عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    22-Nov-2019

حارات منسية.. الطرب الأصيل وتوفيق النمري

 

الراي - خالد قوقزة - لم تخلُ حاراتنا العتيقة المنسية من مطربين أحبوا الوطن وتغنوا به، وعشقوه كعشق الزرع للمطر. في حاراتنا العتيقة لم تكن هناك اجهزة تلفاز او هواتف ذكية، فكل ما هنالك مذياع يستمعون منه الاخبار والاغاني.
يجلس السُمّار حول النُقرة وعلى ضوء الفنيار، وقهوتهم السادة تغلي بِدلالها، وفناجليها كل برهة تهتز بين أنامل الحاضرين الذين لا تسمع منهم الا..... دايمة يا ابا فلاح. وتغمُر قلب ابي فلاح السعادة بهذة اللمة الكانونية، والتسلّي بزبيب وقطين وخبيصة، مع ازيز الرياح على شبابيك القناطر العتيقة، وصوت الرعد ولمعان البرق، وتساقط حبات البرد المبشرة بثلجة كبيرة ستكون مِلحة ارض فلَحُوها وزرعوها ببذور القمح والشعير والقَطانة، وموسم غلال.
في بيت ابي فلاح راديو ابو كبسات يعمل على البطاريات، يطلب ابو فلاح من ابنه فلاح بتشغيل الراديو لعله يسمع اغنية تتواءم مع جِلستهم، فيفتح فلاح الراديو ويبدأ باحثا عن ما يريده ابو فلاح، وفجاة يسمع صوت دندنة على العود، فيقول لفلاح: وقّف هون يابه، هاظ ابو صالح (توفيق النمري) بغني خلينا نطرب شوي. يصمت الحاضرون موجهين بصيوانات آذانهم الى الاغنية والتي هزّت مشاعرهم ودبّت بهم روح الحَميّة، ورفعت لديهم المعنوية وزادت من دفء أجسادهم في عزّ برد الشتوية. والتي يقول بها النمري:
مرحا لمدرعاتنا
رمز القوة لبلادنا
إن نزلت للميدان تحمينا من العدوان
وتخلي النصر بجالنا.. تخلي النصر بجالنا
مرحا مرحا مرحا
مدفعها عياره برن
ورصاصه لما يرن
لوكان إقباله جن
النصر بأيد رجالنا.. النصر بايد رجالنا
مرحا مرحا مرحا
دبابات الجنزير
مدفعها عياره كبير
عالظالم لما تغير
يدمّر تحت إقدانا.. يدمّر تحت اقدامنا
مرحا مرحا مرحا
عاش الاردن بأمان
بحمى الجيش السهران
يفدي العرش ب بسمان
باعث نهضة أجيالنا.. باعث نهضة اجيالنا
مرحا مرحا مرحا
فيقول ابو فلاح للحاضرين: ترى بلدنا تِقدر كل يوم تصنع مسؤولين وتكبّرهم، ولكنها نادرا ما تصنع فنان مثل أبو صالح، هاظا الفنان الكبير الذي غنّى للوطن ولكل شبر من ارض هذا الوطن.
لقد دخل ابو صالح النمري قلوب أهل الحارات شيبا وشبابا، فسكن فيها مع الوطن. وكثير منهم أحبوه دون ان يجالسوه وأحبوا كل ما غنّاه، فاصبح الكبير والصغير يردد اغانيه، في المدارس والحارات والشوارع، وفي حقول القمح وبساتين الزيتون وكروم العنب، وتحت اشجار البلوط والزعرور والبطم والصنوبر واللزاب، فبقيت حروفها في القلب ممهورة وعلى اللسان تُغنّى.
لقد أحب صبيان وبنات الحارات العتيقة وعواجيزها شجرة الزيزفون حين غنى لها أبو صالح وللمزيونة التي تستظل بظلها..... تحتك يا زيزفونة ما عيّنت المزيونة.. وحاولوا البحث عن الغزال الذي غنى له... شفتك يا غزال شفتك... وجعلهم يعشقون السلط وواديها.. ياالله على وادي السلط تنلم زهور... وجعل منهم العاشقين لريف الوطن حين غنّى.. ريفية وحاملة الجرة تتمايل عالجنبين ... و... ويلي محلاها البنت الريفية..
كل اهل الحارات العتيقة احبوا توفيق النمري سنديانة الفن الاردني الوارفة الظلال التي غرّدت على أغصانها كثير من بلابل الغناء الاردني والعربي. فأحبوا النمري الذي غنّى للجنود والعسكر وللحصّاد والراعي وغنّى للوطن شماله وجنوبه شرقه وغربه.. رحم االله توفيق النمري ورحم زمانه الأصيل فهو لا يزال بالقلب باقيا.