عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    10-Sep-2023

الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لواء الكرك".. دراسة تاريخية للزواهرة

 الغد-عزيزة علي

 صدر عن دار ورد للنشر والتوزيع، بدعم من وزارة الثقافة، كتاب بعنوان "الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لواء الكرك"، خلال فترة التنظيمات العثمانية، وهو عبارة عن دراسة تاريخية للباحث حبيب الزواهرة.
 
يقول المؤلف في تقديمه للكتاب: "إنها تتناول بشكل أساسي ارتباط الدولة العثمانية بلواء الكرك الذي كان يتبع لولاية سورية آنذاك، حيث كان مركزا مهما وموقعا استراتيجيا للتجارة وحماية القوافل وغيرها، وقد كانت الدراسة في هذا الجانب مليئة بالأحداث المنوعة التي حلت بالدولة، فقد شهدت محاولات إصلاحية عديدة لعلها تسد نقاط الضعف التي حلت بالدولة نتيجة للعديد من الظروف". وطالت هذه الإصلاحات لواء الكرك، وكانت في الفنرة "1864-1914م"، حيث تناولها الكتاب بشكل مفصل.
 
كما يشير الزواهرة، إلى أن الكتاب يبرز الأحداث الاقتصادية والاجتماعية بشكل أساسي، والتي كانت خلال فترة حكم الدولة العثمانية، وهي ما سميت بالتنظيمات العثمانية، والتي بدأت في الكرك في الفترة "1874-1914م"، لافتا إلى أن الكتاب يهدف إلى تسليط الوضوء على لواء الكرك، وإبراز كل التغيرات التي حلت به في تلك الفترة، وانعكاسات الأزمة وحالة الفساد التي تعيشها الدولة على حياة الناس في اللواء.
الكتاب جاء في ثلاثة فصول، إلى جانب قائمة بالملاحق والمصادر والمراجع، يتحدث الفصل الأول الذي يمهد إلى أوضاع الكرك قبيل فترة التنظيمات العثمانية، عن أهمية المدينة وأبرز الحضارات التي سكنتها، ويتكون الفصل الخامس وهو بعنوان "جغرافية الكرك"، من خمسة موضوعات، هي "التمسية، الموقع والحدود، التضاريس: (الجبال السهول، الوديان، العيون والينابيع والآبار)، والمناخ (الأمطار، الرطوبة، درجة الحرارة)، والسكان".
وجاء الفصل الثاني وهو بعنوان "الناحية الاقتصادية في لواء الكرك"، ويتكون من تسعة موضوعات هي "الأراضي وأنواعها، ملكية الأراضي، الزراعة، الصناعات والحرف، التجارة، الأسواق، الضرائب والرسوم وطرائق جبايتها، النقود والعملات وأنواعها، الآوزان والمكاييل والمقاييس".
أما الفصل الثالث، فهو بعنوان "الناحية الاجتماعية في لواء الكرك"، ويتكون من سبعة موضوعات هي "فئات المجتمع، الطوائف الدينية، (المسلمون والمسيحيون)، العادات والتقاليد (الأفراح، الأحزان، اللباس)، المنشآت الدينية (الأوقاف، المساجد، الكنائس، الأديرة)، القرى التابعة للواء الكرك، الخرب والآثار، المقابر والترب".
وفي خاتمة الكتاب يتناول الباحث موضوعات رئيسية خاصة بالدولة العثمانية في لواء الكرك، وكان ذلك في الفترة "1864-1914م"، وفي إطار الحديث عن التنظيمات العثمانية والإصلاحات التي حصلت على الناحية الاقتصادية والاجتماعية، كما يتناول الكتاب العديد من الموضوعات المهمة، حيث يوضح الكتاب العديد من الأمور الخاصة بهذا اللواء من حيث تسميته إلى مواقعه وحدوده مع المناطق الأخرى وتضاريسه ومناخه، وجوانية الاقتصادية والاجتماعية على وجه الخصوص.
