الغد
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جيفري د. ساكس؛ وسيبيل فارس* - (كومون دريمز) 2/9/2025
حتى في مواجهة تعنت الولايات المتحدة، يمكن للعالم أن يتحرك -وسوف تقف الحكومة الأميركية عارية ووحيدة في تواطئها الإجرامي مع إسرائيل.
تقوم إسرائيل، بتواطؤ أميركي كامل، بارتكاب إبادة جماعية في غزة من خلال التجويع الجماعي للسكان، إلى جانب جرائم القتل الجماعي المباشر والتدمير المادي لبنية غزة التحتية.
إسرائيل تنفذ العمل القذر. لكن الحكومة الأميركية هي التي تموله وتوفر له الغطاء الدبلوماسي عن طريق استخدام حق النقض (الفيتو) في "مجلس الأمن". وتوفر شركة "بالانتير"، من خلال برنامج "لافندر"،(1) قدرات الذكاء الاصطناعي لتنفيذ القتل الجماعي بكفاءة. وتقوم شركة "مايكروسوفت"، عبر خدمات "أزور" السحابية؛ و"غوغل" و"أمازون"، من خلال "نيمبوس"،(2) بتقديم البنية التكنولوجية الأساسية للجيش الإسرائيلي.
هذا ما يميز جرائم الحرب في القرن الحادي والعشرين بوصفها شراكة عامة-خاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وقد أكدت قيام إسرائيل بالتجويع الجماعي لسكان غزة كل من الأمم المتحدة، و"منظمة العفو الدولية"، و"الصليب الأحمر"، ومنظمة "أنقذوا الأطفال"، والعديد من الهيئات والجهات الأخرى.
دعا "المجلس النرويجي للاجئين"، مع 100 منظمة أخرى، إلى إنهاء استخدام إسرائيل للإغاثة الغذائية كسلاح. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُؤكد فيها "المجلس" رسميًا حدوث تجويع جماعي في الشرق الأوسط.
حجم المجاعة مذهل. في غزة تحرم إسرائيل بشكل منهجي أكثر من مليوني إنسان من الغذاء. ويواجه أكثر من نصف مليون فلسطيني جوعًا كارثيًا، وهناك ما لا يقل عن 132 ألف طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر الموت بسبب سوء التغذية الحاد.
وقد وثقت صحيفة "هآرتس" حجم الرعب بالكامل في مقال حديث بعنوان "المجاعة في كل مكان". ويتعرض أولئك الذين يتمكنون من الوصول إلى مواقع توزيع الغذاء بشكل روتيني لإطلاق النار من الجيش الإسرائيلي.
كما أوضح سفير أميركي سابق لدى إسرائيل مؤخرًا، فإن نية تجويع السكان كانت موجودة منذ البداية. وصرّح وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، مؤخرًا: "لا توجد أمة تطعم أعداءها". وقال الوزير بتسلئيل سموتريتش أيضًا: "من لا يُخلي، لا تدَعوه. لا ماء، لا كهرباء؛ يمكنهم أن يموتوا جوعًا أو يستسلموا. هذا ما نريده".
مع ذلك، وعلى الرغم من هذه التصريحات الفاضحة التي تدعو إلى الإبادة الجماعية، يواصل ممثلو الولايات المتحدة في الأمم المتحدة إنكار الحقائق والتغطية على جرائم الحرب الإسرائيلية. وكانت الولايات المتحدة وحدها هي التي استخدمت (الفيتو) ضد قبول فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة في العام 2024. والآن، تقوم الولايات المتحدة برفض منح تأشيرات دخول لقادة ومسؤولين فلسطينيين للمجيء إلى الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر)، في انتهاك آخر للقانون الدولي.
استخدمت الولايات المتحدة قوتها، وخاصة حق النقض في مجلس الأمن، لمساعدة إسرائيل في إبادة الفلسطينيين وعرقلة حتى أبسط الاستجابات الإنسانية. والعالم في حالة ذهول، لكنه يبدو مشلولًا أمام آلة القتل الأميركية-الإسرائيلية.
ومع ذلك، يمكن للعالم أن يتحرك، حتى في مواجهة تعنت الولايات المتحدة. وسوف تقف الولايات المتحدة عارية ووحيدة في تواطئها الإجرامي مع إسرائيل.
فلنكن واضحين. إن الصوت الساحق للإنسانية يقف الآن في صف شعب فلسطين. في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، صوّتت 172 دولة، تمثل أكثر من 90 في المائة من سكان العالم، لدعم حق فلسطين في تقرير المصير. وكانت إسرائيل والولايات المتحدة معزولتين عمليًا في معارضتهما. وتتكرر الأغلبية الساحقة نفسها باستمرار تأييدًا لفلسطين وضد أفعال إسرائيل.
أصبحت حكومة إسرائيل البلطجية تعتمد الآن فقط على دعم الولايات المتحدة، ولكن حتى هذا قد لا يستمر طويلًا. على الرغم من تعنت ترامب ومحاولات الحكومة الأميركية كبت الأصوات المؤيدة لفلسطين، فإن 58 في المائة من الأميركيين يريدون أن تعترف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، مقارنة بـ33 في المائة فقط ممن يرفضون. وبالإضافة إلى ذلك، يعارض 60 في المائة من الأميركيين أفعال إسرائيل في غزة.
