عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    12-Sep-2025

كيف سيرد العرب اعتبارهم غداة العدوان على قطر؟

 الغد-محمد الكيالي

 منذ اللحظة الأولى لاستهداف قادة حماس في قطر من قبل الاحتلال الصهيوني، برز الموقف الأردني كامتداد طبيعي لنهجه الثابت في تبني مواقف عربية منسجمة مع محيطه القومي. 
 
 
ومن المتوقع أن تعلن الدول العربية الأحد المقبل عن تحرك جماعي للرد على الاعتداءات الصهيونية التي استهدفت قطر، في خطوة تعكس مستوى الانشغال العربي بالتصعيد الأخير وحجم التحديات التي يواجهها الأمن الإقليمي. 
ويأتي هذا الحراك في ظل اتصالات مكثفة لجلالة الملك عبدالله الثاني مع كل من السعودية ومصر وقطر والإمارات، إلى جانب زيارة ولي العهد إلى الدوحة، والتي عكست توجها عربيا مشتركا لتعزيز التضامن والتنسيق في مواجهة الممارسات الصهيونية.
وتأتي هذه التحركات في سياق مطالب قطرية واضحة بضرورة محاسبة دولة الاحتلال، بما في ذلك الدعوة إلى اعتقال رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وتحويله إلى المحكمة الجنائية الدولية، ووصف الدولة العبرية بالدولة المارقة التي تعربد في المنطقة العربية. 
ويثير هذا الموقف تساؤلات حول الإمكانات المتاحة للدول العربية للرد على هذا العدوان، والآليات العملية التي يمكن أن تعتمدها للتعبير عن رفضها، سواء على الصعيد الدبلوماسي أو القانوني أو من خلال التنسيق مع المجتمع الدولي لضمان فعالية أي تحرك محتمل.
موقف أردني ثابت تجاه العدوان 
هذا ما أكده الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، الذي اعتبر أن الأردن أظهر انسجاما واضحا مع الحالة العربية عبر إدانة الاعتداء وتبني خطاب يقوم على الشجب والتنديد، وهو ما يعكس ثبات عمان على نهجها العروبي والدبلوماسي المعروف.
وقال أبو زيد إن الموقف الأردني لم يقتصر على البعد التقليدي للدبلوماسية، بل تطور ليحمل أبعادا جديدة تجسدت في الزيارة الأخيرة التي قام بها سمو ولي العهد إلى الدوحة. 
وتابع: "الزيارة جاءت في توقيت بالغ الأهمية لتعكس متانة العلاقات الأردنية – القطرية، بينما عزز جلالة الملك هذا التوجه بتصريحه الواضح أن أمن قطر من أمن الأردن". 
ويقرأ أبو زيد هذه العبارة بوصفها تحولا نوعيا في منطق العلاقة بين البلدين؛ إذ لم تعد مقتصرة على التنسيق السياسي والدبلوماسي فحسب، بل امتدت إلى شراكة أمنية وإستراتيجية تعكس إدراكا متبادلا لطبيعة التحديات المشتركة في المنطقة.
وأكد أن الأردن يمتلك رصيدا دبلوماسيا قويا يؤهله للعب أدوار أكبر من حجمه الجغرافي والسياسي، حيث استطاع عبر عقود من السياسة الخارجية المتوازنة أن يكرس مكانة تتيح له التحرك في الساحتين العربية والدولية بكفاءة عالية. 
وأوضح أن هذه الميزة تجعل عمان قادرة على حشد المواقف العربية وتشكيل جبهة متماسكة في مواجهة ممارسات الاحتلال الصهيوني خصوصا إذا ما تم استثمار صلاتها الوثيقة مع القوى الدولية المؤثرة.
وأضاف: "هذا الرصيد لا يقتصر على علاقات سياسية عابرة، بل يمتد إلى شبكة من التحالفات والاتصالات التي يمكن البناء عليها لتوليد موقف عربي متماسك يحظى بدعم دولي، وهو ما يشكل قيمة مضافة في معادلة الصراع، حيث لا يكفي الموقف العربي وحده دون غطاء دولي يعزز فعاليته".
نحو مبادرة عربية جديدة
وتوقع أبوزيد أن مخرجات هذا الحراك قد تتمثل في بلورة مشروع عربي متكامل يرفع إلى الإدارة الأميركية، والهدف من هذا المشروع أن يفرض على إسرائيل التعاطي مع الأزمة في غزة وفق مقاربة جديدة، بعيدة عن الأساليب الملتوية التي اعتادت عليها. 
وأكد أن الأردن قادر على صياغة هذه الرؤية وإقناع الأطراف العربية بها، فيما تظل عملية تقديمها مرتبطة بالدور القطري كوسيط رئيس في ملف غزة، إضافة إلى مصر التي تمثل ركنا أساسيا في أي تحرك إقليمي يتعلق بالقطاع.
