عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Apr-2019

حیاة لیست لنا! - فریهان سطعان الحسن
الغد- نعیش منذورین لغیرنا، فمنذ صرختنا الأولى في ھذه الحیاة، ونحن نجتھد في تقمص آمال الآخرین، وطموحاتھم التي وضعوھا بنا.
منذ طفولتنا الأولى، نواجھ خیارات محدودة للمكان الذي نرید أن نسحب اتجاه حیاتنا نحوه، في مقابل ما یریده الآخرون، وما خططوا لھ من أجلنا. وتتوالى السنوات متنقلین فیھا من مرحلة عمریة إلى أخرى، من دون أن نجرؤ على ”تخییب ظن“ أولئك الذین فكروا عنا، ورسموا لنا طریقنا.
كل شيء في حیاتنا مبني على توقعات ورغبات لم نصغھا نحن، وربما لم نكن نریدھا لو ترك الأمر لخیارنا، بل من أجل حصد إعجاب أناس یراقبون عن بعد، ویتحكمون بجمیع قراراتنا وتفاصیلنا!
كل ما یدور في زوایا البیوت مبني على ما سیراه من خارجھا: ادرس جیدا حتى یكون معدلك أعلى من ھذا وذاك. علیك التخصص بھذا المجال في الجامعة حتى لا یقولوا ”ابن فلان طلع مھندس او دكتور أحسن وأشطر منك“، وإلى غیر ذلك من صنوف التوجیھ التي تمارس في كثیر منھا ابتزازا عاطفیا نخضع لھ برغبتنا أو من غیرما رغبة، وأحیانا نخضع لأفعال غیر قادرین على مقاومتھا ورفضھا، لذلك نكون منساقین، برضى أو بغصب، باتجاه إرضاء الغیر. إنھا حیاة كاملة نعیشھا
لأجل الآخرین، ونادرة ھي اللحظات الحقیقیة التي نعیشھا من أجل أنفسنا.
نخضع لرغبات فرضت علینا ونقوم بھا بحكم الواجب كي نبقى ”مسالمین“، طعام علیك أن تحبھ وتأكلھ وأنت صغیر وإن كان بالغصب، وملابس لا یحق لك أن تختارھا، فما علیك سوى تنفیذ الأوامر.. معلمة لا تستمع لوجھة نظرك إنما علیك التقید بقراراتھا وعدم النقاش أو الحوار أو الفھم.. احفظ فقط!
وعلى قاعدة ”شو بدھا تحكي الناس“ بتنا نعیش حیاتنا على أمزجتھم، وخوفا من روایة یشكلونھا عنا، تزعزع رأیھم بنا، فھذا ”عیب“ وھذا ”لا یجوز“ وذلك ”یعرضنا للانتقاد“.
ھم لا یشكلون لنا شیئا، لكننا في مجتمع اعتاد أن یتحكم بنا. نعیش لھ ولا نعیش لنا. نرضیھ ولا نرضي أنفسنا، وكأنھم ھم من یعیش حیاتنا، فأصبح مقیاسنا لكل ما نفعلھ مبنیا على آراء طمست ھویتنا واحتیاجاتنا الحقیقیة ورغباتنا الجوانیة.
ربما یأتي یوم نكتشف فیھ أننا نرید أن نعیش لأجل ذواتنا، وأن نكون مقاومین حقیقیین وغیر أسیرین لما یملى علینا، فنفعل ما یشعرنا بالسعادة، وننحاز إلى ذواتنا ورغباتنا، لنعبر عن كل ما احتشد فینا من أمنیات صغیرة لم تستطع التفتح بسبب انجرارنا لوأدھا رغبة في إسعاد غیرنا. ربما سنفعل ذلك یوما ما، وكل ما نتمناه ھو ألا نتخذ ھذا القرار متأخرین كثیرا، بحیث لا یتبقى أمامنا سوى مراقبة شمعات وھي تذوي، من دون أن نمتلك الوقت الكافي لأن نحیا مثلما حلمنا ذات زمن.
ھي حیاتنا التي نتحدث عنھا ھنا، والزمن الذي یتسرب منھا یومیا، ھو زمن مھدور من حیاتنا الخاصة التي كان ینبغي أن تسیر مثلما نشتھي نحن، لا مثلما یرید الآخرون. ھي حیاتنا. فھل نمتلك الجرأة الكافیة لتقریر مصیرھا ومسارھا!