افتتاحية- كرستيان سيانس مونيتور
بعد أن قاست الصعوبات الاقتصادية لمدة لا تقل عن عشر سنوات، ها هي اليونان تستغل مرونتها الناشئة حديثًا في معالجة فيروس كورونا على نحو جيد. ولقد اصبحت تمثل الآن درساً في طبيعة المرونة نفسها.
خلال الأزمة الكاملة الأخيرة في العالم – اي الانهيار المالي الذي حدث قبل عقد من الزمان - كانت اليونان مثالاً على الدولة التي لا ينبغي لأي من البلدان الأخرى أن تحذو حذوها. فقد تمت إدارة نظامها الاقتصادي على نحو سيء لدرجة أنها كانت بحاجة إلى ثلاث عمليات إنقاذ دولية من أجل حمايتها من السقوط. وفي العام الماضي فقط ، بعد أن شهدت سلسلة من ممارسات التقشف والإصلاح الشديد، بدأت البلاد في جني ثمار النجاح على نحو تدريجي. على سبيل المثال، كان أداء سوق الأسهم اليونانية في السنة الفائتة هو الأفضل على مستوى العالم كله.
بل الأهم من ذلك، أنه في شهر اذار الفائت عندما بدأ وباء فيروس كورونا بالتفشي في ارجاء العالم قاطبة، كان شعب اليونان على هبة الاستعداد للبدء في اتخاذ الخطوات المناسبة. ففي وقت مبكر، أغلقت اليونان جزءًا كبيرًا من قطاعات مجتمعها وحذا المواطنون بعناية حذو المسؤولين الحكوميين في احترام قواعد الإغلاق التي تم فرضها. لقد تم استغلال المرونة التي اكتسبها اليونانيون بشكل جيد. اذ يعتبر معدل الوفيات في البلاد جراء فيروس كوفيد-19من أدنى معدلات الوفيات للفرد في أوروبا، ويرجع السبب في ذلك الى الانضباط الاجتماعي الجديد وتحسن الثقة في المؤسسات. قال رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس لصحيفة كاثيمريني: «لقد ازداد وعينا».
بينما تفتح اليونان ابواب اقتصادها بحذر الآن، ستحتاج إلى الاعتماد على الثقة المدنية المتجددة وقدرتها على التكيف والتعلم. اذ تعتمد البلاد بشكل كبير على السياحة الخارجية، وهي صناعة قد تكون من بين أبطأ الصناعات قدرة على التعافي. يجب عليها كذلك أن تتعامل مرة أخرى مع ارتفاع معدلات البطالة. وعلى الرغم من ذلك، وبسبب نجاحهم في التصدي لفيروس كورونا، يظهر المواطنون اليونانيون في هذه الآونه وحدة وثقة ملحوظة من شانها ان تساعدهم على مواجهة التحدي الجديد. فمعظم بلدان أوروبا تسلط انتباهها على اليونان، ليس باعتبارها دولة متهالكة بل كمثال قوي
تعني المرونة ما هو أكثر من مجرد الارتداد إلى الوضع الراهن بعد وقوع كارثة. إنها تعني القدرة على تبني الأفكار والممارسات الجديدة التي تعزز إمكانات الشخص أو المجتمع. يقول المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية باسكال لامي إن المرونة هي انعكاس للسمات الدينية والثقافية للمجتمع ، أو ما يسميه «التمثيلات العقلية». هذه الصفات هي التي تسهم في امتصاص حدة الصدمات الخفية أثناء الأزمات. ويقول كذلك إن الاعتماد على الكفاءة في العمل أو الاداء الحكومي لا يكفي للنهوض. تجدر الاشارة إلى ان المجتمعات التي تزدهر بعد وقوع كارثة ما هي تلك التي تنجح بالفعل في اقامة روابط اجتماعية قوية، بحيث يغدو الغرباء معلى استعداد لمساعدة غيرهم من الغرباء. ولا تعتبر المحن في هذه المجتمعات وليدة الصدفة بل ينظر اليها على انها فرص للنمو. في غالب الاحيان، يعمد الأفراد إلى توسيع نطاق تفكيرهم حيال ما ينشدونه من غايات. مثلما حدث في اليونان، تعتبر المجتمعات التي تكتسب النضج قادرة على تحمل كل أزمة جديدة.