ولفت إلى أن الأنظار تتجه نحو جلسة مجلس الأمن الدولي المرتقبة، والتي تأجلت بناء على طلب قطري. وهذه الجلسة، برأيه، تشكل اختبارا حقيقيا لمدى قدرة الحراك العربي والدبلوماسية الأردنية والقطرية على تحويل المواقف إلى قرار دولي. 
وأضاف أبو زيد "إذا ما نجح هذا المسعى وأفضى إلى إدانة واضحة للاحتلال الصهيوني بسبب انتهاكه الأراضي القطرية، فإن ذلك سيمنح المبادرة العربية زخما إضافيا وشرعية دولية تعزز من فرص نجاحها، أما إذا اقتصرت النتائج على بيانات عامة أو مواقف غير ملزمة، فإن التحدي سيبقى قائما في كيفية ترجمة الزخم الدبلوماسي إلى أدوات ضغط مؤثرة".
وحول الدور الأردني تحديدا، شدد أبو زيد على أن المملكة لم تتراجع منذ اندلاع أحداث غزة عن مساراتها الدبلوماسية والأمنية، بل ظلت تتحرك بفاعلية في مختلف المحافل. 
وأوضح أن قدرة الأردن على الحشد لم تكن ممكنة لولا وجود دعم مصري موازٍ، الأمر الذي يجعل من عمان والقاهرة ثنائيا محوريا في بناء الموقف العربي. 
وأكد أن صياغة المبادرة ستتم بشكل جماعي عربي، بينما ستكون الدوحة الجهة الأنسب لتقديمها بحكم موقعها كوسيط إقليمي فاعل في الملف الغزي.
وشدد على أن الموقف الأردني لم يعد مجرد رد فعل سياسي على حدث عابر، بل أصبح جزءا من معادلة إستراتيجية أشمل تربط الأمن القومي الأردني بالمصالح العربية، وتضع عمان في موقع متقدم على صعيد التنسيق الدبلوماسي والأمني. 
الدوحة تكشف التهور الصهيوني
بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر الماضي، أن ما جرى في قطر لا يمكن النظر إليه كحادثة منفصلة، بل هو امتداد لمسار طويل من الانتهاكات الصهيونية لسيادة الدول العربية وحتى بعض الدول غير العربية.
وأشار الماضي إلى أن الكيان الصهيوني بقيادة نتنياهو بات يتعامل مع المنطقة باعتبارها فضاء مستباحا يتحرك فيه متى أراد، مدفوعا بقدراته العسكرية والتكنولوجية المتطورة التي تتيح له تحديد أهدافه وتنفيذ ضرباته بشكل منفرد. 
وأكد أن هذا السلوك يعكس أزمة عميقة في العقلية السياسية الصهيونية، التي لم تعد تطيق الاعتراف بوجود دول مستقلة وذات سيادة في محيطها، بل تسعى لفرض معادلة الهيمنة والإخضاع.
ويرى أن القمة العربية الأخيرة حملت دلالات مهمة، إذ بدا واضحا أن هناك إدراكا جماعيا بضرورة تجاوز مرحلة الاكتفاء بالتنديد والشجب، والبحث عن أدوات أكثر فاعلية في مواجهة الانتهاكات الصهيونية.
وأضاف إن ما يطمح إليه المواطن العربي اليوم هو أن تتحول هذه الإدانات إلى خطوات ملموسة، سواء عبر تعزيز التضامن العربي الداخلي أو عبر استخدام أوراق القوة الكامنة في البنية الاقتصادية والديمغرافية والجغرافية للدول العربية.
وشدد على أهمية توظيف العلاقات الدولية للدول العربية من أجل ممارسة ضغط حقيقي على الولايات المتحدة، باعتبارها الطرف الأكثر تأثيرا على الاحتلال. 
وأوضح أنه من دون تعديل في الموقف الأميركي الرسمي أو الشعبي تجاه سياسات تل أبيب، سيظل من الصعب تحريك أدوات المساءلة الدولية، سواء من خلال محكمة الجنايات الدولية أو غيرها من الهيئات القانونية.  
فالاحتلال، بحسب الماضي، اعتاد على التمادي في سياساته ليس فقط ضد الفلسطينيين، بل أيضا ضد جيرانه، وحتى ضد دول صديقة وحليفة ووسيطة.
ووصف استهداف قطر من قبل نتنياهو بأنه تصرف ينطوي على "جنون منفلت"، إذ استهدف دولة تعد حليفا رئيسا للولايات المتحدة ووسيطا يحظى بثقة كبيرة في ملفات حساسة. 
واعتبر الماضي أن هذا السلوك يكشف حالة من الاندفاع غير المحسوب في صنع القرار الصهيوني، ويضع نتنياهو أمام أزمة داخلية وخارجية متفاقمة.
وخلص إلى أن حالة الغضب العربي والاشمئزاز الشعبي من هذا السلوك الصهيوني يجب أن تترجم هذه المرة إلى أفعال حقيقية تتجاوز الخطاب التقليدي. 
