومحاولات مستحيلة لأن نمسك الضباب بيدنا.
الإضافة الأكثر عمقا هنا أن العالم كله أيضا يتغير، يعيد صياغة نفسه بكل منظومة علاقاته الدولية من جديد بنسخة جديدة مختلفة كليا بأدواتها وأهدافها ومحتواها عن العالم القديم الذي لا نزال نصرّ على أن نعيش في ظلاله المتلاشية.
وهذا يشمل إقليم الشرق الأوسط، الجغرافيا التي تتغير أيضا وإعادة التموضع في المنطقة لم يعد خيارا تكتيكيا بقدر ما هو حتمية يفرضها العالم نفسه.
إدارة ترامب فتحت جبهات حروب ليست ساخنة بالمعنى التقليدي ولا باردة بالمعنى الذي عهدناه في القرن الماضي، هي مواجهات من نوع جديد أساسها اقتصادي وأدواتها معرفية تقنية بالغة التقدم، وهو لن يكتسح العالم كما قد يتصور البعض، لكن كمية الاهتزازات التي خلقها في منظومة العلاقات الدولية كافية جدا لتقويض ما عرفناه وهدمه، مما يجعلنا نتيقن بحضور وشيك لمنظومة علاقات دولية جديدة قائمة على تفاهمات مختلفة عما سبق كله.
طيب.. ماذا يعني هذا بالنسبة للحظة الراهنة أردنيا؟
يعني ببساطة أن نعيد حساباتنا "كما أن نراجع تحسباتنا" ونسعى لاستدارات كاملة وسريعة نحو الداخل الأردني أولا، وأول ما يجب فعله هو وضع مسطرة قياس معيارها الوحيد "الدولة الأردنية"، ودعونا نواجه حقيقة أن العملية ليست سهلة فهي تتطلب مواجهات ذاتية في الداخل الأردني تزيح جانبا كل أزماتنا المؤجلة وتضع على طاولة الحوار المستعجل والمكثف والواضح كل قضايا المشهد الأردني في الداخل للنقاش والترتيب.
مصلحة الدولة الأردنية تتطلب داخليا ترتيب البيت على مقياس مفهوم "الدولة" وحضورها الراسخ والحاسم والمتمكن، وحين نقول الدولة فنحن نعني دولة المؤسسات والقانون التي لا يعلو عليها أحد.
ومصلحة الدولة في وسط كل التغيرات المحيطة بها، تعني لا حماية الحدود (وهو واجب طبيعي) بل النظر إلى المجال الحيوي الأردني فيما هو أبعد من الخط الحدودي، وكذلك فهم منظومة "التكامل الإقليمي" والتحالفات الدولية التي هي الآن في خضم التغيير.
ببساطة وباختصار..
الدولة نفسها بحاجة إلى مراجعة ذاتية في كل شيء.. وهذا "الكل شيء" يجب أن يناقشه الجميع بعقلانية وعقل بارد.