ولقد كان لواء الكرك في الدولة العثمانية، من أهم ألويتها، كغيره من المناطق، ولكن المحدد الأساس لذلك هو مدى قدرة أي منطقة على دعم الدولة اقتصاديا في الدرجة الأولى، وإضافة إلى عوامل أخرى، مثل مواقعها وحصانتها وغيرها من عوامل القوة، حيث بدأت المحاولات الإصلاحية الحقيقية في الدولة العثمانية في العام 1839م، من خلال فرمان شريف كلخانة، والذي تمثل بجلوس السلطان عبدالحميد الأول على عرش السلطنة، والذي أعلن من خلاله البدء بالإصلاح الداخلي ومحاولة الخروج من حالة الفساد في البلاد بناء على العديد من المطالبات بذلك، والتي جاءت نتيجة الابتعاد عن تعاليم الديانة الإسلامية كما كان واضحا في الفرمان نفسه.
ويضيف، لم يلتزم هذا الفرمان بما جاء في مضمونه، فكانت نتيجة ذلك إعلان فرمان آخر برواسخ جديدة من شأنها إصلاح ما لم ينفذ في الفرمان السابق، فجاء مؤكدا العلاقة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، وغيرها من المبادئ التي ارتكز عليها، وقد بدأت الحركات الإصلاحية في لواء الكرك العام 1864م، حيث استمرت الدولة على النهج المتبع نفسه مع باقي المناطق.
ويوضح، أن الدولة حاولت القيام بإصلاحات عديدة من خلال إصدار قوانين خاصة بالأراضي في العامين 1858م، و1860، لكنها لم تلبي طموح الجميع، فقد سيطرت الدولة من خلالها على  العديد من الأراضي لصالحها، وإبراز الصورة الحقيقية للواء الكرك، وإظهارها كأهمية استراتيجية وعسكرية نوعية على طرق التجارة العالمية، ومن مظاهر تلك الأهمية الآثار التي تحتويها والمعالم الدينية الإسلامية والمسيحية، وهي مقصد مهم ومرر لحجاج بيت الله الحرام القادمين من الشمال.
ويشير إلى انتهاء سياسة الإصلاح في الوصول إلى النتائج الجديدة على المنطقة برمتها، ولكن لم تكن الأقول مثل الأفعال، فتلك المحاولات لم تكن كافية لإخراج الدولة من ضعفها الذي تعاني منه في كل مجالاتها، كيف لا والدولة لم تدعم المواطن بشكل حقيقي وهو أساس هذا الدائرة، بل إنها أثقلت كاهلة بفرض الضرائب والعديد من المطالبات التي جعلته يستغني عن أرضه حتى.
ويقول الزواهرة: "إن الكتاب يبين تضاريس المنطقة وعلاقة أهل الكرك بأرضهم وكيف تعاموا مع الظروف الميحطة بهم، وقد أظهر حياتهم الاقتصادية والاجتماعية ومدى اندماجهم مع أبناء المناطق الأخرى وأبناء الديانات الأخرى، ومن الواضح أن العلاقة كانت قائمة على الإنسانية والمودة بما ظهر من تأقلم وتشارك في أغلب مظاهر الحياة العامة". ما أدى إلى تباطؤ الدولة العثمانية في حل المشكلات الداخلية وإضعاف القوى المسيطرة التي أصبحت على تحكم شبه تام بالدولة، إلى فقدان المواطن ثقته بها وضعف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية كافة.
ويضيف، أظهر الكتاب العديد من الرحالة الجوانب الإيجابية في الكرك ونقلوا حضارة كاملة إلينا، وخاصة الاجتماعية منها، والتي شاركوا بها بشكل مباشر واحتكوا مع أهلها، حيث حرص بعض الرحالة الأجانب ومنهم تريسترام في توضيح الصورة الحقيقية، لأهل الكرك، خاصة عشيرة المجالي، والتي كانت عكس ما ذكروه، فهي قامت عبر الزمن على تقديم يد المساعدة للمسيحيين وغيرهم من المجالات كافة، واستضافتهم في أراضيها من دون انحياز أو تمييز.