وتابع الماضي: "القمة العربية، تمثل اختبارا جديا، إما أن تتحول إلى منصة لإنتاج أدوات ردع قادرة على كبح جماح الاحتلال، أو أن تبقى مجرد حلقة إضافية في سلسلة طويلة من الاجتماعات التي لم تترك أثرا ملموسا في مواجهة الاعتداءات المتكررة".
رد عربي وإسلامي موحد
بدوره، أكد المحلل السياسي والخبير الإستراتيجي الدكتور منذر الحوارات أن قطر طالبت برد جماعي من الدول العربية والإسلامية في مواجهة الاعتداء الصهيوني الأخير، مشيرا إلى أن الموقف القطري جاء واضحا وصارما في إطار الاتفاقيات الموقعة بين الأطراف، حيث صدرت تصريحات قوية من الدوحة تدعو بشكل مباشر إلى اعتقال رئيس وزراء الاحتلال وتحويله إلى المحكمة الجنائية الدولية. 
ويرى الحوارات أن هذا التوجه يعكس محاولة قطرية لتوسيع دائرة المحاسبة على المستويين القانوني والسياسي.
وأوضح أن قطر بدأت بالفعل مشاورات مع مجموعة من المحامين الدوليين لرفع قضايا ضد نتنياهو وعدد من الشخصيات الصهيونية التي يعتقد أنها متورطة في العملية، في وقت تشهد فيه الساحة العربية اتصالات مكوكية بين عدة عواصم من بينها عمان والقاهرة والرياض وأبوظبي. 
وأضاف إن زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة جاءت في هذا السياق، من أجل التنسيق مع الدوحة وتعزيز التضامن العربي، تمهيدا لاحتمال عقد قمة عربية-إسلامية كبرى في الدوحة أو في إحدى العواصم العربية بمشاركة ملوك ورؤساء الدول لإدانة الاعتداء والإعلان عن خطوات عملية مشتركة.
وأشار الحوارات إلى أن هذه الخطوات المتوقعة ستتزامن مع إدانة دولية، إلى جانب مواقف داعمة من مجلس التعاون الخليجي والمنظمات الحقوقية والهيئات الإسلامية والعربية المختلفة. 
ومع ذلك، شدد على أن أي تحرك قانوني في المحكمة الجنائية الدولية يظل مرهونا بموافقة بعض الدول، لافتا إلى أن المحكمة سبق أن أصدرت مذكرات توقيف بحق نتنياهو، لكن تفعيلها يحتاج إلى دعم سياسي وتنفيذي من دول عدة.
وتابع موضحا إن القمة المقبلة قد تذهب نحو رفع شكاوى قضائية إضافية ضد الكيان الصهيوني في محاكم دولية أخرى أو تبني قرارات جماعية على الصعيد الدبلوماسي، مثل طرد سفراء أو خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي أو حتى فرض عقوبات اقتصادية ورمزية. 
غير أنه أشار إلى أن هذه الإجراءات تواجه عقبات حقيقية، أبرزها غياب آلية تنفيذية فعالة داخل منظومة الجامعة العربية، إضافة إلى تضارب المواقف بين الدول العربية نفسها، حيث إن بعضها لا يرغب في الدخول في صدام مباشر مع دولة الاحتلال لأسباب تتعلق بالمصالح الأمنية والاقتصادية، أو ارتباطها بتحالفات إقليمية ودولية مع الولايات المتحدة التي تعد الحامي الأكبر للاحتلال عسكريا ودبلوماسيا.
ولفت الحوارات إلى أن أي رد عربي قوي قد يثير رد فعل صهيوني مضاد، قد يتضمن عمليات عسكرية تهدد الأمن الوطني لبعض الدول العربية التي لا تمتلك القدرة العسكرية الكافية لمواجهتها. 
وأكد أن النفوذ الأميركي سيظل عاملا ضاغطا على أي تحرك عربي، سواء بشكل مباشر أو عبر قنوات الضغط غير المعلنة.
وأضاف إن أحد أبرز معوقات العمل العربي المشترك يتمثل في افتقار القمم العربية لآليات تنفيذية واضحة، إذ تظل القرارات حبيسة البيانات الختامية، من دون جهاز بيروقراطي أو اقتصادي أو عسكري يضمن تطبيقها. 
وأشار إلى أن عددا قليلا من الدول يعترف بالمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يضعف من قدرة العرب على التحرك القانوني، لكنه شدد على أن الأيام المقبلة ستشهد تحركا عربيا متضافرا يتمحور حول إصدار بيان سياسي عالي النبرة يدعو إلى محاسبة الاحتلال، حتى لو بقي سقف التحرك عند هذا المستوى.
ولفت إلى أن هناك رغبة عربية صريحة في استعادة الاعتبار وإثبات السيادة الوطنية بعد أن أحدث الاعتداء الصهيوني على قطر صدى واسعا في الشارع العربي.
وأكد أن الدول العربية، وإن كانت أدواتها دبلوماسية، إلا أنها في هذه المرة قد تتخذ مواقف أكثر صرامة وحدة دفاعا عن نفسها وعن مكانتها في الإقليم.