إليكم مجموعة من الخطوات العملية التي يمكن للعالم أن يتخذها لإيقاف إسرائيل:
أولًا: حددت تركيا المسار الصحيح بإنهاء جميع الروابط الاقتصادية والتجارية والملاحية والجوية مع إسرائيل. لقد أصبحت إسرائيل حاليًا دولة مارقة، وكانت تركيا محقة في معاملتها على هذا الأساس حتى ينتهي التجويع الجماعي الذي تنفذه إسرائيل، وتُقبل دولة فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة لتكون الدولة رقم 194، ضمن حدود 4 حزيران (يونيو) 1967. يجب على الدول الأخرى أن تحذو فورًا حذو تركيا.
ثانيًا: يجب على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي لم تفعل ذلك بعد أن تعترف بدولة فلسطين. حتى الآن، تعترف 147 دولة بفلسطين. ويجب على عشرات الدول الأخرى أن تفعل ذلك في قمة الأمم المتحدة حول فلسطين التي ستُعقد في 22 أيلول (سبتمبر)، حتى على الرغم من الاعتراضات الصاخبة للحكومة الأميركية.
ثالثًا: يجب على الدول العربية الموقعة على "اتفاقيات أبراهام" -البحرين والمغرب والسودان والإمارات- تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل حتى ينتهي حصار غزة وتُقبل دولة فلسطين في الأمم المتحدة.
رابعًا: يجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية الثلثين من الأعضاء الحاضرين والمصوّتين، أن تعلّق عضوية إسرائيل في الجمعية العامة حتى ترفع حصارها القاتل عن غزة، استنادًا إلى سابقة تعليق عضوية جنوب إفريقيا خلال حقبة نظام الفصل العنصري. لا تملك الولايات المتحدة حق النقض في الجمعية العامة.
خامسًا: يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن توقف تصدير جميع خدمات التكنولوجيا التي تدعم الحرب، حتى ينتهي حصار غزة وتُقبل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن. ويجب أن تواجه الشركات الاستهلاكية، مثل "أمازون" و"مايكروسوفت"، التي تواصل مساعدة قوات الدفاع الإسرائيلية في سياق الإبادة الجماعية، غضب المستهلكين في جميع أنحاء العالم.
سادسًا: يجب على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن ترسل قوة حماية تابعة للأمم المتحدة إلى غزة والضفة الغربية. عادةً ما يكون مجلس الأمن هو الذي يكلّف قوة حماية، ولكن في هذه الحالة ستعرقل الولايات المتحدة المجلس باستخدام (الفيتو). وثمة طريق آخر.
بموجب آلية "الاتحاد من أجل السلام"، عندما يكون مجلس الأمن في حالة جمود، تنتقل سلطة اتخاذ القرار إلى الجمعية العامة. وهكذا، بعد جلسة لمجلس الأمن و(الفيتو) الأميركي شبه المؤكد، سيتم عرض الموضوع على الجمعية العامة في الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة المستأنفة بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
وهناك، يمكن للجمعية العامة، بأغلبية الثلثين غير الخاضعة لـ"فيتو" الولايات المتحدة، أن تخوّل إنشاء قوة حماية استجابةً لطلب عاجل من دولة فلسطين. وهناك سابقة: في العام 1956، خوّلت الجمعية العامة "قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة" (U.N.E.F.) لدخول مصر وحمايتها من الغزو المستمر من إسرائيل وفرنسا والمملكة المتحدة.
بدعوة من فلسطين، ستدخل قوة الحماية إلى غزة لتأمين المساعدات الإنسانية الطارئة للسكان الجائعين. وإذا هاجمت إسرائيل قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة، فإن القوة ستكون مخولة بالدفاع عن نفسها وعن سكان غزة.
يبقى أن نرى ما إذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة ستجرؤان على مواجهة قوة مفوضة من الجمعية العامة للأمم المتحدة تحمي الغزيين الجائعين.
لقد تجاوزت إسرائيل خطًا واضحًا نحو أبشع الجرائم على الإطلاق: تجويع المدنيين حتى الموت وإطلاق النار عليهم وهم يقفون، هزيلين، في طوابير للحصول على الطعام. لم يعد هناك خط آخر يمكن تجاوزه، ولا وقت يمكن خسارته. إن أسرة الأمم تواجه اختبارًا واستدعاءً للتحرك لم تشهده منذ عقود.
*جيفري د. ساكس Jeffrey D. Sachs: أستاذ جامعي ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، حيث أدار "معهد الأرض" من العام 2002 حتى العام 2016. وهو أيضًا رئيس "شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة"، ومفوّض في "لجنة الأمم المتحدة العريضة للنطاق الترددي من أجل التنمية".
*سيبيل فارس Sybil Fares: باحثة متخصصة ومستشارة في سياسات الشرق الأوسط والتنمية المستدامة في "شبكة حلول التنمية المستدامة".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: We Must Stop Israel from Starving the People of Gaza-Here's How
هوامش المترجم:
(1) برنامج لافندر Lavender: أداة ذكاء اصطناعي عسكرية إسرائيلية تُستخدم في الحرب على غزة لتصنيف الأهداف البشرية بشكل آلي، حيث تضع قوائم اغتيال استناداً إلى بيانات ضخمة، ما أثار جدلاً واسعاً حول دورها في استهداف المدنيين.
(2) نيمبوس Project Nimbus: مشروع تقني مشترك بين شركتي "غوغل" و"أمازون" لتزويد الحكومة والجيش الإسرائيليين بخدمات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، متهم بالمساهمة في تعزيز قدرات المراقبة والقمع ضد الفلسطينيين.