ويرى أن أهل الكرك، اتصفوا في هذه الفترة بالعديد من الصفات الحميدة، مثل الكرم واحترام الضيف وتقديره، وهذا يعطي انطباعا إيجابيا عنهم، وقد ذكر ذلك العديد من الرحالة الأجانب في زيارتهم لها، وأكثر ما أعطى هذه المنطقة طابعي القوة والسيطرة، هو طبيعة جبالها وقلعتها الحصينة التي تميزت عبر العصور، وحاول الجميع السيطرة عليها.
وفي المقدمة يقول الزواهرة: "إن كتابه يقدم جزءا من أجزاء الدولة العثمانية وركنا أساسيا منها وهو لواء الكرك، وتعد هذه الدولة أطول من حكم العالم الإسلامي، وأظهر بذلك الكثير من جوانب القوة والضعف، والتي لاحقتها على مدار حكم سلاطينها، وامتدت إلى مدن ودول كثيرة، وكانت بين العامين "1299-1924م"، تقريبا، حيث ما يقارب "6"، قرون من الإنجازات والإخفاقات، والتي سيخصصها الكتاب عن لواء الكرك بالتحديد".
ويشير المؤلف، إلى أن الكرك كانت متواجدة على الخريطة العالمية قديما، حيث ظهرت في العصور القديمة واشتهرت وقتها بالزراعة، فهي المحدد الأساسي آنذاك لحياة الإنسان، وامتدت منذ ذلك الوقت مرورا بالعصر العثماني إلى وقتنا الحالي، وبذلك اكتسبت الكرك أسماء عديدة تبعا للعصر الذي عاشته. وأكثر ما كان يميز هذه المدينة هي قلعتها الحصينة التي مر عليها الكثير من الملوك، وقد قامت عليها الكثير من المعارك في صورة واضحة لحصانتها وحصانة مدينتها.
ويرى، أن الحضارات المتعددة على أرض الكرك استمرت بالوجود، وهذا يدل على عمق هذه المنطقة في التاريخ، وأهميتها التي اكتسبتها مع الزمن، فقد كانت في قلب الحضارة النبطية في يوم من الأيام، أضف إلى سيطرتها على طرق تجارية مهمة، ووقوعها على مفترق طرق بين شبه الجزيرة العربية ومصر وبلاد الشام، وعمقها السياسي والعسكري والثقافي.
وبين، أن لواء الكرك حظي خلال فترة الحكم العثماني بالاهتمام الكبير، خاصة في الفترة التي تناولها الكتاب "1864-1914م"، فقد عد مركزا مهما ومكانا يستحق كل ذلك العناء. وعلى مدار حكم السلاطين جميعا حصل هذا اللواء على إنجازات عديدة ومحاولات إصلاحية كثيرة، تقدمت به خطوة إلى الأمام، خاصة بعد حالة الفساد التي حلت بالدولة، وظهور قوى أخرى حاولت السيطرة على المشهد بشكل أو بآخر، وبذلك قامت بإضعاف تلك القوى في محاولة منها للإصلاح والتغيير في جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، حيث بدأت تلك الإصلاحات بعد المناداة من أطراف عديدة بضرورة التحرك لإنقاذ ما تبقى من الدولة، وكان ذلك بداية بالمحاولات التي أطلقها السلطان سليم الثالث "1789-1807م"، حيث كانت الإصلاحات في بدايتها في الجانب العسكري وتنظيم الجهازين المالي والإداري، وفي ذلك الوقت عرفت هذه المحاولات والإنجازات بـ"النظام الجديد"، إلا أن السلطان لم ينجح في إتمام مهامه، فقد عزل وقتل في النهاية، ومن بعده لم يتوانى السلطان محمود الثاني عن ذلك، فحاول جاهدا القضاء على الإنكشارية ونجح في ذلك، لكن إصلاحاته لم تكن كافية لإخراج الدولة مما هي فيه.